المجلس العسكري في تشاد يرفض التفاوض مع المتمردين

زعيم {جبهة التناوب والوفاق}: إذا أردوا الحرب فنحن لها

تسري تقارير في نجامينا منذ وفاة ديبي عن انشقاقات داخل صفوف الجيش (رويترز)
تسري تقارير في نجامينا منذ وفاة ديبي عن انشقاقات داخل صفوف الجيش (رويترز)
TT

المجلس العسكري في تشاد يرفض التفاوض مع المتمردين

تسري تقارير في نجامينا منذ وفاة ديبي عن انشقاقات داخل صفوف الجيش (رويترز)
تسري تقارير في نجامينا منذ وفاة ديبي عن انشقاقات داخل صفوف الجيش (رويترز)

رفض المجلس العسكري الحاكم التفاوض مع المتمردين الذين أطلقوا قبل أسبوعين هجوماً ضد العاصمة التشادية، ويتهمهم الجيش بقتل الرئيس إدريس ديبي إتنو خلال المعارك بين الطرفين. وأكد زعيم «جبهة التناوب والوفاق في تشاد» (فاكت)، محمد مهدي علي، مساء الأحد، لوكالة الصحافة الفرنسية، تعليقاً على رفض المجلس العسكري التفاوض: «إذا أرادوا الحرب فنحن لها. إذا تعرضنا لهجوم فسنرد».
وقال المتحدث باسم المجلس العسكري، عزم برماندوا أغونا، في بيان تلاه عبر التلفزيون الوطني «تيلي تشاد»، إن العسكريين عازمون على السيطرة على المتمردين، وطلب من النيجر المجاورة مساعدة تشاد على «القبض» على زعيم المتمردين، محمد مهدي علي.
وأعلن رؤساء دول مجموعة الساحل الخمس بالإجماع، خلال مراسم تشييع الرئيس التشادي، دعمهم للمجلس العسكري. والنظام الجديد لا يخوض معركة مع المتمردين فحسب، بل يواجه أيضاً خطراً من الداخل، إذ تفيد شائعات تسري في نجامينا منذ وفاة ديبي بانشقاقات داخل صفوف الجيش. وقال جنرال من قبيلة الزغاوة التي كان ينتمي إليها ديبي، والتي تمسك بالجهاز الأمني، الأربعاء، إن هناك «معسكرين» في الجيش، من دون أن يكون من الممكن التثبت من ذلك من مصدر مستقل.
وأوضح مصدر دبلوماسي أفريقي أنه «في تصديها لـ(جبهة التناوب والوفاق في تشاد) التي قدمت لها حركات تمرد تشادية متمركزة في ليبيا أو السودان دعمها، من غير أن تقحم قواتها في الوقت الحاضر في المعركة، تشعر نجامينا أنها تحظى بالدعم الدولي». وأشار إلى حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مراسم تشييع الرئيس ديبي الجمعة، وأن فرنسا حليفة منذ زمن طويل للبلد الذي يعد من الأفقر في العالم، والذي حكمه ديبي بيد من حديد لأكثر من ثلاثين عاماً.
وتعهد ماكرون، في كلمة له، بأن «فرنسا لن تسمح لأحد، لا اليوم ولا غداً، بالمساس باستقرار تشاد وسلامتها». وأكد المتحدث باسم المجلس العسكري أن «الوقت ليس للوساطة ولا للتفاوض مع الخارجين عن القانون»، وتابع: «تدعو تشاد النيجر إلى التعاون والتضامن (...) من أجل تسهيل القبض على مجرمي الحرب، وإحالتهم على العدالة».
وكانت «فاكت» قد أبدت، السبت، استعدادها لوقف إطلاق النار بعد وساطة بدأها الجمعة بين الجيش والمتمردين رئيسا النيجر وموريتانيا، العضوين في تجمع دول الساحل الخمس (تشاد ومالي وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو). وأجرى رئيس النيجر، محمد بازوم، اتصالاً مع زعيم المتمردين، مهدي علي، وفق ما أفاد به مستشار للرئيس. وقال مهدي علي، مساء السبت، لوكالة الصحافة الفرنسية: «تجاوبنا مع وساطة النيجر وموريتانيا (...) وأكدنا استعدادنا للالتزام بهدنة، بوقف لإطلاق النار». لكنه أشار إلى أن الجيش التشادي ما زال يقصف قواته.
واتهمت القوات التشادية، الأحد، متمردي «فاكت»، لا سيما زعيمهم، بالفرار إلى الأراضي النيجرية. غير أن مهدي علي أكد، في اتصال هاتفي أجرته معه الصحافة الفرنسية، أنه ما زال في تشاد، وتحديداً في محافظة كانيم، في المنطقة المحاذية للنيجر، على مسافة نحو 400 كلم شمال نجامينا.
وكان متمردو «فاكت» المتمركزون في ليبيا، على حدود تشاد الشمالية، قد مروا عبر النيجر خلال تقدمهم نحو العاصمة نجامينا في جنوب البلاد في منتصف أبريل (نيسان)، بحسب عدة مصادر متطابقة. وأوقف الجيش التشادي تقدم المتمردين، الاثنين، في كانيم، مدعوماً جواً بـ«طلعات استطلاع ومراقبة» قام بها الجيش الفرنسي، وقتل 300 متمرد في المعارك، بحسب الجيش التشادي.
وأكدت عدة مصادر، في أواخر الأسبوع، لوكالة الصحافة الفرنسية أن المعارك كانت دامية جداً «من الطرفين»، وفق مصدر دبلوماسي أفريقي في نجامينا. ولم يعلن الجيش التشادي أي حصيلة، لكنه ذكر، الأحد، مقتل «عشرات الجنود التشاديين».
وغداة هذه المعارك، أعلن المتحدث باسم الجيش وفاة إدريس ديبي إثر إصابته بجروح على الجبهة. وتولى نجل الرئيس الراحل، الجنرال محمد إدريس ديبي (37 عاماً)، قائد الحرس الجمهوري، مهام الرئاسة محاطاً بـ14 من أقرب الجنرالات إلى والده، وهو يمسك بكامل الصلاحيات، لكنه وعد بإنشاء مؤسسات جديدة بعد انتخابات «حرة ديمقراطية» تعهد بإجرائها بعد عام ونصف. وتجمع نحو 12 رئيس دولة في قلب نجامينا لتكريم ديبي، الحليف الأساسي للغربيين في مكافحة المتطرفين في المنطقة.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».