السفر توأم المجاز وجسد الحياة الآخر

قواسم كثيرة مشتركة بين هجرة البشر وهجرة الكلمات

السفر توأم المجاز وجسد الحياة الآخر
TT

السفر توأم المجاز وجسد الحياة الآخر

السفر توأم المجاز وجسد الحياة الآخر

قليلة هي المفردات التي تثير داخل النفس البشرية ما تثيره مفردة «السفَر» من أصداء وظلال وترجيعات، ربما لأن هذه المفردة تتصل بطبيعة الوجود ذاته، حيث الخالق وحده هو الثابت، فيما الكائنات على اختلاف طبيعتها محكومة بالتحول والصيرورة والسفر المتواصل نحو مآلاتها. فالحركة، لا السكون، هي مبدأ العالم، ومقولة هيراقليطس حول الصورة المتبدلة للأنهار، وحول عدم قدرتنا على السباحة مرتين اثنتين في المياه نفسها، ما تزال صالحة لإضاءة التاريخ البشري من غير وجه وزاوية للنظر.
وليس مستغرباً تبعاً لذلك أن يتماهى المبدعون من البشر مع صورة النهر في سفره الدائم وصورته المتبدلة، كما فعل بوذا في ذروة تأملاته، لأن المستنقعات على الطرف الآخر من المشهد لا تؤدي إلا إلى تأسن الروح، كما إلى التعفن السريع للغات والمصائر.
وثمة في المعاجم العربية ما يفتح لفظة «السفر» على تأويلات متعددة تصل أحياناً إلى درجة التباين والمغايرة. وإذا كان الشكل صدى للمعنى، على ما يقول الشاعر الفرنسي بول فاليري، فإن هذه المفردة تنبثق من مجافاة كاملة للتشرنق والاستكانة الكاملة داخل رتابة المعنى، حيث لا ينتظر دودة القز سوى الموت في العتمة، ما لم تغادر شرنقتها المغلقة لكي يحولها ضوء الخارج إلى حرير.
وفي «لسان العرب» ترد عبارة «سفَر البيت سفْراً، أي كنسه، والمسفرة هي المكنسة». كما ترد اللفظة بمعنى الكشف، وما يسفر عنه الشيء بعد جملة من التحولات.
ويقال لما سقط من ورق الشجر أو العشب «سفير» لأن الريح تسفره وتكنسه. هكذا، يصبح السفر في بعض دلالاته نوعاً من الكشف والاستجلاء لما غمض من الأشياء أو المعاني من جهة، ويصبح كنْساً ضرورياً لما يجب أن نسقطه من حسباننا من جهة أخرى. ولأن الريح هي السفير غير المقيم للرغبات والأحلام غير المتحققة، فقد وجد فيها الشعراء كل ما يرمز إلى الحرية والتخييل والتمرد على السائد، وهو ما يفسر قول المتنبي:

على قلق كأن الريح تحتي
أحركها يميناً أو شمالا

كما يفسر استثمار هذه المفردة في كثير من عناوين الروايات والدواوين الشعرية، العربية والعالمية، من مثل «ذهب مع الريح» لمرغريت ميتشل، و«أوراق في الريح» لأدونيس، و«الناي والريح» لخليل حاوي، و«بحيرة وراء الريح» ليحيى يخلف.
والسفر في بُعده الأهم لا يكون باتجاه الخارج فحسب، بل باتجاه الداخل الذي تقبع فيه نواة الحقيقة ولآلئها الأثمن التي تلمع في الأعماق.
ولعل هذا النوع من السفر هو الذي عناه خليل حاوي في قصيدته المعروفة «رحلة السندباد الثامنة»، حيث الرحلات السبع، على ما كشفته من جغرافيا الأرض وجمالها المبهر، لم توفر للسندباد ما يحتاج إليه من الكشوف واللقى المعرفية والإنسانية، الأمر الذي دفعه إلى الإيغال في دهاليز نفسه وأغوارها للعثور على ضالته المنشودة، متصادياً بذلك مع مقولة سقراط الشهيرة «اعرف نفسك» التي لا تستقيم إلا عبر هذا النوع من الأسفار.
ينفتح السفر من بعض وجوهه على كثير من المفارقات، ويثير في دواخلنا كثيراً من المشاعر المتناقضة، فهو يجمع بين متعة المغامرة ووجع الانسلاخ عن الأرض الأم. فنحن حين نتهيأ للسفر، نشعر بأننا بدأنا نفقد العلاقة مع المكان الذي يخسر صلابته بالتدريج، ليتحول إلى منصة ملتبسة المعالم للانطلاق نحو مكان آخر لم تُتح لنا معاينته بعد. لكن هذا التمزق ما يلبث بعد بلوغ المكان المنشود أن يخلي مكانه لمتعة التنزه في مرابع الوجود البكر وعوالمه الطازجة.
وبسرعة قياسية، نشعر أننا بتنا منبتين تماماً عما نحمله من ذكريات الماضي، وأن اللحظات التي نعيشها خلال السفر هي الحقيقة الوحيدة التي نتلمسها بالحواس والرغبات.
هكذا نبدو كأننا نولد من جديد في كنف المجهول الذي يمدنا بكل ما نحتاج إلى افتراعه على أرض الرغبات الخالصة والتشهي الصرف لمستوطنات الجمال الطازج. يصبح السفر بهذا المعنى جسد الحياة الآخر، أو «مجاز» الحياة الموازي على المستوى الإبداعي لكل ما يقع في خانة الاستعارة والتورية، وغيرهما من ضروب البيان.
ليس الشعر، كما الفن، في عمقه النهائي سوى سفر رمزي في اللغة والتخييل. فالكلمات في إطارها المعجمي هي مجرد أشكال محنطة ثابتة الدلالة والقصد، أو هي أشبه بطيور مسجونة داخل الأقفاص، لا قيمة فعلية للأجنحة الممنوحة لها ما دامت غير قابلة للاستعمال.
وعلينا لكي نتمكن من التحليق أن نتنكب المجازفة اللازمة لإعطاء الدال مدلولات أخرى لم تكن له من قبل، وأن نجتاز بمهارة العتبة الفاصلة بين المعنى الأصلي الواضح والمعنى المستتر وراء الظنون والشبهات. وسواء سمي هذ الإنجاز مجازاً أو انزياحاً أو استعارة، فهو في جميع الحالات ضرب من ضروب السفر بعيداً عن المكان الأول أو الدلالة الأصلية للكلمات.
لم يكن الالتباس المفهومي الذي حكم العلاقة بين الشعر والنبوة في مطالع التاريخ الإسلامي سوى تعبير جلي عما بينهما من تقاطعات ومناطق متداخلة، على الرغم من الفروق الكثيرة التي تباعد بين الرسالتين والمفهومين. وأعتقد أن هجرة الأنبياء بعيداً عن المكان الأصلي هي في مقدمة هذه التقاطعات، وهو ما ينسحب على النبي إبراهيم في رحلته الطويلة الشاقة من أور في بلاد الرافدين وصولاً إلى الحجاز وفلسطين، كما على موسى الذي كان عليه إثر مغادرته مصر باتجاه فلسطين، أملاً في إنقاذ شعبه من الهلاك، أن يواجه على مدى سنوات طويلة كل أشكال المكابدة والجوع والتيه في الصحراء.
أما هجرة الرسول بحثاً عن ظهير صلب للدعوة الوليدة، فهي تبدو بمثابة المسافة الفاصلة بين الواقع الآسن والمتخيل المحلوم بتحققه، فيما هي على المستوى الإبداعي المسافة التي لا بد من قطعها بين «مكة» الشكل و«مدينة» المعنى. أما عودة الرسول إلى مكة مرة ثانية لإرساء أسس الدولة ومعالمها، فهي تعكس حنين اللغة المهاجرة إلى أصولها المعجمية والواقعية بعد أن ظفرت بنصيبها من التأويل.
وانسجاماً مع هذه القراءة، يمكن أن نضع قضية العنكبوت التي أتاحت للهجرة النبوية أن تحقق غايتها المنشودة، في سياق تأويلي مماثل، إذ إن ما فعله العنكبوت، بواسطة الخيوط الشبكية المتقنة التي وفرت للرسول وصاحبه ما يلزمهما من الاستتار والحماية، هو ذاته ما يفعله الشعراء والمبدعون حين يسدلون على المعنى ستاراً من الغموض أو الخفاء النسبي كي لا يقع الفن في قبضة الواقع المبتذل أو المباشرة الفجة، وهو نفسه ما عناه سعيد عقل حين وصف الشعر بالقميص الفاصل بين النجوم والناظرين إليها، قائلاً:
الشعر قبضٌ على الدنيا مشعشعة
كما وراء قميصٍ شعشعت نجُمُ
كل كتابة أو أثر فني وإبداعي، إذن، هما نوع من السفر الرمزي نحو ما لم نطأه بالأقدام أو نتلمسه بالحواس المجردة، بل عن طريق الحدس أو التخيل أو المعرفة العقلية، وهو ما ينسحب على المؤلف انسحابه على القارئ. صحيح أن الأول يتنكب القسم الأكبر من المشقات، حيث ينيط بنفسه مهمة الابتكار والتقصي المعرفي واستكشاف الطرق الموصلة إلى أرض المستقبل، لكن كل ذلك يصبح غير ذي جدوى ما لم يعثر المؤلف على قرائه الذين يشاطرونه، كل على طريقته، المغامرة نفسها والسفر إياه.
وإذا كان الجاحظ قد رأى إلى الكتب بصفتها نوعاً متميزاً من الحدائق والرياض التي توفر لقرائها متعة التنزه العقلي والروحي بين صفحاتها، فإنهم ليسوا بعيدين عن الحقيقة من جهة أخرى، أولئك الذين يرون في القارئ شريكاً حقيقياً في عملية الإبداع، حيث كل قراءة للنص هي سفر حقيقي إلى أغواره، وإعادة اختراع له عن طريق المساءلة والاكتشاف والتأويل.
ومن الصعب، أخيراً، أن نحيط بكل الأعمال والنصوص الإبداعية التي جعلت من فكرة الهجرة والسفر موضوعاً لها، لأن ذلك سيستلزم الاستشهاد بمعظم ما تركه البشر الخلاقون من ملاحم ودواوين وآثار أدبية وفنية. وإذا كان ثمة فوارق كثيرة بين الأساطير والملاحم وأدب الرحلات والشعر بأساليبه المختلفة، فإنها جميعاً تتقاطع عند فكرة السفر والرحيل بحثاً عما هو جديد ملغز غير موطوء؛ تتساوى في ذلك ملحمة قلقامش، وأوذيسة هوميروس، ورحلات ابن بطوطة وابن جبير وماركو بولو، ورحلات غوليفر لجوناثان سويفت، وأليس في بلاد العجائب للويس كارول، وكثير غيرها.
ومع أن الطبيعة «السائلة» للمكان العربي الصحراوي، خاصة في العصور الماضية، قد طبعت كثيراً من قصائد الشعراء بطابع الوقوف على الأطلال والحنين إلى الأماكن المفقودة، فإن ذلك لم يمنع شعراء وكتاباً آخرين من التطلع إلى السفر والرحيل، بما يمثلانه من تطلع عميق إلى الخروج من دائرة الحياة واللغة الرتيبتين، نحو فضاء المغامرة والتجدد والثراء المعجمي والتخييلي، وهو ما يؤكده قول الأمام الشافعي:

ما في المُقام لذي علمٍ وذي أدبٍ
من راحة، فدع الأوطان واغتربِ
إني رأيت وقوف الماء يفسدهُ
إن سال طابَ وإن لم يجرِ لم يَطِبِ

وفي السياق ذاته، يقع قول أبي تمام:

وطولُ مقام المرء في الحي مُخْلق
لديباجتيهِ فاغتربْ تتجدّدِ

وصولاً إلى قول محمود درويش:
نسافر كالناس
لكننا لا نعود إلى أي شيءٍ
كأن السفرْ
طريق الغيومِ
دفنّا أحبتنا في ظلال الغيوم
وبين جذوع الشجرْ
وقلنا لزوجاتنا:
لدْن منا مئات السنين
لنكْمل هذا الرحيل
إلى ساعة من بلادٍ،
ومترٍ من المستحيلْ



مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
TT

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)

تواصل مصر خطتها لإحياء وتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، وفق أحدث المعايير العالمية والدولية، مع العمل على وصلهما ببعضهما البعض وافتتاحهما قريباً بإدارة من القطاع الخاص.

وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتابع باهتمام تنفيذ مشروع تطوير الحديقتين، انطلاقاً من أهميته في ظل الطابع التاريخي المميز لهما، وتتطلع لإعادة إحيائهما، والانتهاء من عملية التطوير وفق الخطة الزمنية المقررة، وإدارتهما وتشغيلهما على النحو الأمثل.

وقال مدبولي في بيان عقب اجتماع، الأحد، مع عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالمشروع: «هذا المشروع بمثابة حلم للحكومة نعمل جميعاً على تحقيقه، وهدفنا أن يرى النور قريباً، بإدارة محترفة من القطاع الخاص، تحافظ على ما يتم ضخه من استثمارات».

وشهد الاجتماع استعراض مراحل مشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان، حيث تمت الإشارة إلى اعتماد التصميمات وأعمال الترميم والتطوير من جانب المنظمات العالمية المُتخصصة، ونيل شهادات ثقة عالمية من جانبها، مع التعامل مع البيئة النباتية بأسلوب معالجة علمي، إلى جانب تدريب الكوادر العاملة بالحديقتين وفق أعلى المعايير العالمية، بما يواكب رؤية التطوير، ويضمن توافق التشغيل مع المعايير الدولية»، وفق تصريحات المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني.

ويتضمن مشروع تطوير «حديقة الحيوان بالجيزة» مساحة إجمالية تبلغ 86.43 فدان، ويبلغ إجمالي مساحة مشروع «حديقة الأورمان» 26.7 فدان، بمساحة إجمالية للحديقتين تصل إلى 112 فداناً، واستعرض الاجتماع عناصر ربط المشروعين معاً عبر إنشاء نفق يربط الحديقتين ضمن المنطقة الثالثة، بما يعزز سهولة الحركة، ويوفر تجربة زيارة متكاملة، وفق البيان.

وتضمنت مراحل التطوير فتح المجال لبدء أعمال تطوير السافانا الأفريقية والمنطقة الآسيوية، إلى جانب الانتهاء من أعمال ترميم الأماكن الأثرية والقيام بتجربة تشغيلية ليلية للمناطق الأثرية بعد تطويرها بواقع 8 أماكن أثرية.

التشغيل التجريبي للمناطق الأثرية ليلاً بعد تطويرها (حديقة الحيوان بالجيزة)

وأشار البيان إلى أن مستشاري مشروع الإحياء والتطوير؛ وممثلي الشركة المُشغلة للحديقتين، عرضوا خلال الاجتماع مقترحاً للعودة للتسمية الأصلية لتكونا «جنينة الحيوان»، و«جنينة الأورمان»؛ حرصاً على التمسك بهويتهما لدى جموع المواطنين من روادهما منذ عقود، كما أكدوا أن إدارة الحديقتين وتشغيلهما سيكون وفق خطة تضمن اتباع أحدث النظم والأساليب المُطبقة في ضوء المعايير العالمية.

وتم تأكيد ارتفاع نسب الإنجاز في الجوانب التراثية والهندسية والفنية بمشروع تطوير الحديقتين، حيث شملت أعمال الترميم عدداً من المنشآت التاريخية، أبرزها القصر الملكي والبوابة القديمة والكشك الياباني.

وحقق المشروع تقدماً في الاعتمادات الدولية من جهات مثل الاتحاد الأوروبي لحدائق الحيوان (EAZA) والاتحاد العالمي (WAZA) والاتحاد الأفريقي (PAAZA)، وفق بيان مجلس الوزراء المصري.

وترى الدكتور فاتن صلاح سليمان المتخصصة في التراث والعمارة أن «حديقة الحيوان بالجيزة من أكبر حدائق الحيوان في الشرق الأوسط وأعرق حدائق الحيوان على مستوى العالم، حيث تأسست في عهد الخديو إسماعيل، وافتُتحت في عصر الخديو محمد توفيق، وكان بها في بداية افتتاحها أكثر من 175 نوعاً من الحيوانات النادرة من بيئات مختلفة حول العالم، كما كان تصميمها من أجمل التصميمات في العالم وقتها، وكانت متصلة بحديقة الأورمان وقت إنشائها».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «حديقة الأورمان من أهم الحدائق النباتية في العالم، وكانت جزءاً من القصر الخاص بالخديو إسماعيل، وكانت مخصصة لمد القصر بالفواكه والخضراوات، وصممها مهندسون فرنسيون»، وأشارت إلى أن كلمة أورمان بالأساس هي كلمة تركية تعني الغابة أو الأحراش، وعدت مشروع تطوير الحديقتين «من أهم المشروعات القائمة حالياً والتي من شأنها أن تعيد لهما طابعهما التراثي القديم، وهو من المشروعات الواعدة التي من شأنها أن تغير كثيراً في شكل الحدائق المصرية» وأشادت بفكرة العودة إلى الاسمين القديمين للحديقتين وهما «جنينة الحيوان» و«جنينة الأورمان»، لافتة إلى تغيير الصورة الاستثمارية للحديقتين بعد التطوير لوجود مناطق ترفيهية وكافيهات ومناطق لأنشطة متنوعة.


نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
TT

نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

قالت المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي إن العمل الفني لا يولد مصادفة، بل يأتي من تلك الرجفة الداخلية التي يخلّفها هاجس ما، أو من أسئلة لا تتوقف عن الإلحاح حتى تتحوّل إلى قصة.

وبدت نادين في جلستها الحوارية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، الأحد، التي أدارها أنطوان خليفة، مدير البرنامج العربي والكلاسيكي بالمهرجان، كأنها تفتح كتاباً شخصياً، تقلب صفحاته بهدوء وثقة، وتعيد ترتيب ذكرياتها وتجاربها لتشرح كيف تُصنع الأفلام. فمنذ اللحظة الأولى لحديثها، شددت على أن الصدق هو ما يميّز الفيلم؛ ليس صدق رؤيتها وحدها، بل صدق كل مَن يقف خلف الكاميرا وأمامها.

وأكدت أن الشغف والهوس هما ما يسبقان الولادة الفعلية لأي فكرة؛ فقبل أن تصوغ أولى كلمات السيناريو، تكون قد أمضت زمناً في مواجهة فكرة لا تريد مغادرة ذهنها. شيئاً فشيئاً يبدأ هذا الهاجس بالتشكّل والتحول إلى موضوع محدد يصبح البوصلة التي تضبط كل التفاصيل الأخرى. قد تتغير القصة، وقد يتبدّل مسار الفيلم، لكن الفكرة الجوهرية، ذلك السؤال الملحّ، تبقى العنصر الثابت الذي يجب بلوغه في النهاية.

وتسترجع نادين لحظة ولادة فيلم «هلّأ لوين؟»، فتعود إلى حرب 2008، حين كانت مع طفلها في شوارع بدت كأنها على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. وتروي كيف تسلّل إليها الخوف عندما تخيّلت ابنها شاباً يحمل السلاح، وكيف تحوّلت تلك اللحظة إلى بذرة فيلم كامل.

نادين لبكي خلال «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

وفي «كفرناحوم» حدث شيء مشابه، إذ تقول إنها كانت ترى الأطفال في الشوارع، وتنصت إلى قصصهم، وتراقب نظرتهم إلى العالم وإلى الناس الذين يمرّون أمامهم كأنهم عابرون بلا أثر. من هنا بدأت الفكرة، ثم امتدّ المشروع إلى 5 سنوات من البحث الميداني، أمضت خلالها ساعات طويلة في محاولة فهم القوانين، والحياة اليومية، والدوافع الإنسانية التي تحكم هذه البقع المهمَّشة.

وتؤكد نادين أن مرحلة الكتابة ليست مجرد صياغة نص، بل لحظة مشاركة وتجربة مشتركة، فالعلاقة بين فريق الكتابة بالنسبة إليها أساسية. وتشير إلى أنها تحب العمل مع أشخاص يتقاسمون معها الرؤية والمبادئ نفسها. أحياناً يكتبون أسبوعين متواصلين، ثم يتوقفون شهوراً قبل أن يعودوا للعمل من جديد، بلا مواعيد نهائية صارمة، لأن القصة، كما تقول، هي التي تحدد إيقاعها وزمنها، لا العكس.

وعندما تنتقل إلى الحديث عن اختيار الممثلين، تكشف أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً، لأن أغلب أبطال أفلامها ليسوا محترفين. ففي «كفرناحوم» مثلاً، كان من المستحيل بالنسبة إليها أن تطلب من ممثل محترف أن ينقل ذلك القدر من الألم الحقيقي، لذلك اتجهت إلى أشخاص عاشوا التجارب نفسها أو عايشوا مَن مرّ بها. وتؤكد أنها مفتونة بالطبيعة الإنسانية، وأن فهم الناس ودوافعهم هو بوابة الإبداع لديها؛ فهي لا تفكر في النتيجة في أثناء التصوير، بل في التجربة نفسها، وفي اللحظة التي يُصنع فيها المشهد.

نادين لبكي عقب الجلسة الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

وتتوقف نادين أيضاً عند تجربتها التمثيلية في فيلم «وحشتيني»، كاشفة أنه من أكثر الأعمال التي أثّرت فيها على مستوى شخصي، وأنها سعدت بالعمل مع النجمة الفرنسية فاني أردان. وترى أن التمثيل هذه المرة جعلها تعيش السينما من زاوية مختلفة، فهي تؤمن ـ كما تقول ـ بنُبل السينما وقدرتها على تغيير الإنسان وطريقة تفكيره ونظرته إلى الأشياء، وهو ما يشجعها على الاستمرار في خوض تجارب سينمائية تركّز على السلوك الإنساني، مع سعي دائم لفهم الدوافع غير المتوقعة للأفراد أحياناً.

وتشير إلى أن المدرسة الإيرانية في إدارة الممثلين كانت ذات تأثير كبير في تكوينها الفني. ورغم غياب صناعة سينمائية حقيقية في لبنان عندما بدأت مسيرتها الإخراجية، فإنها تعلّمت عبر الإعلانات والفيديو كليبات، وصنعت طريقها بنفسها من عمل إلى آخر، لعدم وجود فرصة الوقوف إلى جانب مخرجين كبار. وقد عدت ذلك واحداً من أصعب التحديات التي واجهتها.

وأكدت أن فيلمها الجديد، الذي تعمل عليه حالياً، مرتبط بفكرة مركزية، وسيُصوَّر في أكثر من بلد، ويأتي ضمن هاجسها الأكبر، قصة المرأة وتجاربها. ولأن أفكارها تولد غالباً من معايشة ممتدة لقضايا تحيط بها يومياً، تقول: «نعيش زمناً تختلط فيه المفاهيم بين الصواب والخطأ، ولا نجد مرجعاً سوى مبادئنا الشخصية»، مؤكدة أنها تستند في اختياراتها الفنية إلى ما تؤمن به فقط.

وفي ختام حديثها، تتوقف عند شراكتها مع زوجها الموسيقي خالد مزنَّر، وتصفها بأنها واحدة من أهم ركائز تجربتها، موضحة أن رحلتهما في العمل على الموسيقى تبدأ منذ لحظة ولادة الفكرة. وأحياناً يختلفان بشدة، ويتجادلان حول الموسيقى أو الإيقاع أو الإحساس المطلوب، لكنهما يصلان في النهاية إلى صيغة فنية تجمع رؤيتهما، وترى نفسها محظوظة بأنها ترافق شخصاً موهوباً فنياً وإنسانياً.


تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
TT

تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)

أدّى تسرب مياه الشهر الماضي إلى إتلاف مئات الكتب في قسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر، ما يسلط الضوء على الحالة المتدهورة للمتحف الأكثر زيارة في العالم، بعد أسابيع فقط من عملية سطو جريئة لسرقة مجوهرات كشفت عن ثغرات أمنية.

وذكر موقع «لا تريبين دو لار» المتخصص في الفن التاريخي والتراث الغربي أن نحو 400 من الكتب النادرة لحقت بها أضرار ملقياً باللوم على سوء حالة الأنابيب. وأضاف أن الإدارة سعت منذ فترة طويلة للحصول على تمويل لحماية المجموعة من مثل هذه المخاطر، لكن دون جدوى.

وقال نائب مدير متحف اللوفر، فرانسيس شتاينبوك، لقناة «بي إف إم» التلفزيونية، اليوم (الأحد)، إن تسرب أنابيب المياه يتعلق بإحدى الغرف الثلاث في مكتبة قسم الآثار المصرية.

وأضاف، وفقاً لوكالة «رويترز»: «حددنا ما بين 300 و400 عمل، والحصر مستمر»، وتابع أن الكتب المفقودة هي «تلك التي اطلع عليها علماء المصريات، لكن ليست الكتب القيمة».

وأقرّ بأن المشكلة معروفة منذ سنوات، وقال إن الإصلاحات كان من المزمع إجراؤها في سبتمبر (أيلول) 2026.

وسرق 4 لصوص في وضح النهار مجوهرات بقيمة 102 مليون دولار في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، ما كشف عن ثغرات أمنية واسعة في المتحف.

وأدّت الثغرات الهيكلية في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى إغلاق جزئي لقاعة عرض، تضم مزهريات يونانية ومكاتب.