من بين المرات النادرة والاستثنائية يتخلى المصريون اليوم الاثنين عن عادة لطالما ارتبطت بهم وبأجدادهم منذ آلاف السنين، وهي الاحتفال بعيد «شم النسيم» بشكل كامل أو حتى بشكل جزئي، فبينما تم إغلاق الحدائق والمتنزهات والشواطئ العام الماضي، وخلت الشوارع من المواطنين الذين اكتفوا بتناول الأسماك المملحة في ذلك اليوم في بيوتهم، فإن معظمهم لن يتمكن العام الحالي من ممارسة أي من الطقسين (التنزه أو تناول الفسيخ والرنجة والبصل والخس، والبيض الملون) بسبب صيام شهر رمضان، وارتفاع درجات الحرارة في أنحاء البلاد كافة، إذ يفضل الكثيرون عدم تناول الأسماك المملحة في وجبة الإفطار لما تتطلبه من ضرورة شرب كميات كبيرة من المياه، لذلك قررت العديد من الأسر تأجيل تناول الفسيخ والرنجة لما بعد عيد الفطر المبارك، والذي يشهد عادة إقبالاً على تناول تلك الأنواع سنوياً.
ومنحت الحكومة المصرية 5 أيام إجازة متصلة لموظفي القطاعين العام والخاص، من بينها إجازة رسمية لعيد «شم النسيم»، للحد من تصاعد إصابات «كورونا» في البلاد. وقررت وزارة التنمية المحلية توجيه كافة المحافظات بغلق جميع الحدائق العامة والمتنزهات، ومنع إقامة أي تجمعات أو احتفالات أو فعاليات جماهيرية خلال شم النسيم، والتعامل بكل حسم مع المخالفين من أصحاب الكافيهات والمقاهي والمولات التجارية المخالفة.
وأعلنت وزارة الصحة والسكان، أمس الأحد في بيان صحافي، عن ضبط وإعدام 6 أطنان و322 كيلو من الأغذية المتنوعة والأسماك المدخنة والمملحة و509 لترات من العصائر غير صالحة للاستهلاك الآدمي، خلال حملات مكبرة شنتها الإدارة العامة لمراقبة الأغذية بجميع محافظات الجمهورية على الأسواق والمحال التجارية، ضمن استعدادات الوزارة لأعياد الربيع وشم النسيم.
وحذرت الوزارة من «تناول الأسماك المملحة والمدخنة، لاحتوائها نسبة عالية من الأملاح قد تصل إلى 17 في المائة من وزن هذه الأسماك، والتي قد تسبب أضراراً شديدة، خصوصاً للذين يعانون من الأمراض المزمنة وأمراض الكلى، والحوامل، والأطفال».
ويشدد أطباء مصريون على ضرورة عدم تناول «الفسيخ» في وجبة الإفطار، لقدرته على التسبب بالتسمم الغذائي، وشلل في عضلات الجسم، حيث تبدأ أعراض التسمم الغذائي بعد عدة ساعات تصل إلى 36 ساعة من تناول الفسيخ الفاسد، ويبدأ الشلل في عضلات الرأس والعنق ثم يهبط إلى عضلات الجسم تدريجياً.
ويعوّل أصحاب محال الأسماك المملحة في مصر على المواطنين الأقباط لتعويض جزء من خسائرهم بسبب ضعف إقبال المسلمين على شراء الرنجة والفسيخ خلال شهر رمضان، بحسب شادي السيد، بائع بمحل أسماك مملحة بالجيزة (غرب القاهرة)، والذي يضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «عدداً كبيراً من المواطنين أقبلوا على شراء الأسماك المملحة قبيل شهر رمضان لتفادي تناوله خلال الصيام»، مشيراً إلى «أنه يتوقع زيادة الإقبال على ذلك النوع من الأسماك عقب انتهاء شهر رمضان».
وتبدأ أسعار الرنجة في الأسواق هذا العام بين 35 وحتى 70 جنيهاً للكيلو الواحد، فيما يتراوح سعر الفسيخ بين 130 إلى 200 جنيه مصري، بحسب السيد.
وقدرت شعبة السلع الغذائية بالغرفة التجارية قيمة استهلاك المصريين من الرنجة والفسيخ لعام 2019. بنحو 9 مليارات جنيه تقريباً (الدولار الأميركي يعادل 15.7 جنيه مصري).
ويرجع أصل تسمية «شم النسيم»، بهذا الاسم إلى كلمة «شمو» في اللغة الهيروغليفية القديمة، والتي ارتبطت عند المصريين القدماء بتاريخ الأرض، وبمرور الوقت تحورت كلمة «شمو» إلى كلمة «شم»، ثم «شم النسيم» لارتباط فصل الربيع باعتدال الجو وتفتح الزهور وفق الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية.
ويضيف عبد البصير لـ«الشرق الأوسط»: «ربما كان الاحتفال بعيد شم النسيم قد بدأ في عصر الدولة القديمة، باعتباره رمزاً لبعث الحياة وإعادة الخلق، حيث نظروا إلى هذا اليوم باعتباره أول الزمان، أو بدء خلق العالم كما كانوا يعتقدون، وصادف ذلك الاحتفال من خلال الملاحظة المستمرة اعتدال الجو، وطيب النسيم، فقاموا بالخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة».
«شم النسيم» من دون احتفالات أو أسماك مملحة في مصر
«شم النسيم» من دون احتفالات أو أسماك مملحة في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة