شاشة الناقد

الأم وابنها في «أنا يوسف يا أمي»
الأم وابنها في «أنا يوسف يا أمي»
TT

شاشة الناقد

الأم وابنها في «أنا يوسف يا أمي»
الأم وابنها في «أنا يوسف يا أمي»

أنا يوسف يا أمي
***
> إخراج: محمد رضا فرطوسي
> العراق، الكويت، إيران | دراما اجتماعية (2021)
يحيلنا المخرج فرطوسي إلى حكاية مبنية على أحداث حقيقية لرجل اسمه يوسف ظل مختبئاً تحت سطح البيت الذي تسكن فيه والدته لـ21 سنة بعدما كان هرب من الخدمة العسكرية خلال الحرب العراقية - الإيرانية. نتيجة هروبه أن تم قطع أذنيه لكن لا تفسير لمتى وكيف هرب مرّة ثانية ليلجأ إلى ذلك البيت الكبير حيث تعيش والدته.
لا تفسير لذلك الرجل المنتمي إلى نظام صدّام حسين الذي يدخل ويخرج من البيت خائفاً من انكشاف أمره وقد أخذت القوات الأميركية تمشط أحياء بغداد خلال حرب 2003. هو ضابط سابق في جيش صدام حسين كان استولى على هذا البيت وفي كل مرة يدخله يصيح في أم يوسف مؤنباً إياها لإقفال الباب الخارجي. يهرع في المرة الأولى لحرق أوراق تدينه وفي المرة الثالثة هرباً من مطارديه.
في المحور يوسف وأمه (عباس غزال وزهرة الربيعي). كلما خرج من مخبئه عكس تعاملاً رقيقاً مع ذكريات من الحياة السابقة التي كانت بمتناوله. يعبث بالذكريات عبر الصور وتعبث الذكريات به. الأم هي الوحيدة التي تعرف وجوده. فالاعتقاد السائد هو أنه ما زال هارباً وربما ميّتاً.
في المرّة الأخيرة التي يخرج فيها يوسف من جحره يخرج غاضباً مكرراً أنه عاش كالجرذ لكل تلك السنوات ولم يعد يحتمل. يغادر المنزل ويركض في ليل مدينة ملتهبة لاهثاً، لكن إلى أين؟ هناك ثغرات في العمل. العلاقة بين بعض الشخصيات كان يمكن لها أن تتضح أفضل. بعض الحوار دوما ضعيف. التمثيل من الجميع له مرجعية مسرحية في الأساس لكن الجيد هنا هو أن المخرج يوظّفه بصرياً لخلق معالجة فنية للموضوع الماثل معتمداً على خطي سرد: الحكاية من ناحية والشخصيات ومواقفها من ناحية ثانية. يلجأ المخرج إلى مشاهد مسجلة لدخول القوات الأميركية بغداد وهدم تمثال صدام حسين إيذاناً ببداية مرحلة جديدة. يصيب نجاحاً في تلخيص كل من مأساة الفرد على خلفية ما حدث للعراق من دون رمي سهام سياسية مباشرة في أي اتجاه.

زندر |Zinder
***
> إخراج: عائشة مكّي
> النيجر | تسجيلي (2021)

هذا واحد من الأفلام غير الروائية التي شوهدت مؤخراً في مهرجان «فيزيون دو ريل» السويسري المتخصص بالسينما التسجيلية. ربما نستعير عنوان فيلم مارتن سكورسيزي MeanStreets لوصف ما يحدث في بلدة زيندر، النيجر: عصابات وعصابات مضادة، تهريب، تحشيش، حملات للبوليس، فساد اجتماعي وفقر شديد دائماً ما وقف وراء تفشي الجريمة في المجتمعات.
هناك مجموعة من الرجال الذين عيّنوا أنفسهم حراساً مدنيين للفصل بين عصابات الأولاد والأحداث المتناحرة. يبدأ الفيلم باثنين من هذه المجموعة فوق دراجة نارية عليها علم نازي. بعد قليل يخبرنا أحد أعضاء هذه المجموعة أن معسكر التمارين البدنية (الذي لا يعدو أكثر من فناء لمنزل) اسمه هتلر (تيمناً بأميركي لا نراه). يلتقي الجميع في تلك الباحة ممارسين حمل الأثقال. أحدهم يرفع الدراجة النارية وفوقها رجلان نحو متر عن الأرض. آخر لا يستطيع رفع الدراجة وحدها لأكثر من 30 سم.
إذ تقوم المخرجة الجديدة عائشة مكّي بالانتقال بين هذه المجموعة وحياة وأعمال أفرادها، تكشف عن بيئة تتوارث العنف والجريمة من دون مستقبل في المنظور. هناك عضو عصابة سابق أفلت صوب حياة أفضل يعمل الآن على مركبة توك توك شارحاً بعض ما لا تستطيع الكاميرا تصويره من حكايات. لكن الحال بأسره يبقى بائساً والمخرجة تلتقطه كما هو مع نجاح في عملية رصد الواقع ولو من دون نتائج فنية تتعدى حسن التنفيذ.

DemonSlayer‪:
TheMovie
***
> إخراج: ‪هاريو سوتوزاكي
> اليابان | أنيميشن (2020)

مقارنة هذا الفيلم الياباني، الذي تربّع لأسبوعين على قمّة العروض الأميركية، ببعض أعمال السينما اليابانية في مضمار هذا الفن ليس فعلاً صائباً. أفلام سابقة مثل Spirited Away (أو «حماسة»، 2001) و«قلعة هاول المتحركة» (2004) أعلى قيمة بمسافات ضوئية إذا شئنا تحكيم العناصر الفنية والدرامية معاً. هذا يشمل الحكايات ومضامينها ومفارقاتها الفانتازية كما رسمها وتنفيذها وتحريكها النشط والمتيّم بحب فن الرسوم وخيالاته.
«ديمون سلاير: الفيلم» يقطن مكانة بعيدة عن هذا المنوال. إنه تنفيذ لأسلوب عمل آلي (غرافيكس) يتحرك بحسابات الإثارة المباشرة وتسوده الموسيقى التي عادة ما تتحوّل إلى عمل قائم بذاته يبدو كما لو تم تحويله إلى مادة لزجة ثم صبّها فوق الفيلم من دون استثناءات.
الإعجاب بالفيلم، وهذا ممكن لدى الصغار والكبار على حد سواء بسبب سرده الهادر طوال الوقت واستناده إلى حكاية من الفروسية والبطولة، سيقود للتغاضي عن ثغراته الناتجة عن طبيعة تنفيذه. لكن هذا الإعجاب قد يتم حتى وإن لم يلم المشاهد بتاريخ البضاعة التي يعاينها. في الأصل، «ديمون سلاير» هو مسلسل تلفزيوني من نتاج 2016 نال شعبية كبيرة بين هواة النوع وأنجز نحو 2 مليار و600 مليون دولار في موسمي عروضه الأولى. انتقاله إلى الشاشة الكبيرة كان مسألة وقت وما إن فعل حتى تبوأ، في اليابان، المرتبة الأولى كأنجح فيلم في التاريخ علماً بأن صالات السينما اليابانية ما زالت تعمل ضمن محاذير «كورونا».
إنه عن سعي صبي اسمه كامادو ينطلق لاستعادة شقيقته المخطوفة من براثن شيطان مارد وقهر ذلك الشيطان إذا استطاع. دون تحقيق ذلك الكثير من العقبات. في الأساس، حسنة الفيلم هي أنه يشبه صندوقاً من المفاجآت في يد ساحر كلما تقدّم بضع خطوات رمى ما فيه أمام المتابعين.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.