هل من حق بلدية باريس أن تبيع بوابة لأحد المباني التابعة للدولة؟ الجدل يدور منذ أيام على أعمدة الصحف وفي مواقع التواصل بعد الإعلان عن بيع بوابة بالمزاد العلني في 18 من الشهر الحالي. وتعود البوابة لقصر خاص يعرف بـ«أوتيل دو لوزون»، يقع في جزيرة سان لوي التي تتوسط نهر السين في باريس. ويعود بناء القصر إلى القرن السابع عشر.
البوابة المعروضة للبيع مصنوعة من الحديد الأسود المطاوع القابل للتشكيل، ومزينة بنقوش مذهبة وبارزة. وهي أجمل بوابات المبنى الواقع في الرقم 17 من رصيف «أنجو»، الذي يعتبر واحداً من التحف المعمارية لما يحتويه في حجراته من لوحات ومنحوتات فنية تنتمي لعصر النهضة... وسبق لبلدية العاصمة، مالكة العقار، أن باعت قبل 3 سنوات عدداً من أبوابه مع متعلقات أخرى بمبلغ يقل عن 5 آلاف يورو. ثم عادت البوابة الرئيسية لتعرض في المزاد بمبلغ مبدأي هو 12 ألف يورو. لكن جمعيات الدفاع عن التراث الوطني هبّت لوقف عملية البيع، وانتشرت آلاف الدعوات في «فيسبوك» والتغريدات في «تويتر» ضد «نهب باريس».
سبق تنظيم المزاد في قصر «دروو» حملة دعائية شعارها «باريس حبيبتي». ويشمل البيع تذكارات أحيلت على التقاعد بعد أن كانت تزيّن شوارع المدينة وساحاتها، مثل كابينات الهواتف العمومية وأسيجة تحيط بالأشجار ومصاطب حجرية للرصيف، إحداها من تصميم المعماري جان أنطوان غابرييل دافيو (1824 - 1881)، هذا بالإضافة إلى إحدى بوابات «أوتيل دو لوزون» الواقع في الدائرة الرابعة.
تم بناء القصر بين عامي 1657 و1658 على يد المهندس المعماري الفرنسي شارل شاموا. وتولى أعمال التزيين الرسام ميشيل دوريني (1616 - 1665). وبعد أن كان المبنى الفخم ملكاً لدوق لوزون، اقتناه الماركيز دو ريشيليو، كبير وزراء الملك لويس الثالث عشر. ثم تنقل بين عدة مالكين من النبلاء إلى أن اشترته بلدية باريس في عام 1928. ومن أشهر من أقام فيه الكاتب الصحافي تيوفيل غوتييه والشاعر شارل بودلير، صاحب ديوان «أزهار الشر». وفي غرفة بالطابق العلوي تطل على الفناء الداخلي، كتب قصيدته الشهيرة «دعوة لرحلة».
ومنذ الإعلان عن المزاد والمقالات تتوالى منتقدة بلدية باريس لتخليها عن قطع ثمينة ذات قيمة تاريخية. كما نشرت الصحف صورة البوابة الحديدية البديعة التي رفعت من مكانها واستبدلت بها بوابة خشبية. ويبدو أن مسؤولي البلدية لم يتوقعوا ردة فعل بهذه القوة، خصوصاً أنهم باتوا يواجهون تهمة التفريط بـ«جواهر عاصمة النور». والرد الرسمي على المعترضين هو أن البوابة غير عائدة للفترة التي جرى فيها تشييد القصر، بل نصبت فيه عام 1910. حين أراد صاحبه إضفاء لمسات حديثة عليه. وبهذا فإنها غير مشمولة بقانون الحفاظ على الإرث المعماري الوطني.
وكان عمال البلدية قد فككوا البوابة في عام 2000 ضمن أشغال ترميم واجهة الفناء وإعادتها إلى ما كانت عليه في القرن السابع عشر. وكان رأي المهندس المشرف على الترميم أن البوابة الحديدية لا تنسجم وروح المبنى، لهذا وضع مكانها بوابة من الخشب. لكن الباريسيين ما عادوا يطيقون حملات تحديث مرافق عاصمتهم ورفع المصاطب الحجرية من الأرصفة والحدائق العامة لوضع مقاعد من البلاستيك مكانها. وهم يرون أن أي مدينة في العالم لم تعرف الدلال مثل باريس، حيث تولى تزيينها وتصميم مرفقاتها فنانون ومعماريون مشاهير. وهي تدين بجمالها إلى مبدعين من أيام نابليون الثالث، ولا يجوز العبث بكل ذلك التراث تحت أي ذريعة كانت.
نزاع حول بيع بوابة قصر من القرن الـ17 في باريس
نزاع حول بيع بوابة قصر من القرن الـ17 في باريس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة