مشاريع إعادة تدوير تُحوّل كمامات مستخدمة إلى مقاعد مدرسية

ممرضة تجمّع كمامات مستخدمة لإعادة تدويرها في مستشفى بباريس (أ.ف.ب)
ممرضة تجمّع كمامات مستخدمة لإعادة تدويرها في مستشفى بباريس (أ.ف.ب)
TT

مشاريع إعادة تدوير تُحوّل كمامات مستخدمة إلى مقاعد مدرسية

ممرضة تجمّع كمامات مستخدمة لإعادة تدويرها في مستشفى بباريس (أ.ف.ب)
ممرضة تجمّع كمامات مستخدمة لإعادة تدويرها في مستشفى بباريس (أ.ف.ب)

قد تخضع الكمامات الواقية من فيروس «كورونا» لإعادة التدوير قريباً في أستراليا، لتحسين قدرة إسفلت الطرق على المقاومة وزيادة مرونته، أما في الولايات المتحدة فهي تُستخدم لصنع مقاعد المدرسة أو أغطية الأرضيات، في حين أن بعضها في فرنسا يُستعمل في مجال صناعة السيارات. إلا أن «معدات الحماية الشخصية» لا تزال بعيدة جداً عن إعادة التدوير نظراً إلى وزنها الخفيف وقابليتها للتطاير، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. والواقع أن العالم الساعي إلى إبطاء تفشّي جائحة كوفيد - 19، ساهم في انتشار مشكلة عالمية أخرى هي التلوث البلاستيكي. فوفقاً لجمعية الكيمياء الأميركية، لا يقل عدد الكمامات المصنوعة من مادة البولي بروبيلين المطاطية والمعدنية المستخدمة شهرياً في كل أنحاء العالم عن 129 ملياراً، أي أكثر من أربعة مليارات في اليوم.
والنتيجة أن هذه الكمامات تتراكم في مواقف السيارات، وعلى طول الأنهار، أو تسد المجاري، أو تتسبب باختناق الحيوانات البحرية.
ونقل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) عن شركة «غراند فيو ريسيرتش» أن المبيعات العالمية للكمامات بلغت ابتداء من صيف العام الفائت 166 مليار دولار سنة 2020 في مقابل 800 مليون في عام 2019.
ودعا برنامج الأمم المتحدة للبيئة الحكومات إلى التعامل مع إدارة هذه النفايات في مجالَي السياحة وصيد الأسماك كخدمة عامة أساسية. وأشار البرنامج إلى أن ثمة حاجة إلى 40 مليار دولار لمجرّد الحدّ من الآثار الضارة لوصول هذه الملوثات الجديدة إلى المياه. إلا أنّ آمالاً بدأت تبرز بإمكان استخدام هذه المنتجات البلاستيكية مرة ثانية.
وحصل فريق باحثين أستراليين من معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا من خلال خلط الأقنعة المسحوقة مع الردميات المفتتة، على أسطوانة مصنوعة من مادة مرنة وذات قدرة عالية على التحمل يمكن استخدامها كواحدة من الطبقات اللازمة لإقامة طريق. وتستلزم طريق بطول كيلومتر واحد ثلاثة ملايين كمامة. وقال الباحث في جامعة ملبورن الملكية للتكنولوجيا («آر إم آي تي») محمد صابريان الذي يعوّل على خصائص الكمامات لجهة «قوة الشد» لوكالة الصحافة الفرنسية: «نبحث عن شركاء للانتقال إلى التطبيق الفعلي وإقامة طريق تجريبية».
أما قطاع المستشفيات، فتولى زمام الأمور بنفسه. في بريطانيا، استثمرت مستشفيات عدة في آلة ضغط أنتجتها مجموعة الضغط الحراري في كارديف (ويلز) تتولى صهر الأردية الطبية والكمامات الجراحية في قرص بلاستيكي ذي لون مائل للزرقة، يُستخدم لاحقاً في صنع كراسي الحدائق أو طاولاتها.
في فرنسا، بدأت تظهر بعض المبادرات في هذا المجال. فمستشفيات باريس وبعض المجموعات الكبيرة كشركة «سان غوبان» لمواد البناء أو محطة «تي إف 1» التلفزيونية تبادر إلى جمع كماماتها في مستوعبات الفرز. وتُفصَل مكوناتها للإبقاء على البولي بروبيلين فقط، وتحويله إلى حبيبات، ثم إعادة استخدامه في صناعة السيارات. وفي بعض البلدان، تأتي المبادرات من السلطات المحلية في المدن والمناطق، مثل فانكوفر في كندا التي نشرت مستوعبات جمع الكمامات.
لكن هذه الحماسة لتدوير الكمامات تصطدم بضعف الربحية التي توفرها إعادة التدوير الكمامات. وأوضح المدير العام لشركة «تيرا سايكل» في ولاية نيوجيرسي الأميركية توم زاكي أن «تكلفة جمع الكمامات وفرزها وإعادة تدويرها عالية جداً، مقارنة بقيمة المواد الناتجة». وتبيع الشركة صناديق من الورق المقوى للمؤسسات، يستخدمها زبائنها لرمي الكمامات المستعملة التي يجري بعد ذلك فرزها في أوهايو، ومن ثم إعادة تدويرها. وشرح: «لماذا يمكن إعادة تدوير الألمنيوم؟ لأن قيمة الألمنيوم عالية جدا، فهي تمثل أكثر من تكلفة جمعه ومعالجته».
وأضاف «لماذا حفاضات الأطفال أو الكمامة غير قابلة لإعادة التدوير؟ لأن جمعها وتحويلها يكلفان أكثر، مع نتيجة تحويل سيئة، بحيث لا يجرؤ أحد على المخاطرة في مشروع كهذا، إذ لا إمكان لكسب المال». وتابع قائلاً «لهذا السبب نبحث عن رعاة، فإذا أرادت جهة دفع التكاليف، يمكننا تقديم الخدمة».



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».