هل تستطيع الجزائر استعادة الأموال المهربة من وجهاء نظام بوتفليقة؟

«الشرق الأوسط» استطلعت آراء خبراء لمعرفة إمكانية التعويل عليها لإنقاذ اقتصاد البلاد

جانب من المظاهرات المطالبة بالتنمية ومحاربة الفساد وسط العاصمة الجزائرية (أ.ب)
جانب من المظاهرات المطالبة بالتنمية ومحاربة الفساد وسط العاصمة الجزائرية (أ.ب)
TT

هل تستطيع الجزائر استعادة الأموال المهربة من وجهاء نظام بوتفليقة؟

جانب من المظاهرات المطالبة بالتنمية ومحاربة الفساد وسط العاصمة الجزائرية (أ.ب)
جانب من المظاهرات المطالبة بالتنمية ومحاربة الفساد وسط العاصمة الجزائرية (أ.ب)

قال خبراء في القانون الدولي والاقتصاد في الجزائر إن استعادة الأموال، التي هربها إلى الخارج متهمون بالفساد في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، «مسألة معقدة، وتتطلب وقتاً طويلاً»، مؤكدين أن التعويل عليها لضخها في الاقتصاد بهدف تنشيطه «غير ممكن من الناحية العملية».
وأعلن الرئيس عبد المجيد تبون، أول من أمس، بمناسبة اجتماع لمجلس الوزراء، إطلاق «صندوق خاص بالأموال والأملاك المنهوبة»، المصادرة في إطار قضايا محاربة الفساد. وطالب الحكومة إدراجه ضمن أحكام قانون الموازنة التكميلي لسنة 2021.
ويخص هذا الصندوق، حسب تبون، «الأموال والأملاك المنهوبة المصادرة، والتي ستتم مصادرتها مستقبلاً بناءً على أحكام قضائية نهائية، في إطار قضايا محاربة الفساد». وذكر الرئيس في وقت سابق أنه يترقب صدور أحكام قضائية غير قابلة للطعن، بحق وجهاء من حكم بوتفليقة متابعين بالفساد أمام المحاكم، وبعدها سيتبع إجراءات قانونية ودبلوماسية، لاستعادة أموال حوَّلها الملاحقون قضائياً إلى الخارج.
وخاض الرئيس مرات كثيرة في موضوع «الأموال المهربة»، لكن لم يذكر ولا مرة قيمتها، فيما أكد أنه يعرف مكان وجودها من دون أن يفصح عنه. وعندما سئل حول الموضوع خلال أول مؤتمر صحافي عقده بعد وصوله إلى الرئاسة، قال إنه لا يريد أن يكشف عن خطته لاسترجاع المال من الخارج، «خشية إفشالها بخطة مضادة من العصابة». و«العصابة» ترمز إلى مسؤولين مدنيين ورجال أعمال في السجن بتهم فساد، من بينهم رئيسا الوزراء سابقاً، أحمد أويحيى وعبد المالك سلال.
في هذا السياق، قال حميد علوان، أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر العاصمة لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنة ونصف، قال تبون (في حملة انتخابات الرئاسة نهاية 2019) إنه يعرف أين توجد ما يسمى الأموال المنهوبة، وكان ينبغي حينها أن يستدعيه النائب العام ليطلب منه أن يقدم ما لديه من معطيات حول هذا الموضوع. ويبقى السؤال مطروحاً: ما حجم الأموال التي خرجت من البلاد بطريقة غير قانونية؟».
وأبرز علوان بأن تبون «بنى خطته الاقتصادية على استعادة المال المهرب، واستبعد كلياً الاستدانة من الخارج وطبع مزيد من النقود، لكن الجزائريين يريدون برنامجاً اقتصادياً حقيقياًـ وليس مجرد وعود».
وبحسب علوان فإن إطلاق تعهدات بخصوص ضخ المال المهرب إلى الخارج في دورة الاقتصاد في هذا الظرف، «لا يعدو أن يكون محاولة لإقناع الجزائريين بالمشاركة في الانتخابات التشريعية»، المقررة في 12 من الشهر المقبل. وأضاف خبير الاقتصاد موضحاً أن السلطات «تزعم أننا نملك أفضل نظام صحي في أفريقيا، وأن قيمة صادرات المنتجات الزراعية تصل إلى 25 مليار دولار، لكن هذا غير صحيح. وقد وعدت بصرف منح خاصة للعاملين في القطاعات التي تواجه فيروس (كورونا)، ولم تف بوعدها».
وتابع علوان مبرزا أن «التحدي الكبير الذي يواجه حكومة تبون هو تغطية عجز الميزان التجاري، الذي بلغ 18 مليار دولار، والذي تفاقم منذ 2015. وهذا هو ما ينبغي أن يشغل الاهتمام، بدل قضية بالغة التعقيد كاستعادة المال المهرب». متوقعاً ذوبان مخزون العملة الصعبة (60 مليار دولار بنهاية 2020) في نهاية 2022، علماً بأن 80 في المائة من المواد الأولية تستوردها الجزائر من الخارج.
ومن جهته، أكد هواري تيغرسي، عضو لجنة المالية بالبرلمان سابقاً، ومرشح الانتخابات التشريعية المقبلة، أنه «بإمكان الدولة استعادة مال عام تم الاستيلاء عليه، ومصادرة أملاك مصدرها مال عام، أما ما حُوّل للخارج فهو استثمارات تصعب مصادرتها بعد أن أصبحت رأس مال أجنبياً».
وحول حجم المال العام المحصل عليه بالتربح غير المشروع، قال تيغرسي: «ربما تعلم الحكومة جزءاً يسيراً منه، وفي كل الأحوال فهذه القضية بحاجة إلى تحقيق عميق لكشف كامل ملابسات عمليات نهب طالت مال الجزائريين، تدوم منذ عشرات السنين، وقد تم استثمار جزء كبير منها في إسبانيا وفرنسا»، حيث يملك عدد كبير من المسؤولين الحكوميين عقارات وشركات.
وبخصوص هذه القضية، كتب أستاذ العلوم السياسية محمد هناد: «من عادة الحكومات التي تعاني ضائقة مالية أن تلجأ إلى أسهل طريق لإعادة الروح إلى خزينتها، وذلك من خلال فرض ضرائب ورسوم جديدة، أو الرفع من مستواها. وهذه هي حال الحكومة الجزائرية اليوم. غير أن بلادنا تنفرد بكون الضائقة المالية التي تعانيها ليست ناجمة عن شح في الموارد، بقدر ما هي نتيجة سوء التدبير والتبذير والنهب والتهرب الضريبي».
وبحسب هناد، فإنه لا خيار حالياً للحكومة الجزائرية إلا صرف الجهود إلى استعادة الأموال المنهوبة، بوصفها اليوم أولوية الأولويات قبل التفكير في فرض أي ضريبة أو رسم إضافي، أو في استغلال الغاز الصخري. واقترح إجبار مؤسسات الدولة، بما فيها العسكرية، بعدم التأخر في تسديد ديونها ودفع فواتير الكهرباء والغاز، والماء والهاتف حفاظاً على المؤسسات الحيوية، كي لا تضطر إلى الزيادة في الأسعار.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.