القوات العراقية تفك الحصار عن المجمع السكني في البغدادي.. وتستعد لمعركة تكريت

أحد شيوخ حديثة لـ«الشرق الأوسط»: مدينتنا تواجه موتًا بطيئًا

القوات العراقية تفك الحصار عن المجمع السكني في البغدادي.. وتستعد لمعركة تكريت
TT

القوات العراقية تفك الحصار عن المجمع السكني في البغدادي.. وتستعد لمعركة تكريت

القوات العراقية تفك الحصار عن المجمع السكني في البغدادي.. وتستعد لمعركة تكريت

أكد قائد عسكري عراقي بارز مشارك في التحضيرات الخاصة بالهجوم المحتمل على تكريت أن تنظيم داعش حاول منذ البداية مشاغلة القوات العراقية التي تستعد لمعركة حاسمة في تكريت من خلال محاصرة ناحية البغدادي، لا سيما المجمع السكني الواقع بين منفذي الناحية والذي يبعد عن مركزها نحو كيلومترين، وبالتالي فإن جلب قوات كبيرة إنما يؤخر من وجهة نظره معركة الحسم في تكريت.
وقال القائد العسكري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته، إن «استراتيجية تنظيم داعش باتت مكشوفة أمامنا، ولم تعد لديه مجالات كثيرة للمناورة مثلما كان عليه الأمر في السابق، والسبب في ذلك أنه بدأ يخسر حواضنه في العديد من المحافظات وفي المقدمة منها محافظة صلاح الدين، حيث لم تعد لديه حواضن يمكن أن يستثمرها لصالحه، بينما الأمر مختلف حتى الآن في محافظة الأنبار بسبب اتساع الرقعة الجغرافية للمحافظة، مما يجعل مجال المناورة أمامه أكبر من أي منطقة أخرى».
وأضاف القائد العسكري أن «محاولات تنظيم داعش استغلال الأوضاع الإنسانية في مناطق البغدادي وحتى قضاء حديثة القريب إنما تهدف إلى إطالة أمد مواصلته للهجمات هنا وهناك، محاولا قدر الإمكان إبعاد المعارك الرئيسية معه وفي المقدمة منها معركتا تكريت والموصل»، مشيرا إلى أن «معركة تكريت تنتظر ساعة الصفر فقط، وهي المعركة التي ستمهد لتحرير الموصل وبالتالي تتم استعادة أكثر من نصف الأراضي العراقية التي يحتلها التنظيم الآن بحيث تكون الوجهة التالية هي تحرير الأنبار التي ما زالت تحتاج إلى وقت».
وكانت القوات العراقية، وبإسناد من طيران التحالف الدولي بالإضافة إلى مقاتلي العشائر، تمكنت أمس من فك الحصار عن المجمع السكني في البغدادي، وفرضت حظرا شاملا للتجوال في الناحية. وفي وقت سابق، أعلن قائد شرطة الأنبار اللواء الركن كاظم الفهداوي عن وصول تعزيزات عسكرية إلى منطقة عين الأسد لتحرير ناحية البغدادي. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قطعات عسكرية كبيرة من الجيش العراقي والشرطة وقوات المهمات الخاصة تساندها قوات من أبناء العشائر العراقية تستعد الآن في قاعدة عين الأسد القريبة جدا من المجمع السكني المحاصر في ناحية البغدادي لشن هجوم موسع والبدء بعملية عسكرية لفك الحصار عن الحي».
من جهته، أكد أبو أكرم النمراوي، أحد شيوخ عشيرة البونمر في هيت، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الذي حصل وإن كان جيدا لجهة فك الحصار عن المجمع السكني واحتمال تحرير ناحية البغدادي بالكامل، فإنه المستغرب أن يتم تأخير العملية إلى هذا الوقت بعد أن أقدم تنظيم داعش على إعدام وحرق العشرات إن لم نقل المئات من أبناء الناحية وقبلها أبناء هيت لا سيما عشيرة البونمر». وأضاف أن «الحكومة العراقية وكذلك قوات التحالف الدولي تركت أبناء هذه المناطق من عشائر البونمر والعبيد والجغايفة لقمة سائغة لتنظيم داعش، بينما يجري تحصين قاعدة عين الأسد القريبة من الناحية لأن فيها خبراء أميركيين».
وسبقت عملية فك الحصار عن المجمع السكني في البغدادي نداءات استغاثة من آلاف المدنيين المحاصرين في المجمع. وقال الشيخ مال الله برزان العبيدي، رئيس المجلس البلدي في البغدادي، لـ«الشرق الأوسط»: «المجزرة أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وإذا لم تستمع الحكومة لنداء الاستغاثة الأخير الذي نوجهه لها فسيقوم مسلحو تنظيم داعش بحملات إبادة جماعية، كون أهالي البغدادي الوحيدين الذين تصدوا لهم طيلة عام مضى، وكبدناهم خسائر تلو الخسائر، ولم يتمكنوا من السيطرة على ناحيتنا طيلة هذه الفترة الطويلة بينما سقطت بأيديهم مدن كبيرة». وأضاف العبيدي «تنظيم داعش يكن لنا الحقد الدفين، ويتوعدنا دوما عبر مكبرات الصوت بالإبادة الجماعية، وها هو الآن يحتجز ويختطف أبناءنا وأهلنا، وارتكب في حق بعضهم جرائم إبادة. أوجه ندائي الأخير للحكومة وأخص بالذكر رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، فهو المسؤول الأول عن أمن الناس وحياتهم».
على صعيد متصل، قال الشيخ عبد الله الحديثي، أحد شيوخ حديثة القريبة من البغدادي، إن المدينة «تموت الآن ببطء، وهي تعيش مأساة إنسانية حقيقية بسبب أن كل الطرق التي تؤدي إليها باتت بيد الدواعش ولا أحد يلتفت إلينا سواء من المسؤولين أو المنظمات الدولية». وأضاف الحديثي أن «هناك ثلاثة منافذ للوصول إلى حديثة، أولها من قضاء بيجي المسيطر عليه من قبل (داعش)، وهناك منفذ من راوة وعانة ومقطوع هو الآخر بسبب كون المنطقة بيد التنظيم، وآخر منفذ كان من ناحية البغدادي ولا يزال تحت سيطرة المسلحين»، مشيرا إلى أن «الأوضاع الإنسانية وصلت إلى حد لا يطاق».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم