إنهاء العام الدراسي قبل موعده يثير قلق المصريين

الأُسر تنتقد عدم استكمال المناهج... و«التعليم» تحترز من «كورونا»

طلاب يؤدون امتحانات شهر أبريل (مديرية تعليم الجيزة)
طلاب يؤدون امتحانات شهر أبريل (مديرية تعليم الجيزة)
TT

إنهاء العام الدراسي قبل موعده يثير قلق المصريين

طلاب يؤدون امتحانات شهر أبريل (مديرية تعليم الجيزة)
طلاب يؤدون امتحانات شهر أبريل (مديرية تعليم الجيزة)

في غمرة انهماك الأسر المصرية في الاستعداد للامتحانات الشهرية نهاية أبريل (نيسان)، أتى قرار مفاجئ بإنهاء العام الدراسي عند هذا الحد، وعدم استكمال ما تبقى من مناهج تعليمية كما كان مُقرراً حتى نهاية مايو (أيار) المقبل، إذ أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية أخيراً إنهاء العام الدراسي «2020 - 2021» للمراحل التعليمية بداية من «رياض الأطفال» وحتى الصف الثاني الإعدادي، بالإضافة إلى الصفين الأول والثاني الثانوي، عقب أدائهم لامتحانات شهر أبريل.
وبرر وزير التربية والتعليم المصري الدكتور طارق شوقي هذا القرار بـ«الاحتراز من كورونا»، مؤكداً أن «قرار الوزارة سيُقلل من اختلاط 21 مليون طالب تابعين لتلك المراحل التعليمية في ظل تصاعد أرقام إصابات فيروس (كورونا) بالبلاد».
ويُستشنى من هذا القرار طلبة الشهادتين الإعدادية والثانوية، الذين تستمر دراستهم على أن يظل حضورهم إلى المدارس اختياريا، وسط تعهد الدولة ببذل كافة الإجراءات الاحترازية لطلاب الشهادات العامة أثناء الامتحانات التجريبية والنهائية.
مي إبراهيم، ربة منزل، ووالدة طالبة في الصف الخامس الابتدائي في مدرسة بحي الدقي بالجيزة (غرب القاهرة) تقول إن «هذا القرار فاجأهم، بعد أن وجدوا أن امتحانات شهر أبريل ستكون امتحانات نهاية العام».
ورغم ذلك تقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «أمر مريح نسبيا، خصوصاً أن العام الدراسي منذ بدايته كان مشوشا ما بين حضور للمدرسة وحضور عن بعد عبر منصات رقمية، لذلك لم نشعر أبدا بالاستقرار أو الاستفادة الحقيقية على مدار هذا العام بسبب تقلبات وضع فيروس (كورونا)».
وكان العام الدراسي في المدارس الحكومية والخاصة قد بدأ في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وبدأ الفصل الدراسي الثاني في 14 مارس (آذار) الماضي، ما يجعل الفترة التي قضاها الطلبة في الفصل الدراسي الأخير نحو شهر ونصف الشهر فقط، وهو ما تعتبره إنجي يحيى، موظفة بإحدى الشركات الخاصة، ووالدة طالب في مرحلة رياض الأطفال بإحدى مدارس منطقة الشيخ زايد (غرب القاهرة) بمثابة أزمة كبيرة تضاعف من مشكلة المستوى التعليمي الذي واجهه الأطفال منذ العام الماضي.
وتقول يحيى لـ«الشرق الأوسط»: «واجه الأطفال في مرحلة التأسيس صعوبة في اللحاق بأساسيات القراءة والكتابة، وهي مرحلة من الصعب تعويضها، وتجعل دور الأسرة في هذه المرحلة بديلاً لدور المدرسة التي تتبع بدورها قرارات الوزارة بإنهاء العام».
وكانت وزارة التربية والتعليم قد أعلنت منذ بداية هذا العام الدراسي أن الحضور للمدرسة غير إلزامي، وقامت برفع الغياب عن حضور الطلاب مع نهايات الفصل الدراسي الأول تزامناً مع ارتفاع أعداد الإصابات بالفيروس آنذاك بين الطلبة والمُعلمين في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهو الذي انتهى بدوره بقرار وزارة التعليم آنذاك بمواصلة الفصل الدراسي الأول عن بُعد، ومدّ فترة عطلة منتصف العام لتصل إلى أكثر من شهر، ليأتي إنهاء العام الدراسي أخيراً في ظل تصاعد الموجة الثالثة تلك الأيام مجرد امتداد للظروف الاستثنائية التي يشهدها هذا العام الدراسي منذ بدايته.
وتجاوز عدد الإصابات المعلنة بـ«كورونا» في مصر حاجز ألف إصابة، للمرة الأولى منذ 3 أشهر، حيث سجلت البلاد مساء أول من أمس، 1003 حالات إصابة، بالإضافة إلى 61 حالة وفاة، بحسب وزارة الصحة المصرية.
وترى جمالات السيد، خبيرة تعليم، أن «هذا الإيقاع الذي بدأ به العام الدراسي، جعل تلقي خبر انتهائه بهذا الشكل متوقعا بالنسبة لأغلب الأسر والمدارس أيضا، خصوصا أن حالة الارتباك التي سادت هذا العام لا تخص المدارس، إنما تخص الوضع العالمي الذي نعيشه منذ أكثر من عام.
وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن الفترة الزمنية المتذبذبة التي قضاها الطلبة هذا العام داخل الفصول، لها تأثيراتها السلبية تعليميا وكذلك نفسيا، لما للمدرسة من أدوار اجتماعية وتربوية إلى جانب أدوارها التعليمية لا سيما بالنسبة لمراحل التأسيس الأولى، ومراحل التعليم الابتدائي بشكل خاص، إلا أن ظرف الوباء وما يتطلبه من ترجيح أولويات الحماية الصحية والاحتراز بصورة أكبر تجعل اتخاذ قرار إنهاء العام الدراسي له نفع أكبر، ربما يمكن تصورّه مع تقليل حركة الزحام المدرسي ما بين طلبة وأولياء أمور ومعلمين، وهي خطوة كان يجب اتخاذها ونحن في مواجهة موجة شرسة للوباء، مع ضرورة وضع خطة تعليمية لتعويض الطلبة عن انتهاء هذا العام الدراسي مُبكراً».
ورغم تصاعد الإصابات تحرص الكثير من الأسر المصرية على إرسال أبنائها إلى مراكز الدروس الخصوصية التي لم يتم تفعيل قرار إغلاقها في عدد كبير من المدن والأحياء المصرية وخصوصا لطلاب شهادة الثانوية العامة. فيما يلجأ أولياء أمور المراحل الأساسية إلى إحضار معلمين بالمنازل لاستكمال المناهج الدراسية، وفق فاطمة إبراهيم، والدة طفلين بالمرحلة الابتدائية، التي تقول إنها فشلت في التعامل مع استكمال مناهج ابنتها بمفردها.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)