وليد شيا يسلط الضوء عالمياً على الإيجابيات في البلدان العربية

المخرج حمل أحلامه من صوفر اللبنانية إلى هوليوود الأميركية

خلال تصوير مشهد من الفيلم
خلال تصوير مشهد من الفيلم
TT

وليد شيا يسلط الضوء عالمياً على الإيجابيات في البلدان العربية

خلال تصوير مشهد من الفيلم
خلال تصوير مشهد من الفيلم

كان عمره لا يتعدى السنوات الثلاث عندما هاجر الطفل وليد شيا بمعية أهله إلى أميركا. يومها لم يكن يعلم أنّ السينما وصناعتها ستؤلف أساساً لأحلامه المستقبلية.
حالياً يعد وليد شيا مغترباً لبنانياً يلمع اسمه في هوليوود يوماً بعد يوم، سيما وأن فيلمه الأول القصير «Driving Ms Saudi»، ويتناول فيه موضوع السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات حصد 4 جوائز عالمية. فكما في مهرجان دبي كذلك في المهرجانات السينمائية في القاهرة ولوس أنجليس وكمبوديا. في البداية حصد فيلمه جائزة «أفضل فيلم كوميدي قصير» ثم نال شيا جوائز لفئات «أفضل صانع أفلام لأول مرة» و«أفضل ممثل» و«أفضل قصة كوميدية». ويعلق وليد شيا في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد رغبت في تغيير الصورة السلبية عن بلادنا العربية الشائعة في الغرب. وبعيد السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، قررت تسليط الضوء على هذا الحدث للإشارة إلى مدى الانفتاح الذي تحققه المملكة يوماً بعد يوم».
ويحكي الفيلم قصة شاب يحاول دعم والدته في قرارها لقيادة سيارتها مقابل شعورها بأنّها غير قادرة على إتمام هذه المهمة، في ظل انتقادات كثيرة تنتظرها من زوجها وصديقاتها. ويتابع وليد شيا: «يدور الفيلم القصير ومدته دقيقتان، داخل السيارة. ويتألف أبطاله فقط مني ومن الممثلة التي استعنت بها للقيام بدور والدتي. يتلون بالكوميديا من ناحية كما يؤكد على فكرة الانفتاح من ناحية أخرى».
ووليد شيا هو ابن بلدة صوفر الجبلية وأثناء عودته في مواسم الصيف إلى لبنان، كان والداه يصطحبانه إلى مهرجانات غنائية وأخرى مسرحية، كي ينميا عنده الحس الفني. ويقول: «أذكر مرة وخلال مشاهدتي لمسرحية (ميس الريم) التي قدمها شباب وفتيات بلدة بيصور في أحد مهرجاناتهم، وبعيد دخولي كواليس المسرح، أصبت بالدهشة. فاكتشفت كيف تبنى الديكورات وكيف يستعد الممثلون لأدوارهم وكيف تسدل الستارة ويعلو التصفيق. كل ذلك حفر في ذهني وأغرمت بهذا المجال، وقررت أن أدخل عالم الفن من بابه العريض وكانت أغاني السيدة فيروز ملهمتي».
تابع شيا دراسته في أميركا وحضر صفوف أداء تمثيلي، وبعدها تحول إلى التخصص الجامعي في التمثيل والإخراج. «من هناك بدأ مشواري الحقيقي مع السينما وراحت الأبواب الواحد تلو الآخر تفتح أمامي». ويضيف: «بعيد إقامتي في مدينة هوليوود، أسست لشركة إنتاج سينمائية (مون لايت وينغز)، وشاركت في عدة مسلسلات تلفزيونية حققت شهرة واسعة في أميركا، وبينها (بلاك ليست ريدمبشن) و«مدام سكرتيري». استفدت من كل هذه الخبرات وكونت علاقات عامة مع منتجين ومخرجين أميركيين كي أسير على خطى أحلامي وأحققها.
اليوم يتطلع شيا إلى صناعة فيلم سينمائي طويل يحكي عن بلده الأم لبنان وبلده الثاني أميركا. ويقول: «بدأت حالياً في كتابة هذا الفيلم وأحلم بأن أتعاون فيه مع المخرجة اللبنانية نادين لبكي. وهو يحكي قصة توأم لبناني، افترقا بعدما وقع الطلاق بين والديهما. أحدهما أخذه والده إلى أميركا ليستقر به هناك، فيما الثاني بقي في لبنان مع والدته. وفي سياق القصة يلتقيان بالصدفة لتبدأ رحلة صداقة بينهما تؤدي إلى عودة لم شمل العائلة بعد طول فراق. وسأبذل جهدي كي أتعاون في هذا الفيلم مع لبكي التي أكن لها إعجاباً كبيراً. فكاميرتها وعينها الثاقبة يوازيان أهمية أشهر مخرجي هوليوود». وعما إذا يفكر بالتعاون مع مخرج أميركي معين في أفلامه المستقبلية يرد: «أنا من المعجبين بالمخرج الأميركي كين أورتيغا، وأحب أسلوبه الإخراجي، وجمعه عدة فنون بصرية في أعماله كاللوحات الراقصة والغناء إضافة أي التمثيل. ولكنني أحب أيضاً العودة إلى جذوري والتعاون مع لبكي، ولذلك أنوي دعوتها إلى أميركا لهذا الموضوع. فأنا أفكر بتصوير فيلمي السينمائي الجديد بين لبنان وأميركا، لأعزز من خلاله أيضاً الإيجابيات التي يملكها وطني، بعكس الفكرة السائدة في الغرب بأنه بلد سيء».
ويتحدث شيا عن مدى تأثره بصوت سفيرتنا إلى النجوم فيروز ويقول: «استمع يوميا إلى أغانيها وأعرّف أصدقائي بها، وهم صاروا اليوم من أشد المعجبين بصوتها وبأغاني الرحابنة. إنّها رمز من رموز لبنان الذي يرافقني منذ صغري عندما كنت ألعب في ساحة بلدة صوفر، وتتسلل أغانيها إلى أذني من بعض المقاهي أيام العز. واليوم وبعد تأسيسي لشركة إنتاج سينمائية خاصتي، التي أقيم من خلالها أيضاً ورش عمل في التمثيل والأداء، يصدح صوتها في أرجائها لأني أتفاءل به. وقد حققت شركتي أيضاً في هوليوود، نجاحات عدة في عالم الإنتاج، حيث حصدت الجوائز لأعمال فنية من إنتاجنا. ومن بينها «أفضل برنامج فني» و«أفضل عمل مسرحي للأطفال» وأخرى خاصة بالأداء التمثيلي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».