ماريتا الحلاني: بعت الورد على الطريق لأنجح في دوري الجديد

ماريتا الحلاني في مشهد من مسلسل «2020»
ماريتا الحلاني في مشهد من مسلسل «2020»
TT

ماريتا الحلاني: بعت الورد على الطريق لأنجح في دوري الجديد

ماريتا الحلاني في مشهد من مسلسل «2020»
ماريتا الحلاني في مشهد من مسلسل «2020»

لفتت الفنانة الشابة ماريتا الحلاني مشاهدي مسلسل «2020» بأدائها العفوي والتلقائي. مشاركتها في هذا العمل الرمضاني الذي يحقق نجاحاً ملحوظاً، هي بمثابة تجربتها الأولى في عالم التمثيل. وتجسد ماريتا وهي ابنة الفنان عاصي الحلاني، شخصية سعاد الفتاة الشابة التي تعمل مع أحد مهربي المخدرات، فتوضبها مع مجموعة من بنات عمرها داخل الخضراوات، بعد تفريغ هذه الأخيرة من لبّها وحشوها بالممنوعات. وتظهر ماريتا في العمل على طبيعتها، من دون مساحيق تجميل؛ مما أسهم في تركيز المشاهد على موهبتها التمثيلية، وليس على شكلها الخارجي.
صحيح أن دور ماريتا لا يحمل مساحة كبيرة في العمل، لكنه في المقابل حفر في ذاكرة المشاهد. تفاعل معها اللبنانيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أحبوا إطلالتها كممثلة هم الذين يعرفونها كمغنية.
وتروي ماريتا في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن ممارستها مهنة التمثيل كانت بمثابة حلم يرافقها منذ صغرها. «حتى أنني في إحدى المرات عندما كنت أتابع أحد فيديوهاتي المصورة على تطبيق (تيك توك)، قلت لوالدتي كوليت (يا ليت شركة الصباح تتصل بي وتعرض علي دوراً تمثيلياً)». وتضيف «لقد كانت اللقطات المصورة التي أمررها على التطبيق المذكور بمثابة متنفس تمثيلي بالنسبة لي. فأنا أهوى التمثيل وكان (تيك توك) المساحة الوحيدة المتاحة لي، والتي يمكنني من خلالها أن أعبّر عن موهبتي، ضمن اسكتشات تمثيلية معينة».
وتشير إلى أن والدتها كوليت الحلاني كانت أكبر مشجع لها على التمثيل، وأنها كانت تلمس دائماً هذه الموهبة عندها وتدفعها لخوض التجربة.
ولكن ماذا كان يؤخر دخولها هذا المعترك؟ ترد «ربما كنت أخاف من التجربة. كما أنني خجولة منذ صغري. وعندما قررت أن أغنّي كان الأمر بديهيا ربما لأن والدي مطرب. ومن محبتي بالتمثيل خضعت لدروس مع الممثلة فيفيان أنطونيوس. كنت أتحضر للقيام بهذه الخطوة تلقائيا ومن دون تخطيط مسبق. وعندما اتصلت بي لمى الصباح تطلب مني المشاركة في (2020)، أيقنت أني أسير على الطريق التي رغبت فيها، وأن الشركة ربما أعجبت بأدائي على (تيك توك). فردود الفعل الرائعة من قبل متابعي على تلك اللقطات أفرحتني، وزادت من ثقتي بنفسي فيما خص التمثيل وكان يتم تداولها كـ(فايرل) وتلاقي انتشاراً كبيراً. وهكذا بدأ مشواري مع هذه المهنة، التي لطالما أحببتها وتمنيت أن أعمل فيها».
لم تتدرب ماريتا الحلاني على دورها في «2020» بشكل كبير وتعلق «الأمور جرت بسرعة، ووجدت نفسي أقف بين نجوم كبار. فقررت أن أعيش شخصية سعاد وأنجرف معها بعفوية. كما أن المخرج فيليب أسمر ساعدني كثيراً في هذا الموضوع، وكان خير سند لي. وكذلك الأمر بالنسبة لممثلين وأساتذة كبار في الأداء أمثال كارمن لبس وقصي الخولي».
لم تتردد ماريتا الحلاني في دخول هذه التجربة، رغم رفضها عروض تمثيلية سابقة. فشركة «الصباح أخوان» هي رائدة في عالم الإنتاج. وكذلك باقي فريق العمل من ممثلين ومخرج وكاتب. كل ذلك دفعها إلى الموافقة والانطلاق في عالم حلمت بدخوله. وتقول في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط» «لا شك أن الخوف اعتراني وأحسست بمسؤولية كبيرة، أصبت بالتوتر، ولكني ما لبثت أن انسجمت في الأجواء. كنت أعرف بموهبتي التمثيلية، وأنتظر الفرصة المناسبة لإظهارها. وجاء (2020) ليتيح لي هذه الفرصة، سيما وأن الشركة والفريق ككل وثقوا بقدراتي وشجعوني».
تصف ماريتا أجواء التمثيل التي خاضتها في المسلسل الرمضاني بالمريحة جداً، ولكنها بالطبع شابتها صعوبات. «التخلص من خجلي كان مهمة صعبة. فما اعتدت أبداً التعبير عن مشاعري، أو التحدث عما يخالجني. ومع التمثيل تخطيت هذه العقبة مهنياً وشخصياً. تغير أدائي بشكل مباشر، وصرت أعرف كيف أتحدث عن أحاسيسي».
في إحدى حلقات المسلسل وهو من بطولة قصي الخولي ونادين نسيب نجيم، سالت ماريتا والدها عاصي الحلاني «ما رأيك في أدائي؟» فأجابها أنه عندما يحضرها يتابعها كأي ممثلة وليس كابنته، وأنه من المبكر أن يطلق الأحكام عليها من أول المسلسل. ولكن ماريتا لا تزال تذكر عبارة قالها لها إثرها «أتمنى لو أن كل النجاح الذي حققته أنا حتى اليوم، أستطيع أن أهديك إياه، لأعبر عن مدى حبي الكبير لك».
تخوض اليوم ماريتا الحلاني تجربة تمثيلية جديدة من خلال مسلسل «الحي الشعبي» لشركة «مروى غروب». وهو من كتابة الممثلة فيفيان أنطونيوس، الذي تشارك فيه إلى جانب مجموعة من الممثلين. وتعلق ماريتا «دوري في هذا المسلسل بطولي واستعديت له بالشكل المطلوب. تمرنت ودرست واجتهدت، فأنا بطبيعتي أسعى دائماً وراء الكمال، وأتمنى أن أحقق النجاح. وتجسد ماريتا دور فتاة طيبة تبيع الورود وأوراق اليانصيب على الطرقات لتعيل عائلتها. ومن ثم تتعرض لحادثة تقلب حياتها رأساً على عقب». وتتابع «صورنا حتى الأن نحو 20 حلقة من أصل 60، واستفدت كثيراً من تجربتي الأولى في (2020) والذي صورناه منذ نحو عام. فشعرت أني خزنت معلومات كثيرة استخدمتها في مسلسل (الحي الشعبي). كما أني صرت أعرف كيف أخرج أحاسيسي، وأتماهى مع الدور إلى أبعد حدود لأبدو حقيقية وغير مصطنعة». ومن هذا المنطلق نزلت ماريتا الحلاني الطريق وباعت الورود للمارة والسائقين «كي ألمس تجربة شخصيتي (سيرينا) في المسلسل عن قرب». وعما إذا يمكن للتمثيل أن يسرقها من مهنتها الأساسية ألا وهي الغناء تقول «طبعاً لا، لأني أستطيع أن أسير بالتوازي بين المهنتين، سيما وأنهما يكملان بعضهما. فأنا من يغني شارة مسلسل «الحي الشعبي». وهي من كلمات وألحان والدي عاصي الحلاني وتوزيع طوني سابا وعنوانها «حكايتي». كما أحضر لأغنية جديدة سأنزلها قريباً إلى الأسواق، وهي مصرية ترتكز على المقسوم، ومن ألحان سامر أبو طالب وموضوعها جديد».
وعما بهرها في أداء كل من كارمن لبس وقصي خولي، اللذين شاركتهما التمثيل في «2020» بشكل أكبر من غيرهما ترد «هما أستاذان كبيران، فكارمن يمكنها أن تمثل بعينيها وعندها حضور رهيب أمام الكاميرا. أما قصي فهو ممثل بكل ما للكلمة من معنى، أحب نبرة صوته، ويبهرني بأدائه التلقائي. حتى أنه شخص لطيف جداً، ومتواضع في تعامله مع الآخرين، وتشجيعه لي كان كبيراً، تماماً كما كارمن التي أكدت لي بأني أبرع أنا أيضاً في التعبير بنظراتي أثناء التمثيل».
وعما ينتظر شخصية سعاد في الحلقات المقبلة تقول «سعاد سترافقكم طيلة حلقات العمل، وهناك أحداث تتطور مع الوقت تفاجئ المشاهد. فصحيح أن هذه الشخصية لا تشبهني في الحقيقة، ولكنني أحببتها كثيراً، ونسيت نفسي معها. فأنا حالياً أعيش حالة غريبة من تقلب في المشاعر والأحاسيس. أعتقد أن سببها شعوري بالمسؤولية كي أكون على قدر الثقة التي منحوني إياها».
وعن ردة فعلها تجاه أدائها تقول «في البداية كنت متوترة جدا، وأنا أتابع نفسي خصوصاً أنه مر وقت على تصوير العمل، ونسيت كيف مثلت وكيف كانت طبيعة أدائي. ولكن عندما وصلتني ردود فعل الناس ارتحت. فأنا أعتبر نفسي ناقدة قاسية على نفسي، لا أمرر أي خطأ أرتكبه وأفكر دائماً في تطوير موهبتي. وسأكمل دراستي للتمثيل؛ لأنني على يقين بأنه يشكل ركيزة أساسية في عملي».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)