الكاظمي يحسم الجدل حول خوض الانتخابات

نفى تعرضه لضغوط من الصدر... واتهم جهات بأنها تحاول «شيطنته»

TT

الكاظمي يحسم الجدل حول خوض الانتخابات

نفى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي دخل العام الثاني من ولايته التي تمدد إلى ستة شهور أخرى، أن يكون قد تعرض إلى ضغوط من قبل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر. وفيما يتوقف التجديد للكاظمي لولاية ثانية من أربع سنوات على نتائج الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في العاشر من الشهر العاشر المقبل، فإنه أكد خلال حوار تلفزيوني مع عدد من القنوات الفضائية العراقية أنه لن يخوض تلك الانتخابات.
يأتي حديث الكاظمي الذي تناول ملفات عدة في وقت أكملت فيه حكومته التي شكلها في السابع من مايو (أيار) 2020 عامها الأول، وسط تحديات وأزمات حادة وتستعد لإجراء انتخابات مبكرة يبدو الصراع فيها على أشده رغم أن أعداد المرشحين لها التي تربو على 3000 مرشح هو أقل من نصف عدد المرشحين لانتخابات 2018 الذين بلغت أعدادهم أكثر من 7000 مرشح. ويعزو المراقبون السياسيون العزوف عن الترشح للانتخابات إلى القانون الجديد للانتخابات الذي يعتمد الدوائر المتعددة والفائز بأعلى الأصوات الذي لا يسمح بتعدد المرشحين للتنافس ضمن دائرة واحدة مثلما كان معمولاً به سابقاً. وبينما قل عدد المتنافسين وكذلك عدد الأحزاب، فإن التوقعات تشير إلى أن الانتخابات المقبلة سوف تشهد مشاركة جماهيرية واسعة رغم دعوات المقاطعة التي أعلنتها القوى السياسية الجديدة التي تسمى «قوى تشرين» بعد اغتيال الناشط المدني إيهاب الوزني في كربلاء مؤخراً.
وفي هذ السياق، حسم الكاظمي الجدل بشأن ما قيل عن خوضه الانتخابات المقبلة عبر واجهات حزبية تنتمي إلى الحراك المدني الذي تبلور بعد تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019 إلى أحزاب وقوى جديدة تروم المشاركة بهدف تغيير الخريطة السياسية. لكن الكاظمي أعلن خلال الحوار أنه لن يخوض الانتخابات، وأنه اتخذ قراره بهذا الشأن منذ اليوم الأول لتشكيله الحكومة، نافياً ما تردد عن أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر هو من ضغط عليه بعدم خوض السباق الانتخابي، مبيناً أنه «لم يكن هناك قرار بدخول الانتخابات أو المشاركة بحزب». وأضاف أن «مشروعي السياسي هو النجاح بتأسيس انتخابات نزيهة وعادلة»، و«البعض حاولوا شيطنة رئيس الوزراء بعد أن فشلوا في الحصول على المطالب التي تقدموا بها، ولكني حافظت على وعدي بأن أكون محايداً». كما نفى الاتهامات الموجهة إليه بشأن سيطرة التيار الصدري قائلاً إن «الاتهامات بشأن سيطرة التيار الصدري على الحكومة غير حقيقية»، مضيفاً: «أنا أتيت بوزير الصحة ومحافظ البنك المركزي وليس التيار الصدري»، مشيراً إلى أن «الاتهامات بوجود اتفاق يجمعه بالتيار الصدري مجرد أكاذيب». وأوضح أن «الطلب الوحيد الذي تلقيته من السيد مقتدى الصدر هو أن أهتم بالعراق».
وحول العلاقة مع واشنطن، قال الكاظمي: «إننا نبحث عن علاقات جيدة مع واشنطن». وحول انسحاب الشركة الأميركية التي تعمل على صيانة طائرات «إف 16» العراقية في قاعدة بلد الجوية، قال الكاظمي إن «الأعمال العبثية تسببت بانسحاب بعض الشركات الأميركية التي كانت تتولى تصليح طائرات إف-16 التي يحتاجها العراق في محاربة (داعش)».
وأكد الكاظمي أن «العراق يحاول اليوم إعادة سمعته الدولية»، لافتاً إلى «أننا نرفض جميع أشكال النفوذ السياسي لأي طرف كان... لن نقبل بأن يكون العراق ساحة لتهديد جيرانه».
وحول ملف السلاح الشائك، حيث تزامن حديث الكاظمي مع أحدث حادثة اغتيال استهدفت الناشط الكربلائي إيهاب الوزني وأربكت المشهد السياسي في البلاد ويمكن أن تضيف عبئاً جديداً إلى ملف الاغتيالات الشائك الذي تعهد الكاظمي بفك رموزه منذ حادث اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي العام الماضي، يقول الكاظمي: «إذا أردنا بناء عراق حقيقي فيجب حصر السلاح بيد الدولة، مؤكداً أن الدولة ستحارب أي سلاح يهدد كيانها من أي جهة كانت». وجدد الكاظمي اتهامه لجهات لم يسمها تحاول «استغلال السلاح الذي حارب (داعش) تحت عناوين متعددة»، كاشفاً أن «هناك عصابات اخترقت أجهزتنا الأمنية لا سيما في وزارة الداخلية». كما كشف عن «اعتقال مجموعات كبيرة حاولت العبث بأمن البلاد بما في ذلك بعض الجناة ممن قتلوا المتظاهرين وغيرهم، فضلاً عن فرقة الموت».
وحول لجنة مكافحة الفساد التي شكلها بعد توليه الحكومة والتي تتولى التحقيق الآن مع عدد كبير من المتهمين بقضايا فساد، بعضهم مسؤولون كبار أو واجهات لقوى وأحزاب سياسية، أكد الكاظمي أنها «لا تستهدف أي جهة سياسية»، موضحاً أن «اللجنة أطاحت برؤوس كبيرة لحيتان الفساد»، مبيناً أن «القضاء أثبت أن جميع الاتهامات لهذه اللجنة أكاذيب»، مشيراً إلى أن «اللجنة ستقدم قريباً تقريرها عما أنجزته خلال الأشهر الماضية».
وحول العلاقة مع إقليم كردستان، قال الكاظمي: «هناك تنسيق أمني غير مسبوق حدث لأول مرة بين بغداد وأربيل من شأنه إنهاء الهجمات الإرهابية في المناطق المتنازع عليها ومناطق الفراغ الأمني». وأبدى الكاظمي ثقته بأن «حكومة الإقليم ستتعاون مع مقترحات بغداد بهذا الاتجاه، لأن أمن الإقليم هو أمن العراق وهو مسؤولية جماعية».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.