عون وحيداً في رسالته إلى البرلمان بمواجهة «الإطفائي» بري

TT

عون وحيداً في رسالته إلى البرلمان بمواجهة «الإطفائي» بري

يدخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة غير تلك التي قامت مع تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، وهذا ما أراده رئيس الجمهورية ميشال عون في توجيهه رسالة إلى المجلس النيابي، يشكو فيها الرئيس المكلف ويحمله مسؤولية التأخير في تشكيلها، ويطلب من النواب اتخاذ ما يرونه مناسباً لأنهم أصحاب القرار النهائي، باعتبار أن الأكثرية في البرلمان هي التي سمت الحريري لتأليف الحكومة.
ولم يأخذ عون بالنصائح التي أُسديت له من جهات محلية وخارجية، على خلفية أن الرسالة ترفع منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي، وتحديداً بين الطائفة السنية الداعمة للحريري و«العهد القوي» والتيار السياسي المحسوب عليه، وذهب في رمي المسؤولية على الرئيس المكلف إلى مضامين حملتها الرسالة أقل ما يقال فيها أنها تحريضية تفتح الباب أمام الانقلاب على اتفاق الطائف.
ومع أن عون لم يطلب مباشرة من النواب سحب تكليفهم للحريري بتشكيل الحكومة، فإن الوقائع التي أوردها في رسالته تنم عن تحريضهم على نزع التكليف بطريقة مخالفة للدستور، رغم أنه لا اعتراض على صلاحيته في مخاطبتهم، خصوصاً أن نزع التكليف يتطلب تعديل الدستور، وهذا ما يلقى معارضة نيابية لقطع الطريق على إقحام البرلمان في انقسام طائفي.
كذلك فإن عون -بحسب مصدر نيابي بارز تحدث لـ«الشرق الأوسط»- لم يتردد في توجيه رسالته إلى البرلمان لربطها بالرسالة التي بعث بها إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونفض يديه من اتهامه بتعطيل تشكيل الحكومة، ورمى بالمسؤولية الكاملة على الرئيس الحريري.
وربما أخطأ عون في الشكل والمضمون عندما اتخذ قراره ذلك -منفرداً أو بمباركة «أهل البيت»- اعتقاداً منه بأن المفاوضات الجارية في المنطقة على أكثر من صعيد، بالتزامن مع فتح قنوات التواصل بين الخصوم، ستصب لمصلحته وتؤمن له «فائض القوة»، ليس لقلب الطاولة في وجه الحريري فحسب، وإنما للانقلاب على الطائف، رغم أنه كان قد نفى عندما التقى وزير الخارجية المصرية سامح شكري اتهامه بإعادة النظر فيه.
كذلك أخطأ في قراءته لموقف حليفه «حزب الله»، من زاوية أنه لا يمانع في تجيير «فائض القوة» الذي يتمتع به لمصلحة عون، ما يمكنه من الإمساك بزمام المبادرة لإعادة تعويم وريثه السياسي، رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وسارع إلى إعداد جدول أعمال لمواجهة المرحلة الراهنة، من دون العودة إليه أو التشاور معه.
ويؤكد المصدر النيابي أن مضامين رسالة عون جاءت بمثابة تجميع للبيانات الصادرة عن «التيار الوطني»، ووضعها في خدمة باسيل، وكأنه يقول للبنانيين: «ومن بعده الطوفان»، وإلا فإن قراره توجيه رسالته يخضع للأجندة السياسية التي يتحرك تحت سقفها رئيس الظل؛ أي باسيل.
لذلك فإن عون، برسالته تلك إلى البرلمان، أوقع نفسه في مأزق سياسي، وإن كان يراهن -انطلاقاً من حسابات باسيل- على أن تطييف تشكيل الحكومة سيؤدي إلى إعادة خلط الأوراق في الساحة المسيحية باتجاه إعطاء فرصة لباسيل لإعادة ترتيب وضعه، مع أنه أخذ يوسع دائرة اشتباكاته حتى كادت تشمل الجميع. وإن كان «حزب الله» يحرص على مراعاته بعدم الضغط عليه، فإنه لا يلتزم بأجندته السياسية، لأنه يتعامل مع الأزمة اللبنانية من زاوية إقليمية، وبالتالي لن يصرف فائض قوته إكراماً لهذا الحليف أو ذاك.
وعليه، فإن الجميع، ومن خلالهم الجهات الإقليمية والدولية، تراقب الدور الذي سيلعبه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بدعوته البرلمان غداً للانعقاد، في جلسة تخصص لتلاوة الرسالة التي وصلته من عون، ويبقى له القرار النهائي حول ما إذا كانت ستبقى محصورة في تلاوتها، على أن يحدد لاحقاً موعداً لعقد جلسة لمناقشة مضامين الرسالة التي يتعامل معها المصدر النيابي على أنها ملغومة. وتبقى الآمال معقودة على بري في تعطيل مفاعيلها، ومنع شظاياها من أن تتطاير باتجاه إغراق البلد في أزمة حكم تتجاوز تشكيل الحكومة، مع أنه لا مانع من الاكتفاء بعقد جلسة وحيدة تقتصر على تلاوتها لسحب فتيل انجرار النواب إلى صدام سياسي لا مبرر له، فيما البلد يرزح تحت هموم الأزمات المعيشية والاجتماعية التي لا حلول لها إلا بتشكيل حكومة مهمة بمواصفات فرنسية.
فرئيس المجلس، بنظر من يؤيده أو من يقف على الحياد، يبقى صمام الأمان لمنع أزمة تشكيل الحكومة من أن تتحول إلى أزمة مستعصية، وتهدد البرلمان الذي يبقى صمام الأمان لقطع الطريق على اللعب بالدستور، وصولاً إلى تعديله بما يهدد اتفاق الطائف الناظم للعلاقات بين اللبنانيين، لأن البديل في المدى المنظور لن يكون إلا كارثة تدفع باتجاه مزيد من سقوط البلد.
كذلك فإن بري، ومن خلفه «حزب الله»، ليس في وارد الدخول في متاهات غير محسوبة يمكن أن تأخذ البلد إلى المجهول، استرضاءً لفريق كان أول من رفض مبادرته لإنقاذ المبادرة الفرنسية، بذريعة أنه ليس وسيطاً، ما دام أنه يقف إلى جانب الحريري، ويشكل له رافعة سياسية، وإلا لكان بادر للاعتذار عن تشكيل الحكومة.
وبكلام آخر، فإن بري لن يشكل جسراً لمن يضغط على الحريري لإضعافه أو سحب التكليف منه، ويعزو المصدر النيابي السبب إلى أن عون يخطئ إذا كان يراهن على أن الكتلة الشيعية ستضع نفسها بتصرف من يريد تطويق الرئيس المكلف لدفعه للاعتذار.
ويلفت المصدر نفسه إلى أن النواب الشيعة لن يكونوا في عداد من يريد قهر الطائفة السنية، بالتخلص أولاً من الرئيس المكلف الذي يعد الزعيم الأول في طائفته، ويحظى بتأييد رؤساء الحكومات السابقين ومرجعياتها الروحية، وباحتضان شعبي. كما أن بري، بدعم من حليفه «حزب الله»، يعد أن الحفاظ على العلاقة بين الطوائف خط أحمر، ولن يسمح باستهدافها، لقطع الطريق على جر البلد إلى فتن مذهبية، وهو يراهن على دور معظم الكتل النيابية، بدءاً برئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي يتناغم معه باستمرار، بصرف النظر عن البرودة التي تسيطر على علاقته بالرئيس المكلف، وكذلك الحال بالنسبة لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي وإن كان على خلاف مع الحريري كاد يصل إلى حد القطيعة، فإنه في المقابل سيقف بالمرصاد لمن يحاول جر البلد إلى المجهول، وإعادة إحياء الانقسامات الطائفية التي أصبحت من الماضي منذ أن انتهت الحرب الأهلية.
لكن يبقى السؤال عن الموقف الذي سيتخذه الحريري، باعتبار أنه المستهدف مباشرة من رسالة عون، خصوصاً أن الأكثرية النيابية تراهن على ما سيقوله، ليس في الدفاع عن موقفه فحسب، وإنما للحفاظ على التواصل بين الطوائف اللبنانية لإسقاط مقولة عون عن أنه يصر على مصادرة التمثيل المسيحي.
فخطاب الحريري -بحسب المصدر- سيبقى تحت سقف الحفاظ على الطائف، والتمسك به، وإن كان لن يخلو من وضع النقاط على الحروف، مبيناً الأسباب التي كانت وراء تعطيل تشكيل الحكومة، محملاً عون وفريقه السياسي مسؤولية مباشرة عن تعطيلها، وبالتالي لن يقع في الفخ المنصوب له من قبل صاحب الرسالة.
وإلى أن تُعقد الجلسة غداً، فإن رسالة عون أدت إلى إعادة خلط الأوراق، وربما سيسبق الحريري انعقادها بقيامه بمروحة واسعة من الاتصالات، تحديداً بينه وبين حلفاء الأمس لمعاودة التواصل، على أن تبقى الأنظار شاخصة إلى الدور الذي سيلعبه «الإطفائي» بري في تعامله مع الرسالة، على خلفية إبطال أي محاولة لتطييف الخلاف داخل البرلمان.



انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)

بالتزامن مع بيانات أممية أكدت اتساع رقعة الفقر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، تواصل الجماعة المدعومة إيرانياً إشعال الصراعات القبلية التي تحولت إلى أحد مصادر كسب الأموال لدى قادتها، إلى جانب إشغال فئات المجتمع بالصراعات البينية لتجنب أي انتفاضة شعبية نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية.

وذكرت مصادر قبلية أن وجهاء محليين في محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء) أبرموا اتفاقاً للهدنة بين قبيلتي «المعاطرة» و«ذو زيد» بعد أسبوع من المواجهات القبلية التي أدت إلى وقوع 16 قتيلاً وجريحاً من الجانبين.

عناصر حوثيون في صنعاء خلال حشد دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

وأوضحت المصادر أن الوسطاء أعادوا فتح الطرقات بين منطقتي المواجهة التي تأتي في سياق تغذية الصراعات القبلية في المحافظة لإضعاف القبائل وإبعادها عن أي مواجهة مرتقبة مع الحوثيين.

واندلعت الاشتباكات - بحسب المصادر - نتيجة خلافات قبلية على ملكية جبل يسمى «نهم» يفصل بين القبيلتين، ويدَّعي كل طرف ملكيته، لكنها اتهمت قيادات في جماعة الحوثي بالوقوف خلف تلك الاشتباكات بعد تغذيتها للخلافات بين الطرفين منذ ما يقارب الشهرين، وعدم فصلها فيها رغم لجوء الطرفين إلى المشرفين الحوثيين هناك.

نزاع في إب

وفي مديرية الشعر التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) قام القيادي الحوثي أشرف الصلاحي، وهو المسؤول عن إدارة المديرية، بشن حملة لاختطاف العشرات من السكان، وتغذية خلافات بين عائلتي «شهبين» و«عبية» على خلفية السعي لافتتاح طريق فرعي يمر عبر أراضٍ زراعية تملكها الأولى، رغم وجود طريق رئيسي تم تعبيده على نفقة السكان، ويُستخدم منذ عشرات السنين.

ووفقاً لما ذكره سكان في المنطقة التي تعد واحدة من بؤر المعارضة لسلطة الحوثيين، نشب خلاف بين الأسرتين في قرية «الشريحيين» بعزلة الأملوك حول استحداث طريق إضافي في المنطقة، حيث رفضت عائلة «شهبين» ضغوط القيادي الحوثي الصلاحي المعين مديراً للمديرية لفتح الطريق بقوة السلاح.

حملة عسكرية أرسلها الحوثيون لنصرة طرف ضد آخر في محافظة إب (إعلام محلي)

وأكد السكان أن الوضع في طريقه للانفجار في ظل إصرار القيادي الحوثي على انحيازه إلى أحد الأطراف، والحصول على أموال مقابل ذلك الموقف، وتمسُّك المعارضين بموقفهم.

وطبقاً لما روته مصادر قبلية متعددة لـ«الشرق الأوسط»، فإن المسؤولين الحوثيين في معظم المناطق يعتمدون على الجبايات في جمع الأموال، وتدبير نفقاتهم وإدارتهم، حيث يرغمون السكان على دفع نفقات تحرك أفراد الشرطة لمعاينة أي حادثة أو إحضار أحد المطلوبين، كما يحرصون على أن يكونوا محكمين في أي قضايا خلافية بين السكان للحصول على مبالغ مالية والحيلولة دون وصول هذه القضايا إلى المحاكم.

العبث بالقضاء

كانت الجماعة الحوثية قد شكلت قبل عامين ما سمته «المنظومة العدلية» بقيادة محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة، بهدف إدارة المحاكم والقضاة ومراقبتهم، واتخاذ العقوبات اللازمة بحقهم.

وأخيراً منحت الجماعة نفسها من خلال التعديل الأخير على قانون السلطة القضائية، حق تعيين معممين طائفيين قضاة في المحاكم، كما أضافت مادة إلى القانون تمنح هؤلاء القضاة حق معاقبة المحامين بالمنع من الترافع لمدة 3 أعوام إذا رأوا أن مرافعاتهم لا تسير وفق هوى الجماعة.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

التعديلات التي قوبلت باعتراض رسمي وشعبي واسع رفضتها نقابة المحامين اليمنيين؛ إذ عبّرت عن أسفها من إقدام ما يسمى مجلس النواب في صنعاء الذي يضم عدداً لا يزيد على 40 فرداً أغلبهم تم انتخابهم من قِبل الحوثيين بعد وفاة الأعضاء الأساسيين، على إقرار مشروع التعديل الخاص بقانون السلطة القضائية دون نقاش.

وبينما أكدت النقابة تمسُّكها الكامل بموقف المحامين الرافض للتعديلات القانونية برمتها، وإدانة تمرير المشروع، رأى محامون أن إفراغ القضاء والعد التنازلي لإنهاء استقلاله في مناطق سيطرة الحوثيين بدأ منذ قبول ما يسمى مجلس القضاء «الخضوع والتماهي مع مخططات الجماعة»، وإجبار القضاة على حضور دورات طائفية حتى يحافظوا على فتات لقمة العيش التي يحصلون عليها.

ووصف المحامون تلك التعديلات التي أُدخلت على قانون السلطة القضائية بأنها نتيجة التنازلات المؤلمة التي أصبح ضحيتها الشعب بأكمله.

اشتداد الفقر

تأتي هذه الممارسات الحوثية بينما لا يزال انعدام الأمن الغذائي مرتفعاً، حيث يعاني واحد من كل اثنين من الأسر من استهلاك غير كافٍ للغذاء، في حين تأثرت نحو 43 في المائة من الأسر في مناطق سيطرة الجماعة بشكل كامل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن درجة استهلاك الغذاء الرديئة، وهي مقياس للحرمان الشديد من الغذاء، تعكس مستويات مثيرة للقلق حيث تأثرت نحو 20 في المائة من الأسر سلباً، وفق ما ورد في بيانات أممية حديثة.

مع اتساع رقعة الفقر يخشى الحوثيون من انتفاضة شعبية (الأمم المتحدة)

وطبقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) فإن انعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحوثيين يرجع في المقام الأول إلى خفض المساعدات الإنسانية، ما يؤثر في أولئك الذين اعتمدوا عليها بشكل كبير، جنباً إلى جنب مع الفيضانات الأخيرة والانحدار العام في سبل العيش.

وأدى ذلك - وفق المنظمة الأممية - إلى صدمات للأسر وفقدان الدخل في تلك المناطق، حيث أثرت على نحو 59 في المائة من الأسر، وهي نسبة أعلى بكثير مقارنة بالشهرين الماضيين، أما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، فقد واجهت نحو 53 في المائة من الأسر صدمات خلال شهر.