من الخُبر إلى لندن... رسالة سلام وحب

المصمم السعودي زياد البوعينين لـ «الشرق الأوسط» : المرأة العربية تتمتع بعدة وجوه وتختلف عن الصورة النمطية

من تصميمات السعودي زياد البوعينين
من تصميمات السعودي زياد البوعينين
TT

من الخُبر إلى لندن... رسالة سلام وحب

من تصميمات السعودي زياد البوعينين
من تصميمات السعودي زياد البوعينين

زياد البوعينين مصمم سعودي شاب موزع قلبه بين الخُبر مسقط رأسه ومخزن ذكرياته، ولندن العاصمة التي تحقق فيها حلمه بتأسيس دار أزياء خاصة به. مثل أبناء جيله عانق زياد مفهوم الاستدامة باستعماله خامات مُدارة وطرحه تشكيلاته بعدد محدود وأحياناً حسب الطلب. يستهل حديثه قائلاً إن المصمم ابن عصره، مستشهداً على هذا بتشكيلته الأخيرة التي تحمل عنوان »صلاة خالصة» (براير فور سيرينيتي). فهي تعكس الوضع الذي يعيشه العالم بسبب الجائحة ومدى تأثيره على نفسياتنا إلى حد أصاب البعض بمشاكل نفسية خطيرة، مؤكداً أن من بين الأدوار التي تلعبها الموضة، المساهمة في تغيير العالم إلى الأحسن قدر الإمكان. ومع ذلك يقول إنه متفائل بالمستقبل: «فرغم أن الجائحة كانت صادمة ولا تزال تُسبب القلق، فإنها ستزول لا محالة، لتفتح المجال لمستقبل مثير ويعد بالكثير». أسأله عما يدفعه إلى كل هذا التفاؤل، فيجب بدون تردد: «انظري إلى ما يجري في بلدي السعودية من انفتاح وتغييرات إيجابية تُثلج الصدر، لا تكفي؟».
يُؤكد زياد أن قلبه لا يزال في الخُبر. ففيها أهله، وفيها وُلد حبه للموضة والفن. فمنذ مرحلة الطفولة أظهر براعة في الرسم وحساً تجاه الألوان والأشكال والخطوط. أما حبه للموضة فورثه من والدته التي كانت تملك محلاً لبيع فساتين السهرة والمساء ليس كغيره من المحلات الأخرى في الخبر. يقول إنها كانت تتمتع بذوق رفيع وجريء في الوقت ذاته، بحيث كانت تختار ما تعرضه بعناية من بيوت عالمية مثل «برادا» و«فيفيان ويستوود» و«موسكينو» وغيرها «وكان همُها ألا تكون تصاميم تقليدية ومضمونة». كانت والدته تصطحبه معها في أسفارها وزياراتها لمعارض الموضة، وكان يشُده منظرها وهي تتفقد التصاميم وتتحاور مع صناع الموضة لتختار في الأخير ما تراه مميزاً. كل هذا حببه في الموضة وجعله يراها امتداداً لفنون أخرى مثل الرسم والنحت. بعد أن شب، كان لا بد له أن يصقل موهبته بالدراسة، فتوجه إلى معهد «مارانغوني» بميلانو.
وبعد ثلاث سنوات عاد إلى لندن حاملاً معه شهادة الماجستير ورغبة محمومة في تحقيق حلمه فيها. فإيطاليا، بكل ما تملكه من فنون وتاريخ وأناقة، لم تستطع أن تُغريه بالبقاء فيها. كانت لندن أقرب إلى هواه، كونها عاصمة ملهمة على الصعيد الإبداعي وتحتضن المواهب الشابة بتلقائية. إضافة إلى كل هذا يقول إنه شب على جنون وفنون الموضة البريطانية، متذكراً كيف كانت تُبهره جرأة مصمميها من أمثال جون غاليانو وألكسندر ماكوين وفيفيان ويستوود وغيرهم... ويضيف: «فيها تشعر بديناميكية عجيبة تتغلغل في عروقك غصباً عنك. إنها عاصمة التناقض والتناغم في الوقت ذاته، فتارة تعطيني الإحساس بأن إيقاعها جد سريع وتارة أخرى بأنها في غاية الهدوء». عندما أعبر له عن استغرابي من اختياره الدراسة في ميلانو عوض لندن، ما دام يُكن لها كل هذا الإعجاب خصوصاً أنها تحتضن مجموعة من أهم معاهد الموضة العالمية، يجيبني بأن لندن كانت دائماً بمثابة بيته الثاني «تمنحني الأمان والراحة إلى حد السكون أحياناً، كنت أحفظ شوارعها وأزقتها عن ظهر قلب، بينما كنت أحتاج حينها إلى خضة تُخرجني من دائرة الأمان الذي يأتي من التعود، وتخلق بداخلي نوعاً من الفضول وأيضاً بعض الوجل إن صح القول، لهذا اخترت الدراسة في معهد «مارانغوني» آخذاً بعين الاعتبار أن ميلانو والمدن المجاورة لها تعبق هي الأخرى بالفن والثقافة لكن من نوع آخر».
بعد عودته إلى لندن، كان طموحه أن يُطلق علامته الخاصة، إلا أن صوتاً بداخله كان ينصحه بعدم التسرع ويقول له إنه يحتاج إلى خبرة تطبيقية على أرض الواقع. أذعن لهذا الصوت، ووضع قائمة بأسماء المصممين المستقلين الشباب الذين كان معجباً بمسيرتهم ويطمح للعمل معهم. ماريا كاترانتزو كانت من بين هذه الأسماء. ولسعادته حالفه الحظ حين توفرت لديها وظيفة شاغرة سهلت له الدخول إلى عالمها الغني. كان الأمر بالنسبة له «فرصة ذهبية تعلمت منها الكثير من الأمور التي ساعدتني على فهم كيف تُدار أي دار أزياء أو شركة صغيرة من الداخل. العمل مع ماريا كاترانتزو لم يكن ممتعاً من الناحية الفنية فحسب بل فتح عينيه على أمور، أو بالأحرى تفاصيل، كانت غائبة عني، أبسطها كيف يتم تنظيم المعارض الراقية في باريس. في أرض الواقع لم تكن بالشكل الذي كنت أتخيله أبداً». كانت هذه الفترة التدريبية بمثابة الجسر الذي انتقل منه إلى مرحلة تأسيس علامته وإطلاقها. حرص فيها أن تُجسد شخصيته وميوله الفنية، لهذا صب فيها كل ما خزنته ذاكرته من ألوان الأسواق الشعبية في الخُبر، أو من زياراته للمعارض ودور السينما أو من رحلاته المتكررة. يتذكر على وجه الخصوص فترة إقامته في اليابان «لقد كانت مفاجأة رائعة، لأنها تجلت لي وكأنها لوحة رسمتها ريشة فنان، وفي الجانب الآخر كان كل شيء فيها ينبض بالحياة بدءاً من الفنون والموضة والأفلام المتحركة إلى الدعايات التلفزيونية والمطبخ، إلى حد أني شعرت بأنني في عالم سريالي». هذا التنوع في الأشكال والألوان ظهر بوضوح في تشكيلته الأخيرة «صلاة خالصة»، التي حكاها على خلفية تجربته اليابانية وإسقاطات من الوضع الحالي... يشرح زياد أنه استلهمها «من فيلم رعب بعنوان (هوسو) للمخرج نوبوهيكو أوباياشي، واستهدف منها المساهمة في تغيير النظرة السائدة عن الاضطرابات النفسية المسكوت عنها «فأكبر خطأ يرتكبه البعض أنهم يخجلون من طلب المساعدة لأنهم يربطون الاعتراف بحالتهم ضُعفاً مع أن العكس صحيح». ويتابع: «فقط من خلال الحديث عن هذه المواضيع الشائكة ومناقشة التابوهات يمكننا أن نغير الاعتقادات الخاطئة ومساعدة بعضنا البعض على تجاوز الظروف الصعبة مثلما هو الحال الآن». لم يكن تجسيد هذه الأفكار سهلاً، لهذا اعتمد زياد على الرمزية في الرسم لشرح وجهة نظره. قسم التشكيلة إلى ثلاثة أجزاء، في الجزء الأول نرى مثلاً رسمة تجسد ثريا فيها اعوجاج وتحترق كرمز لحالة القلق التي تجتاحنا أحياناً، وفي الجزء الثاني رسمة أخرى تظهر فيها أيادٍ وأذرع عائمة كرمز لطلب يد المساعدة. في الجزء الأخير يأتي الأمل وحالة من السلام الداخلي يمثلها شروق الشمس المطبوع فوق الغيوم.
أول ما يتبادر إلى الذهن أن هذه الرموز معقدة وربما تستنزف الكثير من الجهد الذي قد لا يفهمه الزبون العادي أو يُقدره، لكن زياد مقتنع بأنها عملية مهمة «لأنه من واجبنا أن نقدم أعمالاً تعكس الزمن الذي نعيش فيه بكل حالاته ونساهم في تغييره وتحسينه». ويستطرد: «عملي قائم بالأساس على العاطفة ونابع منها أيضاً، لهذا فإن تحليل المشاعر التي تعتمل بداخلنا يساعد على حبك قصة متكاملة الأركان. فهذه التشكيلة صممتها في لندن وأنا في فترة الحجر الصحي، وأنا نفسي كنت أعاني من مشاعر متضاربة بين القلق والأمل. لقد ساعدني العمل عليها على اكتشاف ذاتي كما على تحسين حالتي النفسية».
بأحجامها ورمزيتها، لا تترك التشكيلة أدنى شك بأنها تخاطب امرأة عالمية. فهي بعيدة عما نتوقعه عادة من مصمم يريد إرضاء امرأة عربية ارتبطت صورتها بالتطريزات الغنية والتصاميم الأنثوية. لكنه يصححني مدافعاً بأن المرأة العربية ظلت ضحية صورة نمطية لزمن طويل «فهي في الحقيقة تتمتع بعدة وجوه، ولا يمكن تحديد أسلوبها في أسلوب واحد. فهي عصرية وقوية والأهم من هذا كله جريئة في اختياراتها وتعرف ما تريد».


مقالات ذات صلة

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».