عودة «دو سوليه» للعروض قد تكون أكثر مهامه تحدياً حتى الآن

أوليفييه سيلفستر أحد فناني سيرك «دو سوليه» يمارس تدريباته في إحدى الحدائق العامة (نيويورك تايمز)
أوليفييه سيلفستر أحد فناني سيرك «دو سوليه» يمارس تدريباته في إحدى الحدائق العامة (نيويورك تايمز)
TT

عودة «دو سوليه» للعروض قد تكون أكثر مهامه تحدياً حتى الآن

أوليفييه سيلفستر أحد فناني سيرك «دو سوليه» يمارس تدريباته في إحدى الحدائق العامة (نيويورك تايمز)
أوليفييه سيلفستر أحد فناني سيرك «دو سوليه» يمارس تدريباته في إحدى الحدائق العامة (نيويورك تايمز)

شكّل الحجر المنزلي تحديا خاصا لبهلوان الألعاب الهوائية غيوم باكين الذي يعيش في مدينة كويبيك الكندية. فممارسة الحركات المميزة، مثل الالتواء في أعلى حبل طوله 20 قدما قبل أن يدور لأسفل مثل المروحة، يعد أمرا صعبا بعض الشيء في غرفة معيشة ضيقة.
الآن قد يتمكن عارض سيرك «دو سوليه» السابق قريبا من الخروج من شقته في مونتريال إلى خيمة كبيرة حينما يعود السيرك الشهير إلى العمل بعد أن أجبره الوباء على إلغاء 44 عرضا، من ملبورن الأسترالية إلى هانغتشو الصينية.
ومع تسارع وتيرة التلقيح في جميع أنحاء العالم، أعلن السيرك أواخر الشهر الماضي أن أطول عرضين في لاس فيغاس سيعودان الصيف الجاري. وفي لندن، سيكون هناك افتتاح عرض «لوزيا»» الشهير الذي يضم اثنين من لاعبي الأكروبات يقفزان بين زوج من الأراجيح الضخمة في قاعة «رويال ألبيرت هول» في يناير (كانون الثاني)، فيما تستمر المحادثات لإعادة فتح العروض ذاتها في الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، وإسبانيا.
في الوقت الذي لا يزال فيه الوباء مستشريا ولا تزال حالة عدم اليقين بشأن رغبة الناس في العودة إلى المسارح سائدة، فإن محاولة عودة عملاق السيرك السابق هي اختبار حقيقي لصناعة الترفيه الحي.
السؤال هو: هل يمكن لسيرك مونتريال الذي تعرض لضربات موجعة والذي عانى بالفعل من الإرهاق وتراجع إبداعي حتى قبل الوباء أن ينهض مرة أخرى؟
في هذا الصدد، قال باكين (26 عاما) الذي لعب دور البطولة في فيلم «توروك» والمستوحى من فيلم «أفاتار» للمخرج جيمس كاميرون: «لقد مر أكثر من عام ونحن جميعا عالقون في المنازل. الناس متعطشة للترفيه الحي». فرغم أن باكين لن يشارك في عروض لاس فيجاس التي ستبدأ قريبا ولكنه بدا حريصا على العودة إلى المسرح.
يأتي إعادة افتتاح سيرك «دو سوليه» مع عودة ظهور الفنون المسرحية العالمية بقدر كبير من الحذر. ففي نيويورك، قدم الممثل ناثان لين والراقصة سافيون جلوفر عرضا مؤخرا لفترة وجيزة أمام جمهور مقنّع مكون من 150 شخصا، مما يبشر بما يأمل منتجو المسرح أن يكون بداية استئناف لعروض برودواي في الخريف.
لكن قبل أن تتمكن عروض السيرك من معاودة نشاطها، يجب أن يعاد تأسيس شركة كانت قد تم تفكيكها بالكامل في بداية الوباء. فخلال فترة توقفه التي استمرت 400 يوم، تراجعت عائدات السيرك إلى الصفر، وخرج ما يقارب 4700 شخص، أو 95 في المائة من قوته البشرية، ليبقى العديد من أفضل فناني الأرجوحة في العالم عالقين في المنزل من دون أي تدريب.
وأشار باكين أن فترة التوقف الطويلة قوضت ثقته بنفسه، لأنه لم يعد يتمرن على روتينه الأكروباتي الجوي، وأنه عندما عاود التدريب مؤخراً اكتشف أنه فقد «ذاكرته العضلية» وشعر بالخوف من التعلق في الهواء، مشيرا في حسرة «لقد كانت العودة مؤلمة حقا». وذكر دانييل لاماري، الرئيس التنفيذي لشركة سيرك « دو سوليه»، أن عرضي «ميستر» و«أو» - المقرر افتتاحهما في 28 يونيو (حزيران) والأول من يوليو (تموز) على التوالي - سيعملان بكامل طاقتهما في المسرحين اللذين يضمان 1806 و1616 مقعدا دون مسافة اجتماعية وبأسعار تذاكر ما قبل الوباء. وسيجري اختبار الموظفين بانتظام وسيتم تشجيع التطعيم، رغم كونه تطوعيا. والهدف هو افتتاح العروض الثلاثة المتبقية في لاس فيغاس بحلول نهاية العام الجاري.
وبحسب القواعد الجديدة التي وضعتها مقاطعة كلارك بولاية لاس فيجاس، يمكن أن تستمر العروض دون أي تباعد اجتماعي بمجرد أن يتلقى 60 في المائة من السكان جرعة واحدة على الأقل من لقاح «كوفيد - 19»، وستكون الأقنعة مطلوبة رغم ذلك. وذكرت ولاية نيفادا الخميس أن ما يقرب من 47 في المائة تلقوا جرعة واحدة على الأقل.
وقد حذر غابرييل دوبي دوبوي، مدير إبداعي سابق في السيرك، من أن الشركة واجهت عقبة كبيرة هناك لأن المشجعين الشباب الذين يحتاجهم السيرك للبقاء هم الشريحة الأكثر عرضة للانجذاب إلى النوادي الليلية وصالات البلياردو في الفنادق.
لكن لاماري قال إنه متفائل بأن الجمهور الذي شجعه التطعيم سيعود إلى العروض بحماس أكبر من أي وقت مضى، مؤكدا «نحن نعتمد على حقيقة أن الناس قد علقوا في منازلهم لفترة طويلة وباتوا في حاجة إلى الترفيه»، لكنه أضاف «هل أنا حالم أكثر من اللازم؟». غير أنه يتعين على السيرك التعامل مع فنانيه الذين تركوا مهنتهم إلى مهن أخرى ليست بعيدة عن مهنتهم لكسب لقمة العيش. فقد كانت المرة الأخيرة التي ظهر فيها بوكان، لاعب الأكروبات الهوائية، في عروض السيرك في ديسمبر (كانون الأول) 2019.
منذ تأسيسه، قام بوكان هو ومجموعة من زملائه الفنانين المقيمين في مونتريال بتشكيل مجموعة السيرك الخاصة بهم لتأدية تدريبات في المساحات الخارجية المفتوحة مثل الحقول. وللحفاظ على لياقتهم أثناء عمليات الإغلاق، تقوم المجموعة بالتمدد والتدريب على أسطح شققهم السكنية.
ورغم ذلك قال باكين إن الأمر سيستغرق عدة أشهر من التدريب قبل أن يتمكن لاعبو السيرك من العودة مرة أخرى. بالنسبة لأنبلينغ أنغراغ، البهلوانة المنغولية، فقد كانت تتدرب على حركاتها المفضلة في المنزل - بما في ذلك تدريب فتح الساقين بدرجة 180 درجة أمام رأسها أثناء الموازنة على عصا في فمها، وهو تمرين صعب. لكن الغرض من ذلك كان الحفاظ على لياقتها البدنية أثناء فترة بقائها في العاصمة المنغولية «أولان باتار»، لكن دخلها كان يأتي من دروس اليوغا عبر الإنترنت.
نموذج آخر، هناك فنان السيرك السابق أوليفييه سيلفستر الذي عمل في مقهى بمونتريال، بينما استغل آرثر موريل فان هايفت (26 عاما) لاعب الأرجوحة الفرنسي، وقت فراغه في دراسة التمثيل. وذكر هايفت أن المخاطر الصحية للوباء زادت من الضغط على وظيفة ذات متطلبات تفوق طاقة البشر العاديين.
واختتم بقوله: «آمل أن يساعد الوباء سيرك (دو سوليه) على استعادة روحه».
* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».