اللبنانيون يبحثون عن حلول لمواجهة ارتفاع سعر صفيحة البنزين

TT

اللبنانيون يبحثون عن حلول لمواجهة ارتفاع سعر صفيحة البنزين

بعد أن وصل معظم اللبنانيين لقناعة بأن الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يرزحون تحتها طويلة، وأنها تستفحل مع مرور الأيام، باتوا يبحثون عن حلول تخفف من وطأتها وتحد من مصاريفهم التي بلغت مستويات قياسية مع الارتفاع الجنوني المتواصل في أسعار كل السلع دون استثناء.
ولا يزال مصرف لبنان يدعم السلع الأساسية من خلال تأمين الدولارات للتجار لشرائها وفق سعر الصرف الرسمي، أي 1520 ليرة لبنانية للدولار الواحد، مع أن سعر الصرف في السوق تجاوز الـ12 ألف ليرة. لكن إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في وقت سابق، أن الدعم لا يمكن أن يستمر أبعد من شهر يونيو (حزيران) المقبل بسبب نفاد احتياطي العملات الصعبة، جعل قسماً كبيراً من اللبنانيين يستعدون للمرحلة المقبلة، بخاصة في ظل التحذيرات من بلوغ سعر صفيحة البنزين أسعاراً خيالية مقارنة بما هي عليه اليوم، وحديث خبراء اقتصاديين عن أن سعرها سيرتفع بنسبة 382 في المائة في حال رفع الدعم كلياً.
ويخطط شربل حداد (39 عاماً) وعدد من أصدقائه لشراء دراجات نارية يستخدمونها بديلاً عن السيارات للتوجه لأعمالهم، «فقد بات من الصعب اليوم تأمين سعر صفيحة البنزين بسعرها الحالي نتيجة الغلاء المستشري بأسعار كل السلع والخدمات، فكيف إذا ارتفع سعر الصفيحة عشرات الأضعاف عما هو عليه اليوم، عندها لن يكفي الراتب الذي نتقاضاه لتسديد سعر البنزين حصراً». ويشير حداد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن عدداً من زملائه، خصوصاً الذين يسكنون بالقرب من مكان عملهم في منطقة النقاش (شرق بيروت) باتوا يتوجهون إلى العمل إما سيراً على الاقدام، أو على متن دراجات هوائية، «أما نحن الذين نسكن في أماكن بعيدة، فنخطط لشراء دراجات نارية، كما يخطط من يعيشون في مناطق متلاصقة بالتوجه إلى العمل في سيارة واحدة، بحيث يتم تقسيم الدور فيما بينهم». ويلفت حداد إلى أن المشكلة الأساسية التي تواجهه هي عدم حماسة عائلته لفكرة توجهه إلى العمل على متن دراجة نارية ما يعرض حياته للخطر، باعتبار أن الطرقات اللبنانية غير مجهزة لسائقي الدراجات النارية والهوائية.
ولعل ما يفاقم أزمة شربل حداد وزملائه، كما معظم اللبنانيين، غياب وسائل النقل العام التي يستخدمها عادة المواطنون في العدد الأكبر من الدول للتوجه إلى أعمالهم. وتقتصر وسائل النقل الحكومية حالياً على 37 باصاً لتسعة خطوط في بيروت لخدمة مليوني نسمة، ولا يستخدم إلا 2 في المائة من الركاب النقل المشترك.
ويجمع عدد كبير من خبراء المال والاقتصاد على أن رفع الدعم بات قريباً. ويقول الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، إن مصرف لبنان لم يعد لديه القدرة على تقديم الدولارات لأكثر من شهر مايو (أيار)، «وبالتالي رفع الدعم أصبح شبه أكيد مع استمرار التهريب بشكل غير مسبوق وارتفاع قيمة الليرة السورية مُقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء، سيزيد التهريب مع ارتفاع القدرة الشرائية للمواطن السوري».
ويفضل عجاقة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عدم استخدام كلمة «دعم»، «لأن ما يحصل ليس بدعم، بل إن مصرف لبنان يقوم بتأمين الدولارات على سعر الصرف الرسمي (بحدود الـ1520 ليرة للدولار)، ونسبة ما يُقدمه المصرف من دولارات على سعر الصرف الرسمي هو 90 في المائة من ثمن صفيحة البنزين عند الشراء، في حين أن 10 في المائة يتم شراؤها من قبل التجار على سعر صرف السوق، وهذا يعني أن رفع الدعم، أي توقف مصرف لبنان عن تأمين الدولارات على السعر الرسمي، سيزيد على سعر الصفيحة 144 ألف ليرة. بمعنى آخر سيبلغ سعر صفيحة البنزين بعد رفع الدعم 183 ألف ليرة».
ويعتبر عجاقة أن مُشكلة المحروقات أنها تدخل في تصنيع ونقل وتعليب أكثر من 95 في المائة من السلع والبضائع والخدمات التي يستهلكها المواطن، لافتاً إلى أن «ارتفاع سعر البنزين سيؤدي إلى تضخم ضمني، ما سيؤدي بدوره إلى ضرب القدرة الشرائية للمواطن بشكل كارثي وسيؤدي إلى اضطرابات اجتماعية».
من جهته، ينقل ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا عن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الذي التقاه مؤخراً تأكيده أنه «لن يكون هناك رفع دعم أو حتى ترشيد له من دون إصدار بطاقات تمويلية لقسم كبير من اللبنانيين، فحتى ولو أراد مصرف لبنان رفع الدعم فالقرار بنهاية المطاف يعود للحكومة». ويشير أبو شقرا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «المواطن غير قادر أن يدفع سعر صفيحة البنزين ٤٠ ألف ليرة في وقت يبلغ حجم دعم الدولة 90 في المائة، فكيف سيستطيع أن يسدد ثمنها في حال رفع الدعم؟»، موضحاً أنه في المرحلة الراهنة لا يمكن الحديث عن أزمة محروقات بالمطلق، «فما نشهده عملية تقنين، أي أن البضاعة متوفرة لتأمين حاجة السوق وليس للتخزين».



تصعيد صومالي جديد ضد إثيوبيا يُعمق التوتر في «القرن الأفريقي»

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (أرشيفية- الرئاسة الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (أرشيفية- الرئاسة الصومالية)
TT

تصعيد صومالي جديد ضد إثيوبيا يُعمق التوتر في «القرن الأفريقي»

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (أرشيفية- الرئاسة الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (أرشيفية- الرئاسة الصومالية)

في تصعيد جديد للخلاف بين مقديشو وأديس أبابا، قررت الحكومة الصومالية «طرد» دبلوماسي بالسفارة الإثيوبية لدى الصومال، بداعي «القيام بأنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي»، في خطوة رأى مراقبون أنها «تعمِّق التوتر في منطقة القرن الأفريقي».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

ومساء الثلاثاء، طلبت الخارجية الصومالية من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، علي محمد آدم، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961»، وفق إفادة للخارجية الصومالية.

وأكدت وزارة الخارجية الصومالية «التزام الصومال حماية سيادته، والحفاظ على البروتوكولات الدبلوماسية الدولية، والقانون الدولي».

خلافات أعمق

ورجَّح أستاذ العلاقات الدولية في المعهد العالي للدراسات الأمنية بالصومال، حسن شيخ علي، ارتكاب الدبلوماسي الإثيوبي «أعمالاً عدائية تمس السيادة الصومالية»، وقال إن «المستشار بالسفارة الإثيوبية هو في الأساس ضابط بالجيش الإثيوبي»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الإجراءات الصومالية تستهدف حماية سيادته الوطنية».

وفي اعتقاد شيخ علي، فإن التوتر في العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، أعمق من مسألة طرد دبلوماسي تابع لأديس أبابا، ويقول إن «الخلاف بين البلدين أكبر من هذا الإجراء، ذلك أنه يرتبط باستهداف إثيوبيا كيان الدولة الصومالية وسيادتها، ويدعم انقسام جزء من أراضيها».

وسبق أن قال وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، إن إثيوبيا «لا تسعى للحصول على موانئ بحرية فقط، عبر (إقليم أرض الصومال)، وإنما تريد السيطرة على الأراضي الصومالية وضمها إلى سيادتها»، وطالب في تصريحات صحفية في مارس (آذار) الماضي، بـ«ضرورة مغادرة القوات الإثيوبية المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية، الأراضي الصومالية، بنهاية تفويضها هذا العام»، وقال إن «بقاءها سيكون احتلالاً عسكرياً سنتعامل معه بكل الإمكانات المتاحة».

طابع تصعيدي

ويعد طرد الصومال دبلوماسياً إثيوبياً «تطوراً طبيعياً للتصعيد المستمر بين مسؤولي البلدين في الفترة الأخيرة» وفق تقييم الخبير المصري في الشؤون الأفريقية رامي زهدي، الذي أشار إلى أن «تصاعد لهجة الانتقادات وتبادل الاتهامات، يهدد قنوات الاتصال بين البلدين»، وقد ينتج عنه «تجاوز من أحد مسؤولي البعثات الدبلوماسية، وصولاً إلى خيار قطع العلاقات الدبلوماسية».

ويعتقد زهدي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن التحركات الصومالية الأخيرة التي تحمل طابعاً تصعيدياً، «قد تكون وسيلة لحل خلافاتها مع أديس أبابا»، مشيراً إلى أن «حشد مقديشو تحالفات إقليمية باتفاقيات تعاون أمني وعسكري مع دول مثل مصر وتركيا، وتعزيز تعاونها مع دول الجوار المباشر، مثل أوغندا وكينيا وجيبوتي، يبعثان برسائل مباشرة لإثيوبيا أنها لن تكون صامتة أمام أي عدائيات على أراضيها».

ورأى الخبير أن تعزيز الصومال تحالفاته الإقليمية «تأكيد على رفض مقديشو أيَّ حل يخالف القانون الدولي، وينتقص من سيادة الصومال»، إلى جانب «توفير الغطاء السياسي لأي إجراء ستتخذه الحكومة الصومالية، سواء عسكرياً أو سياسياً، خصوصاً مع عدم وجود أي إشارات إلى تراجع أديس أبابا عن اتفاقها مع أرض الصومال».