معضلة نوتنغهام: روبن هود أم التكنولوجيا المتقدمة؟

مركز التسوق «برودمارش» في نوتنغهام يُهدم بعد توقف خطط التطوير أثناء الوباء (نيويورك تايمز)
مركز التسوق «برودمارش» في نوتنغهام يُهدم بعد توقف خطط التطوير أثناء الوباء (نيويورك تايمز)
TT

معضلة نوتنغهام: روبن هود أم التكنولوجيا المتقدمة؟

مركز التسوق «برودمارش» في نوتنغهام يُهدم بعد توقف خطط التطوير أثناء الوباء (نيويورك تايمز)
مركز التسوق «برودمارش» في نوتنغهام يُهدم بعد توقف خطط التطوير أثناء الوباء (نيويورك تايمز)

ما تزال هيلاري سيلفستر تتذكر اللحظة التي رأت فيها للمرة الأولى مركز برودمارش، مركز التسوق التجاري الذي يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، والذي يعد رمزاً لجهود تحديث نوتنغهام في خضم حقبة معمارية مختلفة، ولكنه الآن أصبح تاريخاً.
تقول سيلفستر، الرئيسة التنفيذية لـ«جمعية نوتنغهام المدنية»: «بصراحة، بدأت في البكاء»، واصفة كيف أن المركز التجاري بنى جداراً عملاقاً عبر المدينة طمس الأفق من خلفه، وأضافت: «لم أتمكن من رؤية المباني التي أعرفها».
الملاحظ أن ثمة انحساراً في الشوارع الرئيسية والمراكز التجارية عبر أرجاء أوروبا، وذلك مع إغلاق متاجر لبيع التجزئة يميناً ويساراً. وعندما يهدم هذا الصرح القديم غير المحبوب بالكامل، سيتحول إلى رمز لهذا الانحسار. وفي وقت يخوض تجار التجزئة فيه معركة خاسرة في مواجهة شبكة الإنترنت، تسببت جائحة فيروس «كورونا» المستجد في الإسراع من وتيرة هذا التوجه، الأمر الذي أضعف فرص إحلال مركز تجاري جديد محل «برودمارش».
وفي خضم ما يمكن أن يشكل مقدمة لما ستشهده كثير من المدن عبر أرجاء العالم قريباً، تعكف نوتنغهام على دراسة ما يجب عمله مع الفجوة التي ستظهر في شوارعها قريباً بعد هدم المركز التجاري؟ وفي قلب هذا النقاش، يكمن سؤال مثير للاهتمام: «هل ينبغي أن تبدو نوتنغهام مستقبلاً أكثر شبهاً بالماضي؟
في هذا الإطار، ثمة أمر واحد مؤكد: أي شيء ستأتي به المدينة سيكون أفضل من مركز «برودمارش».
في هذا الصدد، أكدت أفارني بيلان، عضو اللجنة الاستشارية رفيعة المستوى التي تبحث البدائل الممكنة لمساحة التسوق القديمة، أنه: «كان عاراً حقيقياً دوماً أن يكون أول شيء تقع عليه عيون الناس لدى نزولهم من القطار في نوتنغهام مركز (برودمارش)».
ومن بين الاقتراحات المألوفة إلى حد ما إنشاء مساكن جذابة أو مكاتب لشركات التكنولوجيا الجديدة، إلى جانب مساحات لمتاجر ومقاهي ومركز للفنون المسرحية.
ومن ناحية أخرى، ترتبط هذه المدينة، الواقعة في قلب إنجلترا وكثيراً ما تتعرض للتجاهل، بقصة روبن هود! وقد اكتسبت فكرة العودة إلى الماضي زخماً بعدما وجد الاستشاريون أن سكانها يقدرون المساحات الخضراء والتراث.
وتتمثل واحدة من المقترحات في إنشاء مساحة خضراء واسعة يمكن أن تكون بمثابة إيماءة رمزية تجاه غابة شيروود المرتبطة بأسطورة روبن هود ورجاله الذين كانوا يسرقون الأثرياء ليمنحوا المال للفقراء. ويتمثل مقترح آخر تدعمه سيلفستر في العودة إلى خريطة الشوارع التي تطورت على امتداد قرون حتى جاء «مركز برودمارش» ومحاها.
وفي جولة سيراً على الأقدام داخل المدينة، أبدى بيتر روغان، المهندس المعماري المعني بالحفاظ على البيئة الذي اقترح هذه الخطة، أسفه لخسارة أحد أضيق شوارع التسوق في البلاد، دروري هيل، الذي تعرض للتمزيق من أجل إفساح الطريق أمام «مركز برودمارش»؛ البناء الذي وصفه روغان بأنه أشبه «بحوت ميت سقط من الفراغ على النمط التاريخي السائد بالمنطقة».
وشدد روغان على أنه ليس معجب بالحنين الشوفيني للماضي الذي أحياناً ما اتسمت به مسيرة بريطانيا نحو الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، لكنه يرى في عودة مخطط الشارع القديم خطوة من شأنها الحيلولة دون السقوط في خطأ آخر مشابه لـ«برودمارش».
وأضاف: «لا أود العودة إلى بنايات العصور الوسطى أو تلك التي تعكس تقليداً زائفاً أو البنايات التي تنتمي إلى عالم ديزني. لا أريد العودة لفترة انتشار أمراض الزهري والسل، لكني أريد العودة إلى مدينة يمكنك التجول في أرجائها بحرية ورؤية معالمها، والشعور بالإثارة تجاه أشياء جديدة تراها بها».
وتتمثل فكرة روغان في استخدام المواد التقليدية على نحو إبداعي لبناء مبانٍ أصغر حجماً طويلة الأمد تتميز بطابع شخصي، بدلاً عن العودة إلى الشوارع المرصوفة بالحصى. ومع ذلك، اعترف في أثناء احتسائه القهوة بأنه ربما يؤيد بناء مبنى يتميز بمعمار العصور الوسطى.
ومن ناحية أخرى، لا يعد روبن هود الأصل التاريخي الوحيد الذي تتميز به نوتنغهام التي كانت مركزاً للحرب الأهلية الإنجليزية في القرن الـ17. وتضم قلعة على قمة تل تعود إلى قرون عدة، علاوة على شوارع جورجية أنيقة ومتاهة خفية تتألف من قرابة 500 كهف من الحجر الرملي، يعود بعضها إلى العصور الوسطى.
ويعني ما سبق توافر إمكانات تجارية كبيرة لاستغلال الماضي، مثلما ترى سارة بلير مانينغ، المديرة التنفيذية لدى مؤسسة «نوتنغهام كاسل ترست» التي تتولى الإشراف على مشروع تجديد الموقع بقيمة 30 مليون جنيهاً إسترلينيا (42 مليون دولار).
وقالت مانينغ، في إشارة إلى المدن الإنجليزية التي لطالما كانت مناطق جذب سياحي: «انظر إلى باث، وإلى يورك، فأنت تهتم بحركة الزوار في مثل هذه المدن». وأضافت أن أفكار روغان «ستكون منطقية تماماً لو أننا نبني شيئاً يوليه اهتمامه الأول إلى السياحة التراثية».
ومع ذلك، هناك آخرون ليسوا على القدر ذاته من الثقة. فعلى سبيل المثال، يفضل ديفيد ميلين، رئيس مجلس مدينة نوتنغهام، مزيجاً من مساحات المعيشة والمساحات الخضراء، مع مقاهي وبعض المتاجر. جدير بالذكر أن عقد استئجار «برودمارش» أعيد إلى المجلس عندما انهارت خطط بناء مركز تجاري جديد، لكن ما يزال من الضروري أن يجني الموقع دخلاً للمدينة.
ومن جانبه، يفضل ميلين جذب السياح إلى شبكة الكهوف الاستثنائية التي تتميز بها المدينة، والتي تشمل المدابغ الوحيدة الموجودة تحت الأرض في بريطانيا، التي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، وغالباً ما جرى نحتها من الحجر الرملي، وتضمنت كل شيء من غرف بالمتاجر ومساكن إلى مصانع وملاجئ من الغارات الجوية، إلا أنه غير مقتنع بإعادة تبني نمط الشوارع القديمة.
وقال ميلين: «كان الحصى المستخدم في رصف الشوارع هناك لغرض معين في ذلك الوقت بالذات. اليوم، لا يمكنك العودة للماضي إلا إذا كنت تنوي بناء نوع من المتنزهات الترفيهية، وهذا المكان ليس متنزهاً، فنحن واحدة من المدن الأساسية داخل المملكة المتحدة».
ومن ناحيته، تروق لغريغ نوجينت الذي يتولى قيادة لجنة استشارية لإعادة التطوير فكرة إنشاء رابط رمزي بغابة شيروود، لكنه حذر كذلك من إقرار مخطط إعادة الشوارع القديمة، وقال: «أحب هذه الفكرة، لكني لا أودها أن تقوم بأكملها على شعار (دعونا نعيد الشوارع القديمة)؛ أعتقد أنه من الضروري أن ينطوي الأمر على فكرة أكبر عن ذلك».
ومع تركز كثير من المساحات الخالية في قلب نوتنغهام، يرى نوجينت فرصة لا مثيل لها أمام المدينة لاستغلال مسيرة الجهات الساعية للاستفادة من تراجع مراكز التسوق التجاري والشوارع الرئيسية.
وربما يكون أحد الخيارات هنا تكريس جزء من المساحة للأعمال التجارية القائمة على التقنيات الخضراء المستقبلية. جدير بالذكر هنا أن نوجينت كان مدير اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأوليمبية في لندن عام 2012. وقد قال: «أعتقد أن هذه ربما تشكل بداية لنهضة نوتنغهام؛ إنها حقاً مدينة مثيرة للاهتمام مبدعة للغاية، إنها ليست لندن ولا مانشستر، وهي تملك شجاعة لافتة في التزامها نهجاً مميزاً لها».
* خدمة «نيويورك تايمز»



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.