بيرسي ضد غولياث
Percy vs. Goliath ***
* إخراج: كلارك جونسون
* الولايات المتحدة | دراما (2021)
«مونسانتو» (Monsanto) مؤسسة ضخمة تم تأسيسها في مطلع القرن الماضي وابتاعتها شركة باير الألمانية قبل ثلاثة أعوام. ما بين التاريخين، تحوّلت المؤسسة من بيع مواد لإنعاش وتنشيط التربة في حقول المزارعين الأميركيين ومحاربة الآفات، إلى عملاق يفرض على المزارعين الأميركيين شراء بذور جينية مصنوعة في المختبرات إذا ما أرادوا تسويق مزروعاتهم وبيع محاصيلهم. من يرفض التعامل مع هذه الشركة (أو سواها) يُترك وشأنه لكنه سيجد أن استرداد تكاليف حصاده غير مضمون ومعرّض للتأخر بفعل آليات تسويق صعبة.
بذلك عوض أن تشتري «مونسانتو» أراضي تزرعها تهيمن على الأراضي التي يملكها المزارعون بإجبارهم على شراء بذورها عوض البذور الطبيعية. وهذا هو ما يدور فيلم كلارك جونسون حوله. حكاية مزارع تتهمه مونسانتو بسرقة بذورها وتقاضيه، مطالبة بتعويض وبوضع اليد على المحصول كله لذلك العام. ما حدث لم يكن سرقة بل إن رياحاً حملت بذوراً اشتراها جار له وبثرتها فوق أرضه. هو ليس مسؤولاً عما حدث، لكن «مونسانتو» تريد تجريمه على أي حال.
بيرسي (كريستوفر وولكن) هو المزارع الذي يصحى، والفيلم يلج موضوعه دون تمهيد طويل، على مطالبة المؤسسة بمحصوله من الذرة لذلك العام. يلجأ إلى محامٍ ليرافع في قضيّته (زاك براف) وسريعاً ما تنضم فتاة شابّة تعني بالبيئة (كرستينا ريكي) وتريد تحويل القضية إلى رأي عام في حربها ضد المؤسسة وما تمثّله من تغييرات البيئة. يرفض بيرسي الإذعان للهيمنة (تأخذ أشكالاً شتّى بينها دخول موظفي مونسانتو أرضه من دون استئذان) وعناده لربح قضية صعبة توجهه لفتح ملفات مغلقة من بينها كيف هيمنت الشركة على مئات ألوف المزارعين من المواطنين الأميركيين الأصليين دافعة بألوف منهم للانتحار.
لا يمكن إفشاء النهاية هنا، لكن الفيلم يؤيد بيرسي بالطبع ضد الهيمنة الاقتصادية على المزارعين الأميركيين وكيف أننا بتنا نأكل محاصيل تم طبخها جينياً بمواد كيماوية. موضوع صعب لكن الفيلم يلتزم بحكاية بطله أكثر مما يتوسع في مدلولات موضوعه، مفضلاً تقديم شخصية أحادية بمعالجة أحادية أكثر. فيلم صادق في نواياه ومحق في موقفه لكنه لا يحاول تحدي اختياراته المبسّطة لعرض القضايا أو لشحن بعض المواقف ولو بقليل من التشويق.
شجاعة
Courage ***
* إخراج: أليكساي بولويان
* ألمانيا | تسجيلي (2021)
اللقطة الأولى من هذا الفيلم هي كلوز أب لوجه جانبي لرجل ينظر أمامه. ما أمامه هو أحداث تنجلي عن مظاهرات وقلاقل. وهي لقطة تلتقي مع ما قاله المخرج عبر فيلمه وخلال لقاءاته: «إن تراقب يعني أن تعلم» وهو يحيلنا إلى موضوعه لكي نعلم ما لم تخبرنا به وسائل الإعلام إلا من زاوية بعض التقارير الإخبارية.
في عام 2016 هبّت مظاهرات كبيرة ضد الفساد السياسي في بيلاروسيا وضد نتائج انتخابات عاد فيها الطاقم المتهم بالفساد ذاته إلى السلطة. تصدى الأمن للمظاهرات بعنف شديد، فالغاية كانت حماية النظام وليس تلبية حاجات المواطنين. «شجاعة» يعرض هذا الوضع وخلفياته المسبقة، ويمضي لتوفير مشاهد تذكّر بثورات الربيع العربي التي واجهتها السُلطات بالقوّة كما كان المتوقع لها أن تفعل. الفارق هو في أن هذا الفيلم أكثر دراية في كيفية الحفاظ على طابع العمل السينمائي عوض الاكتفاء بنقل الأحداث كما لو كانت امتداداً لما سجّلته عدسات المحطات التلفزيونية وكاميرات الهواتف.
تتضمّن هذه الدراية الضرورية الانتقال، لنحو نصف ساعة من العرض، لتصوير مآلات ثلاثة ممثلين (دنيس تاراسنكا، وماريانا ياكوبوفيتز، وبافل هارادنسكي) كانوا تركوا المسرح القومي حيث كانوا يعملون وانتقلوا إلى «مسرح بيلاروس الحر»، الذي هو كناية عن مكان وحيد لتقديم مسرحيات انتقادية حول أحوال البلد وأجواء الممارسات السُلطوية التي أدت لاعتقالات وتهديدات بالقتل. المسرحية، التي نرى بعض تمارينها، بعنوان «منطقة الصمت» ومخرجها كان يديرها عبر «سكايب» من ملجئه. الممثلون الثلاثة ما لبثوا أن قرروا التوقف عن العمل بعدما تعرّضوا للتهديد وهم يروون هنا، عبر مقابلات، ما حدث لهم.
يشعر المرء بأن الفيلم مرتّب لكي يسرد وجهة نظر أحادية، لكنه يفعل ذلك لأنه لا توجد وجهة نظر مناوئة تنبري لدحض المزاعم ولن يقوم الفيلم بلعبة توازن غير مجدية. يلقي الضوء ساطعاً على موضوعه ولو أنه في النهاية لا يتبلور صوب عمل فني متكامل (عروض مهرجان فيزيون دو ريل، سويسرا).
غضب رجل
Wrath of a Man *
* إخراج: غاي ريتشي
* الولايات المتحدة | أكشن (2021)
غالى زملاء المهنة الأجانب في رفع شأن أفلام غاي ريتشي. بعضها بلا ريب لافت. بعضها بلا شك مثير. معظمها بالتأكيد أقل مستوى مما يتوقعه ناقد جاد وإن لم يكن من بينها سوى فيلمين أو ثلاثة برداءة هذا الفيلم.
جاسون ستاثام هو موظف في شركة نقل أموال تتعرّض عملياتها لغزوات عصابة لا تتورّع عن القتل. ليس هناك من خلفية شخصية لبطلنا المعروف بحرف H سوى أنه كان ذات مرّة يشتري طعاماً سريعاً بعدما ترك ابنه في السيارة في موقع لم يكن يعلم أنه المكان الذي ستغير فيه العصابة على شاحنة مال. في طريق عودته (أوقف السيارة بعيداً عن المطعم) يدرك أن ابنه قد قُتل بلا مبرر. يترك الساندويتشات تقع من يده ويهرع راكضاً لكن القاتل يطلق عليه رصاصة. سيعيش بطل الفيلم، للأسف، لأن الفيلم بنى على هذه الحادثة ما يقع. لا يبدأ بها بل يكشفها لاحقاً كما لو أن المشاهد يحتاج لها.
إنه فيلم آخر من تلك التي تدور في رحى الانتقام وتصوّر رجلاً يصيب ولا يُصاب وإن أصيب لا يموت. ليس هناك من حبكة فعلية والفيلم مليء بضجيج المحركات ممتزجة بموسيقى تغيب حين تطلبها ثم تصدح حين تظهر. ربما كان رغبة ريتشي تقديم بطل من نوع ايستوود على ستيف ماكوين على تشارلز برونسون، لكن كل هؤلاء، بمن فيهم برونسون، كان يملك معيناً من الكاريزما لا يملكه ستاثام ولا يسعى المخرج لتزويده ببعضها.