باريس... إجراءات «تأديبية» على معرقلي مبادرتها

TT

باريس... إجراءات «تأديبية» على معرقلي مبادرتها

أمِلت مصادر سياسية أن يدفع إعلان وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان بأن بلاده باشرت اتخاذ إجراءات لمنع دخول شخصيات لبنانية ضالعة في عرقلة تشكيل الحكومة أو في الفساد، إلى الأراضي الفرنسية باتجاه إعادة تحريك الجهود الرامية إلى إخراج تشكيلها من الجمود وفتح ثغرة في الحائط المسدود الذي يعيق ولادتها، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن لودريان توخى من خلال إعلانه تمرير رسالة للأطراف المحلية بأن المبادرة الفرنسية هي وحدها الباقية على طاولة مشاورات التأليف، وبالتالي يُفترض بالذين يروّجون لأنها أصبحت من الماضي أن يبادروا إلى مراجعة مواقفهم لأن البديل عن المبادرة جر لبنان إلى السقوط.
ولفتت المصادر السياسية إلى أن لودريان اضطر إلى استخدام العصا الغليظة بمنع دخول المعرقلين إلى فرنسا لاعتقاده أن المرونة التي أبدتها باريس في السابق في تعاطيها مع الأطراف المعنية بتأليف الحكومة لم تجدِ نفعاً في إقناعهم بضرورة السير في التسوية التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خصوصاً أن معظم الذين وافقوا عليها انقلبوا على التزاماتهم وراحوا يراهنون على عامل الوقت ريثما تتيح لهم التطورات الخارجية تحسين شروطهم في هذه التسوية.
وأكدت أن الأطراف المعنية بتأليف الحكومة أُصيبت بذهول فور تلقّيها نبأ إصرار باريس على اتخاذ إجراءات فورية ضد معرقلي تشكيل الحكومة، وقالت إنها لم تتمكن من الحصول على لائحة بأسماء المشمولين بالإجراءات، وكأن لودريان أبقى على الأسماء قيد الكتمان لأن الغموض سيلاحق كل من يتسبب بإعاقة تشكيل الحكومة.
ورأت أن لجوء باريس إلى التهديد بهذه الإجراءات يجب أن يؤخذ من المعنيين بتشكيل الحكومة بعين الاعتبار لأنها بادرت إلى وضع تهديدها لهم موضع التنفيذ، وهذا ما شكّل مفاجأة للذين كانوا يتعاطون معها على أنها لن تُترجَم إلى خطوات عملية، وقالت إن لدى باريس لائحة بأسماء المعرقلين لكنها لن تُفرج عنها، ربما لأنها أرادت أن تعطي فرصة للمشمولين بها لعلهم يبادرون إلى إسقاط شروطهم التي تعيق تشكيل الحكومة والانخراط في التسوية لإنقاذ لبنان ووقف انهياره.
وسألت المصادر نفسها إذا كانت باريس قد قررت عن سابق تصوّر وتصميم تأخير الإعلان عن الإجراءات التي أصبحت سارية المفعول لعلها تُطْبق الحصار على الطبقة السياسية لوضعها أمام التسليم بالمبادرة، خصوصاً أن التأخير زاد من إغراق البلد في أزمات لا حلول لها من دون طلب المساعدة من المجتمع الدولي شرط رضوخها لشروطها بدءاً بتحقيق الإصلاحات المطلوبة منها. ورأت أن توقيت الإعلان عن الإجراءات الفرنسية هو رسالة للداخل والخارج في ظل عدم وجود مبادرة بديلة للفرنسية لإنقاذ لبنان، وقالت إن باريس أرادت الالتفاف على زيارة وزير خارجية المجر للبنان الذي يتصرف بمنأى عن الدعم الأوروبي للدور الفرنسي الإنقاذي ويحاول خرق الإجراءات الفرنسية، مع أن بلاده تواجه حالياً تهديداً من الاتحاد الأوروبي بتجميد عضويتها ما لم تتحرك لوضع حد لوزير خارجيتها الذي يتصرف على أنه فاتح على حسابه.
وقالت المصادر إن زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، لموسكو لن تبدّل من واقع الحال السياسي الذي أوقع نفسه فيه، رغم أنه أراد أن يبيعها موقفاً بالتوجُّه شرقاً بذريعة أن لبنان يشكل ركيزة للتواصل بين الشرق والغرب، مع أنه يحاول التفلُّت من الضغوط الفرنسية والأميركية والعربية المفروضة عليه.
وعليه يبقى السؤال: كيف ستتعامل الأطراف السياسية الرئيسة مع الإجراءات الفرنسية؟ وهل يحاول البعض الالتفاف عليها بالامتناع عن التوجُّه إلى باريس لتفادي ضبطه بالجرم المشهود بتحميله مسؤولية إعاقة تشكيل الحكومة أو التحصُّن وراء محور الممانعة، رغم أن هذه الإجراءات لا تعفي الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره من مسؤولية التفلُّت من المبادرة الفرنسية؟
وفي هذا السياق علمت «الشرق الأوسط» أن التواصل بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والرئيس المكلف سعد الحريري لم ينقطع بخلاف غياب أي تواصل بين الأخير ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، حيث إن علاقتهما تمر في حالة من الجمود.
كما أن بري -حسب المعلومات- يعاود تواصله مع قيادة «حزب الله» في محاولة لإقناعه بتشغيل محركاته باتجاه عون وباسيل، فيما يتشاور الحريري باستمرار مع البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي لم يبدّل موقفه ولا يزال على ثوابته لتشكيل الحكومة، وهذا ما يفسر الحملات التي تستهدفه من مجموعات محسوبة على «التيار الوطني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أن الحريري وإن كان قد أخذ على عاتقه عدم الدخول في سجال مع عون وباسيل، مفضّلاً الاحتكام إلى الرأي العام وإلى مواقف الأطراف التي تحمّلهما مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة، فإن ما آلت إليه الاتصالات التي لم تفلح في فتح ثغرة للتأسيس عليها لمعاودة تزخيم مشاورات التأليف، كانت موضع بحث في اجتماعه برؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، إضافة إلى تواصل السنيورة مع الراعي.
لذلك تسأل المصادر إذا كان لبنان يدخل في مرحلة سياسية جديدة مع بدء تنفيذ الإجراءات «التأديبية» الفرنسية، تسمح بتكثيف مشاورات التأليف لتهيئة الظروف لولادة الحكومة التي يبدو حتى الساعة أنها ليست في متناول اليد إلا إذا تقرّر عدم ترحيل تشكيلها إلى ما بعد جلاء الموقف على جبهة المفاوضات الجارية في المنطقة والتقلبات المحيطة بها.



«وثيقة الإيمان في عالَم متغير» تؤكد مركزية الدين في ازدهار الحضارات

رابطة العالم الإسلامي تبنّت مبادرة بإنشاء مرصد دولي لمواجهة شبهات الإلحاد (الشرق الأوسط)
رابطة العالم الإسلامي تبنّت مبادرة بإنشاء مرصد دولي لمواجهة شبهات الإلحاد (الشرق الأوسط)
TT

«وثيقة الإيمان في عالَم متغير» تؤكد مركزية الدين في ازدهار الحضارات

رابطة العالم الإسلامي تبنّت مبادرة بإنشاء مرصد دولي لمواجهة شبهات الإلحاد (الشرق الأوسط)
رابطة العالم الإسلامي تبنّت مبادرة بإنشاء مرصد دولي لمواجهة شبهات الإلحاد (الشرق الأوسط)

أكدت الوثيقة العالمية الصادرة عن أعضاء المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغيّر» مركزية الدين في قيام الحضارات وازدهارها، وأثره في صياغة أفكار المجتمعات وتقويمها، وقدرته على مواجهة المشكلات ومعالجتها، محذرين من أنَّ تهميش دوره في الاهتداء الروحي والإرشاد العقلي يفتح الباب واسعاً أمام مظاهر الفوضى الأخلاقية، والسلوكيات المنحرفة والإباحية المهينة، ويضع العالم أمام حالة غير مسبوقة من التردي الأخلاقي والانحلال القيمي.

واختتم المؤتمر أعماله، الأربعاء، في العاصمة المغربية الرباط، وسطَ مشاركة واسعة من شخصياتٍ دينيّةٍ وفكريّةٍ عالمية، بإصدار الوثيقة التي حملت اسمه، واسترشدت بـ«وثيقة مكة المكرمة»، وتضمَّنت الإعلان عن تأسيس «المرصد الدولي لدلائل الإيمان ومواجهة الشبهات» كهيئة إنسانية متخصصة، تهتم بترسيخ مبادئ الإيمان وتعزيز قيمها الأخلاقية، مع رصد الشبهات المثارة والأجندات المشبوهة للفوضى التحررية، والعدمية الإلحادية، والعبثية المجتمعية.

وثيقة المؤتمر أكدت أثر الدين في صياغة أفكار المجتمعات وتقويمها (الشرق الأوسط)

ويُتوقع أن يقوم المرصد بالمهام المسندة إليه عبر كتابات مستوعبة وندوات متخصصة، يُستكتب لها ذوو التميز والإجادة، وتوظّف لإنجاح أهدافها وإيصال رسالتها «الوسائل الرقمية والإعلامية الحديثة»، وينشر عن أعمالها ومنجزاتها تقرير سنوي باللغتين العربية والإنجليزية، لتكون مرجع اهتداء فكري ومعلم إرشاد إيماني، تساعد الإنسان على التعامل الأقوم مع المستجدات المتسارعة والمتغيرات الكبرى في وطنه وعالمه.

وشدّد المؤتمِرون على أنَّ القيم الأخلاقية تستند إلى الفطرة الإنسانية، وتتأكد بالرسالات الإلهية، وتبقى على الدوام أصلاً مشتركاً ومرتكزاً ثابتاً وإطاراً جامعاً تنبع منه الأفكار المستنيرة والأطروحات الرشيدة في مسيرة الحضارة والتقدم، لافتين إلى أنه بقدر رسوخ تلك القيم في الوجدان الإنساني يتحقق الأمن والوئام المجتمعي.

المشاركون أكدوا أن تهميش الدين يفتح الباب واسعاً أمام مظاهر الفوضى الأخلاقية والسلوكيات المنحرفة (الشرق الأوسط)

وأوضحوا أنَّ الإنسان هو محور الرسالات الإلهية، فضّله الله على سائر المخلوقات، وسخَّر له الأرض؛ ليؤدي مهمة الاستخلاف في إصلاحها وعمارتها، واستدامة بنائها ونمائها، والمحافظة على مواردها وثرواتها، ليَسعد الجميع بحياة طيبة كريمة، ويتمكنوا من عبادة خالقهم، داعين إلى حِفظ كرامة الإنسان وصيانة حقوقه وحرياته المشروعة، والاعتراف به وجوداً وحضارة، أياً كانت هويته الدينية والوطنية والإثنية، واعتباره أخاً مشاركاً في بناء المجتمع وتنميته.

وأكد المؤتمرون في الوثيقة على مسؤولية القيادات الدينية والفكرية والمجتمعية حول العالم في استثمار الإرث الإنساني المشترك، للحفاظ على المكتسبات الحضارية المتراكمة عبر التاريخ والتصدي للظواهر السلبية التي أفرزتها العولمة، واحتواء الآثار المدمرة التي سبّبتها الجوائح والأوبئة والحروب.

المشاركون أكدوا مسؤولية القيادات الدينية والفكرية في استثمار الإرث الإنساني المشترك للحفاظ على المكتسبات الحضارية (الشرق الأوسط)

ونوّهوا إلى أنَّ التعاون والتكامل بين المكونات الدينية المختلفة واستثمار مشتركاتها المتعددة هو المسار الأنجح لصياغة الأطُر الفكرية الرشيدة للتحصين من مخاطر السلوك المتطرف، وتحييد خطاب الكراهية، وتفكيك نظريات الصدام والصراع.

وحثّ المشاركون في المؤتمر على الرقي بالعمل الإنساني والسموّ به على جميع مظاهر التحيّز والتعصب والتسييس، ليكون عملاً صالحاً ينفع الناس بلا تمييز أو تفريق، مع العمل على إرساء الأخوة الإنسانية بإقامة المشاريع الإغاثية والتنموية حول العالم، والتمسك بها وتطويرها، ضمن أبعاد عالمية وشراكات استراتيجية مثمرة تخدم الإنسانية، وترسي دعائم الوئام والسلام، وتحقق للبشرية الرخاء والاستقرار.

وشدَّدوا في الوثيقة على التزام المنهجية العلمية الرصينة في تفسير النصوص، وفهم الحقائق الدينية، وتوضيح المصطلحات والمفاهيم الفكرية وتنزيلها على المستجدات العصرية، بما يحقق مقاصد الدين في حفظ الضروريات، وتحقيق التوازن والاعتدال.

وأكد المؤتمرون أنَّ تعزيز العلاقة بين الدين والعلم أمرٌ جوهري؛ يتجلى به التكامل بين الإيمان والحياة وبين المعرفة والفلسفة، لمواجهة انحرافات الإلحاد العدمي والفكر المادي الذي يُقصي الروحانيات والقيم عن دورها المركزي، وصولاً إلى رؤية تبرز مكانة الإنسان ودوره في الكون، وتضع الطبيعة في سياقها الصحي، وتجسد أهمية الإيمان في التوصل إلى معاني وجودنا على هذا الكوكب وأهدافه.

المؤتمرون عدّوا تعزيز العلاقة بين الدين والعلم أمراً جوهريّاً لمواجهة انحرافات الإلحاد العدمي (الشرق الأوسط)

وأشاروا إلى أنَّ الحوار بين الأديان والثقافات قيمة عليا؛ تساهم في بناء جسور التواصل بين الشعوب، وتفتح أبواب التعارف وتداول المعارف وتوسيع المفاهيم والاحترام المتبادل، ما يرسخ العلاقات الإنسانية على أسس من التعاون والتسامح ويعزز من قدرة المجتمعات على مواجهة تحديات العصر بروح منفتحة ومقتنعة.

وأوضح المشاركون أنَّ التكنولوجيا والتقدم العلمي والذكاء الاصطناعي وسائل رئيسة في تشكيل الفكر والوعي والرقي بسلوك المجتمعات، وتتصدر لرسم معظم ملامح المستقبل المادي والمعرفي للأجيال القادمة، مشدّدين على أهمية المسارعة إلى استغلالها، والمبادرة إلى الاهتمام بتطوير وسائل التربية الدينية وتجديد طُرقها لتتلاءم مع العصر الرقمي والتطورات المتسارعة، وتنجح في بناء جيل قادر على فهم العالم المحيط به من منظور إيماني راسخ ومتجدد.

وأكدوا على أنَّ التضامن بين الشعوب هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات العالمية الكبرى؛ كالتغير المناخي وهدر الموارد وشحّها وحماية البيئة والمحافظة على الثروات الطبيعية، وهو واجب ديني وأخلاقي لا يتحقق إلا بتعاون الجميع في تعزيز الوعي البيئي وتهذيب السلوكيات المستدامة واستشعار المسؤولية.

المؤتمرون عدّوا التضامن بين الشعوب السبيل الأمثل لمواجهة التحديات العالمية الكبرى (الشرق الأوسط)

كما أكدوا على أنَّ المرأة في إطارها الإيماني مصدر نور وإشعاع حضاري لها الحظ الأكبر في غرس ثوابت الدين ومكارم الخلق الحميد، منبّهين إلى أنه من الواجب حراسة دورها الرئيس في الأسرة ورعايتها وتربية الناشئة والعناية بها، وترسيخ التآلف والانسجام بينها، وتحصين الأجيال الصاعدة من فوضى المشاعر واضطراب الأفكار.

وتعهّد المؤتمرون بالاحتفاء بمضامين الوثيقة، والاهتمام بتعزيزها في صروحهم العلمية ومنابرهم الإعلامية ومجتمعاتهم الوطنية، بما يتماشى مع الأنظمة السارية والقوانين الدولية، داعين جميع الجهات العلمية والشخصيات المجتمعية والمؤسسات الوطنية لدعمها وتأييدها، ومشددين على أن «معنى الإيمان بالله يختلف باختلاف الأديان والأفكار، والحوار فيه له مقام آخر»، وينصبّ هذا المؤتمر على مواجهة الأفكار العدمية الإلحادية.