ريا قطيش... مصممة سورية تعشق {البروكار} وتتنفس الشام من دبي

TT

ريا قطيش... مصممة سورية تعشق {البروكار} وتتنفس الشام من دبي

في مقابلة عبر «زووم» تُخبرني المصممة السورية ريا قطيش أنها في حالة حجر صحي بسبب إصابتها بفيروس «كورونا». عندما أعبّر لها عن أسفي وأقترح تأجيل المقابلة إلى أن تتحسن صحتها، ترد بسرعة بأنها بالعكس تُرحب بأي تفاعل إنساني ولو من بُعد، فهو يُنسيها أنها سجينة في بيتها ويبقى أرحم من صداع الرأس الذي تشعر به بألف مرة. ريا ابنة دمشق تعيش حالياً في دبي. أتت إليها منذ نحو سنة على أساس زيارة قصيرة، إلا إن الظروف حتمت عليها البقاء أطول لتصبح دبي مقر عملها. تقول: «بدأت أتقلم مع التغيير بالتدريج، لا سيما أن دبي مركز مهم للإبداع، إلا إن الشعور بالغربة لم يتبدد تماماً. فالشام تسكن القلب والوجدان، ولا يمر يوم من دون أن أفكر فيها، ولا أبالغ إن قلت أن كل قطعة أصممها هي قطعة تذكرني بها». من يرَ تصاميمها، يتأكد من صدق قولها. فهي عاشقة لكل ما هو شامي؛ بما في ذلك البروكار الذي تشير إلى أنها مدمنة عليه. وتشرح أن علاقتها به تعود إلى الطفولة عندما وقعت عيناها لأول مرة على جاكيت مفصل لوالدتها. كانت تتخلله رسمات ونقشات كثيرة ومثيرة تحكي قصة حروب صلاح الدين الأيوبي. تقول: «بصفتي طفلة، كانت هذه الصور تشد الأنفاس، وما زاد من إثارتها في نفسي عندما بدأت تحكي لي والدتي أحداث الفتوحات من خلال كل رسمة». منذ ذلك الحين ترسخ بداخل ريا أن الموضة ليست ألواناً وقصات مبتكرة فحسب؛ بل هي قصص تُلهب الخيال وتُسجل أحداثاً مهمة... «هذا ما يُعطي الأزياء قوتها وزخمها ويفسر لماذا كانت القطعة تستنزف كثيراً من الجُهد والوقت لكي تكتمل بوصفها لوحة أو تحفة تتوارثها الأجيال»؛ حسب قولها.
الآن تحرص ريا على أن تكون لكل قطعة تصممها قصة سواء من خلال القصات أو الأقمشة، مستعينة بالبروكار الذي يعود تاريخه في سوريا إلى مئات القرون ولا تزال تُحاك حوله القصص والأساطير. للوهلة الأولى يعتقد من يرى تصاميمها البسيطة ذات الخطوط الواضحة و«المينماليست» أنها تستغل هذا القماش لضخ هذه البساطة المتناهية ببعض الفخامة، لكنها تُنكر ذلك قائلة إنها لا تفكر في الأمر من هذه الزاوية على الإطلاق، فهدفها من استعماله هو إبراز جمال رسمات القماش وعُمقه التاريخي أولاً وأخيراً.
هذه العلاقة بالماضي مهمة حسب رأيها؛ لأن «الإنسان من دون تاريخ؛ لا مستقبل له». وتضيف أن عشقها للبروكار هو بمثابة تحية للشام «المكان الذي وُلدت فيه وتشكلت فيه شخصيتي وأهوائي، وأعتقد أنه من واجبي أن أسلط الضوء على هذا الإرث الذي أحمله بين جوانحي كلما سنحت لي الفرصة... فإلى جانب أشياء كثيرة، يذكرني بأني أنتمي إلى بلد يزخر بالثقافة والجمال والفن وليس بالحرب والموت».
بعد تخرجها في معهد «إسمود» للموضة، بدأت ريا العمل في كل المجالات التي ترتبط بالموضة. فبالإضافة إلى أنها مصممة أزياء، تعمل أيضاً خبيرة أزياء ومصممة ملابس أفلام ومسلسلات درامية، ولا ترى أن هناك تناقضاً أو تضارباً في الأمر. فكل مجال يغذي خيالها وتتعلم منه شيئاً جديداً «ليس بالضرورة أن أتعلم منه شيئاً إبداعياً، فقد يكون شيئاً أكتشفه عن نفسي».
كونها تلبس ثلاث قبعات في آن واحد، يساعدها أن تنظر إلى عملية التصميم من زوايا عدة، مشيرة إلى أنها ترى في هذه الثلاثية تكاملاً رغم اختلافها في بعض تفاصيل العمل. فهي بصفتها خبيرة أزياء، تعمل مع الشخص حسبما يناسب أسلوب حياته ومقاسات جسمه؛ «أعمل معه وأستمع إلى طموحاته للتوصل إلى أسلوب يخدمه ويُرضيه في الوقت ذاته. فليس من المعقول أن أفرض عليه أسلوباً يتناقض مع شخصيته؛ لأنه في هذه الحالة سيشعر كما لو أنه يتقمص شخصية غيره، وهو ما سيفقده ثقته بنفسه». الأمر يختلف طبعاً عندما تعمل في مسلسل درامي أو فيلم سينمائي، فالشخصية التي تتعامل معها هنا تتقمص بالفعل شخصية أخرى. تشرح: «هنا عليّ أن أحترم السيناريو وتعليمات المخرج والمؤلف. عليّ أيضاً أن آخذ في الحسبان الشخصية بكل عُمقها وأبعادها، وهي عملية تستنزف كثيراً من الجهد؛ لأن هناك دائماً خوفاً من السقوط في التكرار وعدم إعطاء الشخصية حقها بعدم مساعدة الممثل على إبراز كل جوانبها من خلال الأزياء».
أما متعة ريا قطيش الحقيقية، فتكمن في دورها مصممة موضة؛ «فأنا هنا مستقلة في تفكيري ولا أخضع لأي تعليمات خارجية. يمكنني القول إنني في هذه الحالة المخرج والمنتج والمؤلف؛ بل وحتى المتلقي».
تعود وتلفت نظري، ضاحكة كأنها نسيت تماماً صداع الرأس والحمى التي كانت تشتعل بجسدها في بداية اللقاء، إلى أن العمل في كواليس السينما أو التلفزيون له رهبة وجاذبية في الوقت ذاته. أسألها بفضول إن كانت نفسها قد سولت لها يوماً أن تنتقل إلى أمام الكاميرا بحكم عملها مع نجوم كبار، ترد بخجل أنها جربت الأمر مرة يتيمة بطلب من صديقة ولن تُعيد الكرة مهما كان؛ «لقد كانت تجربة فاشلة، وكوني خجولة بطبعي لم يساعدني بقدر ما أكد لي أن قوتي تكمن وراء الكاميرا وليس أمامها».
ثم تستطرد قائلة إنها عموماً تقسو على نفسها بأحكامها بسبب مثاليتها ورغبتها في الكمال. هذا الطموح نحو الكمال كاد يُكبلها ويعوق مسيرتها مصممةً في بدايتها. فقد كانت تعيد تصميم القطعة نفسها مراراً وتكراراً، وفي كل مرة تريد أن تضيف شيئاً أو تغير شيئاً. مع الوقت أدركت أن البحث عن الكمال يُكبلها. لكي تتحرر من قيوده؛ لاذت بالشام في أول تشكيلة لها. رسمت على قماشها المفضل، البروكار، مناظر من دمشق... «عُدت بذاكرتي إلى جمال بيوتها وعطر ياسمينها وتفاصيل شوارعها وحاراتها وبيوتها القديمة، وكلما توضحت لي هذه المشاهد كنت أسارع برسمها على الورق حتى وإن لم تكن مثالية مائة في المائة». بعد أن انتهت من تصميمها، اكتشفت أنها قد لا ترقى إلى الكمال الذي تنشده، لكنها «جاءت تعبر عني؛ لأنها كانت صادقة ونابعة من القلب». تُؤكد ريا قطيش أن الشام كانت ولا تزال «القوت والزاد والحياة» بالنسبة لها، وهي ملاذها كلما ضاقت بها السُبل، لأن «الأماكن مثل الناس أو أكثر؛ تترك أثرها البالغ على النفس مدى الحياة». تذكرني وهي تتكلم عن هذه العلاقة الحميمة التي تربطها بالشام بسكارلت أوهارا بطلة رواية «ذهب مع الريح» وهي تتحدث عن مزرعة «تارا» التي كانت تستمد من ترابها قوتها ووجودها معاً، وكانت مستعدة لأن تحارب العالم من أجلها.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».