ما سبب الآثار الجانبية للقاحات «كورونا»... وهل يجب أن نقلق؟

رجل يتلقى جرعة من لقاح مضاد لفيروس «كورونا» في برلين (رويترز)
رجل يتلقى جرعة من لقاح مضاد لفيروس «كورونا» في برلين (رويترز)
TT

ما سبب الآثار الجانبية للقاحات «كورونا»... وهل يجب أن نقلق؟

رجل يتلقى جرعة من لقاح مضاد لفيروس «كورونا» في برلين (رويترز)
رجل يتلقى جرعة من لقاح مضاد لفيروس «كورونا» في برلين (رويترز)

من الممكن أن تكون الآثار الجانبية رادعاً قوياً يمنع الناس من الحصول على التطعيم. لمعالجة هذه المشكلة، ابتكرت مجموعة من العلماء في مينيسوتا -في قسم شؤون المحاربين القدامى و«مايو كلينيك»، في عام 1991- تجربة لمعرفة مدى تكرار ردود الفعل غير السارة هذه.
شملت الدراسة أكثر من 300 من المحاربين القدامى الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً والذين تم إعطاؤهم إما لقاح الإنفلونزا تبعه بعد أسبوعين الحقن بدواء وهمي من الماء المالح، أو جرعة وهمية متبوعة بعد أسبوعين بلقاح حقيقي، وفقاً لموقع «ناشيونال جيوغرافيك».
يقول روبرت جاكوبسون، المدير الطبي لبرنامج علوم صحة السكان في «مايو كلينيك»، إنه عندما دقق الباحثون في الدراسة لمعرفة من الذي تلقى اللقاح الحقيقي مقابل الدواء الوهمي، انقسمت الآثار الجانبية بالتساوي بين المجموعتين.
ويضيف جاكوبسون: «قال نحو 5% إنهم أصبحوا أكثر مرضاً مما كانوا عليه في حياتهم كلها... لقد تلقى نصف هؤلاء الأشخاص الدواء الوهمي ومع ذلك فقد اشتكوا من أسوأ حالات الصداع أو أسوأ حمى في حياتهم».
ويقول جاكوبسون إن الرسالة التي يجب فهمها هي أنه «من السهل الخلط بين رد الفعل التحسسي والعصبية أو الانفعالات أو حتى اضطرابات المعدة بسبب القلق».
وتُظهر الدراسات الحديثة أن بعض الآثار الجانبية، حتى تلك الناتجة عن لقاحات «كوفيد - 19»، سببها الرئيسي مخاوفنا. وتابع جاكوبسون: «لقد رأينا هذا في الجيش، عند المجندين الشباب الذين يعتقدون أنهم يستطيعون تحمل أي شيء... يغمى عليهم عندما يحصلون على اللقاح لأن أجسادهم تبالغ في رد فعلها».
ويعد ذلك درساً قد يكون مفيداً للمهنيين الطبيين الذين يمكنهم طمأنة المرضى بأن معظم الآثار الجانبية طبيعية ويمكن التنبؤ بها -وقد لا تكون ناجمة عن اللقاح في حد ذاته. مثال على ذلك، في الدراسات التي أُجريت على لقاح «فايزر - بايونتيك»، اشتكى 23% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و55 عاماً والذين تلقوا الدواء الوهمي من التعب بعد الجرعة الثانية، ولاحظ 24% حدوث صداع.
وتشير الدراسات إلى أن ما يصل إلى سبعة من كل عشرة أشخاص يحصلون على الجرعة الثانية لديهم نوع من رد الفعل. يشعر البعض بألم في موقع تناول اللقاح، أي بذراعهم. قد يعانون من الحكة أو الشرى، أو مجموعة من الأعراض الشبيهة بالإنفلونزا، مثل القشعريرة والحمى، والصداع، أو التعب. ومع ذلك، من المهم وضع هذه الآثار الجانبية في نصابها، كما يقول جاكوبسون، «لأن هذه ردود أفعال خفيفة ومؤقتة وعابرة تختفي في غضون أيام قليلة».

* ما الذي يسبب ردود الفعل المناعية؟
في حالة لقاحات «كورونا» المصرّح بها «فايزر» و«موديرنا» و«جونسون آند جونسون»، تحتوي جميعها على مخطط جيني لتصنيع بروتينات سبايك، التي نجدها على سطح الفيروس التاجي وتمكّنه من إصابة الخلايا البشرية. عندما تتلقى الخلايا البشرية هذه التعليمات، فإنها تنتج نسخاً من بروتين سبايك. ولكن بما أن الخلايا تصنع فقط قطعة من الفيروس، وليس العامل المُمرِض بأكمله، فإننا لا نمرض، إلا أن ذلك ينشط استجابة مناعية من خطوتين - تماماً كما يفترض أن يحدث. ويحدث رد الفعل الجسدي الفوري للقاح «كورونا» بسبب الجهاز المناعي الفطري.
نتيجة لذلك، فإن الآثار الجانبية هي رد فعل طبيعي للتطعيم. هذه الاستجابة -التي تسمى «التفاعل»- تعني أن اللقاحات تحرّض على استجابة مناعية أولية قوية وتسبب مجموعة واسعة من الأعراض. من بين نحو 3 ملايين و600 ألف شخص تم تطعيمهم والذين شاركوا في استطلاع في فبراير (شباط)، أفاد نحو 70% بألم في موقع الحقن، و33% شعروا بالإرهاق، و29% عانوا من الصداع، و22% عانوا من آلام في العضلات، و11% تحدثوا عن قشعريرة وحمى.
وكانت الأعراض أكثر وضوحاً بعد الجرعة الثانية. ومع ذلك، فإن الاستجابة المناعية الفطرية قصيرة المدى، وتستمر بضعة أيام فقط.

* لماذا تختلف ردود الفعل على اللقاحات، وبماذا تخبرنا؟
لا يعاني الجميع من آثار جانبية بعد لقاح «كوفيد - 19». يقول سوجان شريستا، اختصاصي المناعة في مركز أبحاث الأمراض المعدية واللقاحات في معهد «لا جولا» لعلم المناعة في كاليفورنيا، إن العلماء لا يعرفون حقاً السبب.
وأضاف: «ولكن ليس من المستغرب أن يقوم كل شخص بتكوين الاستجابة المناعية بشكل مختلف».
ويمكن أن تسهم عدة عوامل في هذا الاختلاف الواسع. النساء، على سبيل المثال، عادةً ما يكون لديهن ردود فعل مناعية أقوى من الرجال، مما قد يكون جزءاً مما يجعلهن أكثر عرضة للمعاناة من الآثار الجانبية للقاحات.
يقول جون ويري، مدير معهد علم المناعة في جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا: «لدينا جميعاً نظام مناعي فردي خاص بنا... يشبه الأمر تقريباً بصمتنا المناعية التي تحرّكها الجينات والجنس والنظام الغذائي وبيئتنا وحتى تاريخ حياتنا، وهي الأشياء التي تعرض لها جهاز المناعة لدينا في الماضي وتم تدريبه على الاستجابة لها على مر السنين».

* الآثار الجانبية مقابل الأحداث الضائرة
يقول ويري: «لكن الآثار الجانبية لا تعد هي نفسها الأحداث السلبية... الآثار الجانبية شائعة جداً -ربما تحدث بنسبة 50 إلى 70% من الوقت. لكن الأحداث الضائرة نادرة وغير متوقعة، مثل التخثر».
بعد تناول اللقاح مباشرة، يعاني ما يقرب من شخصين إلى خمسة أشخاص من كل مليون من الحساسية المفرطة، وهو رد فعل تحسسي شديد يسبب انخفاضاً حاداً في ضغط الدم وصعوبة في التنفس. ولكن حتى هذا يمكن علاجه بسهولة باستخدام مضادات الهيستامين، ولهذا السبب يُطلب من الجميع البقاء لمدة 15 دقيقة في مركز التطعيم بعد أخذ اللقاح.
يمكن أن تكون الجلطات الدموية المرتبطة بلقاحات «جونسون آند جونسون»، والتي تحدث في غضون ستة إلى 13 يوماً من تلقي اللقاح، خطيرة وحتى مهدِّدة للحياة. لكن معدل الإصابة منخفض للغاية؛ هناك 23 حالة مؤكدة فقط من أصل 8.4 مليون جرعة من اللقاح.
يقول عوفر ليفي، مدير برنامج اللقاحات الدقيقة في مستشفى بوسطن للأطفال وأستاذ طب الأطفال في كلية الطب بجامعة هارفارد: «هذا نادر جداً... خطر الإصابة بـ(كورونا) واحتمال الوفاة منه أعلى بكثير من الحصول على جلطات دموية من اللقاحات».
ولكن، يوجد بعض القلق من أنه قد تكون هناك آثار سلبية أخرى لم يتم الإبلاغ عنها إلى حد كبير.


مقالات ذات صلة

دراسة: «كورونا» تسبب في ضعف إدراكي مستمر للمرضى

صحتك فيروس كورونا أدى إلى انخفاض مستمر في الذاكرة والإدراك (أ.ف.ب)

دراسة: «كورونا» تسبب في ضعف إدراكي مستمر للمرضى

وجدت دراسة فريدة من نوعها أن فيروس كورونا أدى إلى انخفاض بسيط، لكنه مستمر في الذاكرة والإدراك لعدد من الأشخاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق اعترف غالبية المشاركين بالدراسة بالحنين إلى الماضي (جامعة كوبنهاغن)

العاملون من المنزل يعانون «نوبات الحنين» لما قبل «كورونا»

أفادت دراسة أميركية بأنّ العاملين من المنزل يشعرون بالضيق ويتوقون إلى ماضٍ متخيَّل لِما قبل انتشار وباء «كوفيد–19»، حيث كانوا يشعرون بالاستقرار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك العلماء يعتقدون أن الإنفلونزا أكبر تهديد وبائي في العالم (رويترز)

أول لقاح للإنفلونزا يمكن تعاطيه ذاتياً في المنزل دون إبر

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) أمس (الجمعة) على أول لقاح للإنفلونزا يمكن تعاطيه ذاتياً في المنزل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك أجهزة الاستشعار الورقية الجديدة سريعة وسهلة الاستخدام (جامعة كرانفيلد)

تقنية جديدة تكشف أمراضاً معدية بالصرف الصحي

توصّل باحثون في بريطانيا إلى طريقة لتحديد العلامات البيولوجية للأمراض المعدية في مياه الصرف الصحي باستخدام أجهزة استشعار ورقية بتقنية الأوريغامي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

دراسة جديدة تدعم فرضية تفشي «كوفيد 19» من سوق ووهان

كشفت دراسة حول مصدر فيروس كورونا، نشرت الخميس، عناصر جديدة تعزز فرضية انتقال العدوى إلى البشر عن طريق حيوانات مصابة كانت في سوق في ووهان (الصين) نهاية عام 2019.

«الشرق الأوسط» (باريس)

مصر: جدل حول مصير «مبنى القبة التاريخي» لقناة السويس

جانب من أعمال الترميم (هيئة قناة السويس)
جانب من أعمال الترميم (هيئة قناة السويس)
TT

مصر: جدل حول مصير «مبنى القبة التاريخي» لقناة السويس

جانب من أعمال الترميم (هيئة قناة السويس)
جانب من أعمال الترميم (هيئة قناة السويس)

نفت «هيئة قناة السويس» المصرية ما تردد عن بيع مبنى القبة التاريخي الواقع بمحافظة بورسعيد والمطل على المجرى الملاحي، وهو من أوائل المباني التي تأسست لإدارة حركة الملاحة، ويشكل أحد المعالم الرئيسية المعروفة للقناة.

وتداولت حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنباءً عن بيع المبنى لصالح إحدى الشركات العالمية لتحويله إلى فندق عالمي، بالتزامن مع البدء في تنفيذ أعمال التطوير الخاصة بالمبنى في الوقت الحالي.

وقال رئيس الهيئة الفريق أسامة ربيع إن «مشروع تطوير مبنى القبة التاريخي سيتضمن استثمار موقعه الفريد المطل على القناة ليصبح وجهة سياحية وحضارية جاذبة»، مشيراً في بيان، الجمعة، إلى حرصهم على الحفاظ على التراث المعماري والأثري لمنشآت الهيئة، وتنفيذ أعمال الترميم بالشكل الأمثل دون المساس بقيمتها الحضارية والمعمارية.

وأكد رئيس الهيئة أن «قرار ترميم المبنى يرجع إلى المطالب المتكررة من الجهات المعنية بوجود ضرورة ملحة للقيام بأعمال الترميم من أجل المحافظة على سلامة المبنى»، مشيراً إلى أن «أعمال الترميم بدأت بالتزامن مع إخلاء المبنى، ونقل الورش والمخازن إلى مناطق أخرى بشكل تدريجي دون التأثير على حركة الملاحة في القناة».

مبنى القبة التاريخي قيد أعمال التطوير (هيئة قناة السويس)

وأوضح أن «رؤية تطوير مبنى القبة ما زالت تخضع للدراسة، حيث تجري مناقشة كل الأطروحات الملائمة لكيفية استثمار الموقع، وتحقيق الاستغلال الأمثل للمبنى مع الجهات المعنية، بِعَدِّ مبنى القبة أحد أصول الهيئة الرئيسية والمصونة بقوة القانون»، مؤكداً مراعاة رؤية التطوير للحفاظ على الطابع الأثري للمبنى، والتوافق مع استراتيجية الدولة الطموحة لتشجيع السياحة البحرية.

بينما أكد عضو مجلس النواب (البرلمان) عن محافظة بورسعيد النائب أحمد فرغلي لـ«الشرق الأوسط» تقدُّمه ببيان عاجل لرئيس الوزراء ووزير السياحة والآثار، منتقداً ما وصفه بـ«إهدار المال العام»، وبدء تنفيذ مخطط لـ«بيع وتأجير أصول وشركات هيئة قناة السويس»، وعدّ الأمر «تشويهاً متعمداً للأثر التاريخي بقناة السويس عبر التوجه لتحويل المبنى إلى فندق».

وقال إن «هناك نية مبيَّتة لدى الهيئة لتنفيذ هذه الخطوة بعد إخفاقها في إدارة واستغلال الموارد بشكل سليم»، مشيراً إلى أنه «على الرغم من إخلاء المبنى منذ 3 سنوات فإن أعمال التطوير لم تبدأ حتى الآن»، وفق قوله.

ونُفِّذت عملية إخلاء مبنى القبة على مراحل متباعدة عدة للتأكد من عدم تأثيره في سير العمل وحركة عبور السفن، حيث جرى توفير أماكن عمل بديلة بالتوازي مع تجهيز منطقة «الجونة» بمدينة بورفؤاد على الضفة الأخرى من القناة لتكون مركزاً رئيسياً دائماً لإدارة حركة عبور السفن في القطاع الشمالي بما يواكب التوسعات الضرورية، وفقاً لمتطلبات تشغيل شرق التفريعة، ودخول أرصفة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية إلى الخدمة، ما يجعل نقل مقر التحركات إلى «الجونة الشرقية» أمراً ضرورياً لا بديل له، وفق بيان الهيئة.

لكن فرغلي يرى أن «ما تعلنه الهيئة اليوم بمثابة محاولة لتبرير عملية الإخلاء والانتظار لحين تجهيز الخطوة التالية بتحويل المبنى إلى فندق»، متسائلاً عن «حقيقة الشراكة مع إحدى الشركات العالمية، وما إذا كانت هناك موافقة من الجهات الأمنية على تحويل مبنى في هذا الموقع الحيوي والهام على القناة إلى فندق يتردد عليه الزوار بشكل يومي».

وتعهد الفريق ربيع بالإعلان عن تفاصيل مشروع تطوير مبنى القبة فور الانتهاء من دراسات الجدوى الفنية والتوافق على المخطط الكامل للمشروع قبل بدء التنفيذ، مؤكداً أن «إعلاء المصلحة الوطنية والحفاظ على مقدَّرات الهيئة وتنمية أصولها هو أساس كل التعاقدات التي يجري إبرامها».

وقامت «هيئة قناة السويس» في السنوات السابقة بترميم المقر الإداري الأول لها في محافظة الإسماعيلية، وتحويله إلى متحف يسرد تاريخ القناة، بالإضافة إلى ترميم وتطوير استراحة ديليسبس المجاورة للمتحف، وتحويل المبنى الملحق بها إلى فندق.

وكانت مصر قد افتتحت في أغسطس (آب) 2015 مشروع ازدواج القناة، الذي اشتُهر باسم «قناة السويس الجديدة» بطول 35 كم، وجرى تنفيذه خلال عام واحد فقط بمشاركة كثير من الشركات الأجنبية لتنفيذ أعمال الحفر، وتجهيز المجرى الملاحي، في وقت تواصلت فيه أعمال التطوير من أجل تنفيذ الازدواج الكامل للقناة بشكل تدريجي.