«الأيزوبرين»... «بصمة حيوية» جديدة لاكتشاف فرص الحياة في الكواكب

تشغيل تلسكوبات الجيل التالي يسرّع عملية البحث

«الأيزوبرين»... «بصمة حيوية» جديدة لاكتشاف فرص الحياة في الكواكب
TT

«الأيزوبرين»... «بصمة حيوية» جديدة لاكتشاف فرص الحياة في الكواكب

«الأيزوبرين»... «بصمة حيوية» جديدة لاكتشاف فرص الحياة في الكواكب

هناك اهتمام منقطع النظير بدراسة الكواكب خارج المجموعة الشمسية، وتم تأكيد رصد 4 آلاف و375 كوكبا حتى الآن في العقود الأخيرة، مع 5 آلاف و856 مرشحًا آخر في انتظار التأكيد.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت دراسات الكواكب الخارجية في الانتقال من عملية الاكتشاف إلى عملية التوصيف، ومن المتوقع أن يتسارع ذلك بمجرد تشغيل تلسكوبات الجيل التالي.

بصمة حيوية

ويعمل حاليا علماء الأحياء الفلكية على إنشاء قوائم شاملة من «البصمات الحيوية» المحتملة، والتي تشير إلى المركبات والعمليات الكيميائية المرتبطة بالحياة (الأكسجين وثاني أكسيد الكربون والماء، وما إلى ذلك).
لكن وفقًا لبحث جديد أجراه فريق من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأميركا (MIT)، فإن التوقيع الحيوي المحتمل الآخر الذي يجب أن نبحث عنه هو مادة هيدروكربونية تسمى أيزوبرين (C5H8).
وتصف نتائج الدراسة التي نشرت في أواخر مارس (آذار) الماضي على الإنترنت، وتم قبولها للنشر من قبل مجلة «أستربيولوجي»، تقييم «الأيزوبرين» باعتباره غازًا بيولوجيًا محتملاً في الكواكب الخارجية ذات الغلاف الجوي.
ومن أجل دراستهم، نظر فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في القائمة المتزايدة من البصمات الحيوية المحتملة التي سيبحث عنها علماء الفلك في السنوات القادمة.
وحتى الآن، تم اكتشاف الغالبية العظمى من الكواكب الخارجية وتأكيدها باستخدام طرق غير مباشرة. وبالنسبة للجزء الأكبر، اعتمد علماء الفلك على طريقة العبور (قياس الضوء العابر) وطريقة السرعة الشعاعية، وحدها أو مجتمعة، ولم يتم اكتشاف سوى عدد قليل باستخدام التصوير المباشر، مما يجعل من الصعب للغاية توصيف الغلاف الجوي للأسطح الخارجية والكواكب.
ولم يتمكن علماء الفلك من الحصول على الأطياف التي سمحت لهم بتحديد التركيب الكيميائي للغلاف الجوي للكوكب إلا في حالات نادرة، وكان هذا إما نتيجة مرور الضوء عبر الغلاف الجوي لكوكب خارج المجموعة الشمسية أثناء عبوره أمام نجمه أو في الحالات القليلة التي حدث فيها التصوير المباشر، ويمكن دراسة الضوء المنعكس من الغلاف الجوي لكوكب خارج المجموعة الشمسية.
ويتعلق الكثير من هذا بحدود تلسكوباتنا الحالية، التي لا تتمتع بالدقة اللازمة لرصد الكواكب الصخرية الأصغر التي تدور بالقرب من نجمها.
ويعتقد علماء الفلك وعلماء الأحياء الفلكية أن هذه الكواكب هي التي من المرجح أن تكون صالحة للسكن، ولكن أي ضوء ينعكس من أسطحها وأجوائها يتغلب عليه الضوء القادم من نجومها.
ومع ذلك، سيتغير ذلك قريبا عندما تنتقل أدوات الجيل التالي مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) إلى الفضاء.
تقول سارة سيجر، أستاذة الفيزياء وعلوم الكواكب بمعهد ماساتشوستس في تقرير نشره موقع (الكون اليوم) يوم 2 أبريل (نيسان) «مع الإطلاق القادم في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 لتلسكوب جيمس ويب الفضائي، أنه سيكون لدينا أول قدرة على البحث عن غازات ذات بصمة حيوية، لكنها ستكون صعبة لأن إشارات الغلاف الجوي للكوكب الصخري الصغير ضعيفة جدًا».

تلسكوب فضائي

وبمجرد نشره وتشغيله، سيكون تلسكوب جيمس ويب الفضائي قادرًا على مراقبة كوننا بأطوال موجية أطول (في نطاق الأشعة تحت الحمراء القريبة والمتوسطة) وبحساسية محسنة بشكل كبير. وسيعتمد التلسكوب أيضًا على سلسلة من أجهزة الطيف للحصول على بيانات التكوين، بالإضافة إلى قدرات خاصة لحجب الضوء الغامض للنجوم الأم، وستساعد هذه التقنية علماء الفلك في توصيف الغلاف الجوي للكواكب الصخرية الصغيرة.
وستسمح هذه البيانات للعلماء بوضع قيود أكثر صرامة على قابلية كوكب خارج المجموعة الشمسية للسكن وقد تؤدي إلى اكتشاف البصمات الحيوية المعروفة والمحتملة.
وتشمل البصمات المعروفة غاز الأكسجين (O2)، وهو ضروري لمعظم أشكال الحياة على الأرض وينتج عن طريق الكائنات الحية الضوئية (النباتات والأشجار والبكتيريا الزرقاء وما إلى ذلك)، هذه الكائنات الحية نفسها تستقلب ثاني أكسيد الكربون (CO2)، الذي تنبعث منه الحياة التي تعمل على استقلاب الأكسجين كمنتج نفايات، وهناك أيضاً ماء (H2O)، وهو ضروري لجميع أشكال الحياة كما نعرفها، والميثان (CH4)، الذي ينبعث من المواد العضوية المتحللة.
ونظرًا لأنه يعتقد أن النشاط البركاني يلعب دورًا مهمًا في قابلية الكواكب للسكن، فإن المنتجات الثانوية الكيميائية المرتبطة بالبراكين، مثل كبريتيد الهيدروجين (H2S)، وثاني أكسيد الكبريت (SO2)، وأول أكسيد الكربون (CO)، وغاز الهيدروجين (H2)، وما إلى ذلك - هي أيضًا تعتبر التوقيعات الحيوية.
وإلى هذه القائمة، رغبت سيجر وزملاؤها في إضافة بصمة حيوية أخرى محتملة، وهي (الأيزوبرين).
تقول سيجر: «تركز مجموعتنا البحثية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على استخدام نهج شامل لاستكشاف جميع الغازات المحتملة كغازات حيوية محتملة، أدى عملنا السابق إلى إنشاء قاعدة بيانات لجميع الجزيئات الصغيرة، وشرعنا في تصفية قاعدة بيانات لتحديد الغازات المرشحة الأكثر منطقية، ومن بينها الأيزوبرين».
ومثل ابن عمه الميثان، فإن الأيزوبرين عبارة عن جزيء هيدروكربوني عضوي يتم إنتاجه كمستقلب ثانوي بواسطة أنواع مختلفة هنا على الأرض، بالإضافة إلى الأشجار المتساقطة الأوراق، وينتج الأيزوبرين أيضًا عن طريق مجموعة متنوعة من الكائنات الحية التطورية البعيدة - مثل البكتيريا والنباتات والحيوانات.
وتضيف: «هذا يجعل الأيزوبرين واعدًا باعتباره توقيعًا حيويًا محتملاً، مما يشير إلى أنه قد يكون نوعًا من اللبنات الأساسية التي قد تصنعها الحياة في مكان آخر أيضًا».
وفي حين أن الأيزوبرين وفير مثل الميثان هنا على الأرض، يتم تدمير الأيزوبرين بالتفاعل مع الأكسجين، لذلك فإنه وفقاً للنتائج التي توصلوا إليها، فإن الكوكب البدائي (حيث تبدأ الحياة في الظهور) سيكون به أيزوبرين وفير في غلافه الجوي.
وبينما تحظى المهام الفلكية إلى الكواكب المعروفة مثل كوكب المريخ باهتمام إعلامي وعلمي، يتوقع الدكتور علاء النهري، نائب رئيس المركز الإقليمي لتدريس علوم وتكنولوجيا الفضاء بالأمم المتحدة، أن تحظى مثل هذه الدراسات – قريبا - باهتمام لا يقل عن دراسات المريخ.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «السبب الرئيسي في التركيز على المريخ هو أنه يحمل مؤشرات تشير إلى وجود مقومات الحياة، والعثور على أي من مقومات الحياة بهذه الكواكب التي يبلغ عددها 4 آلاف و375 كوكبا، سيجذب لها الاهتمام».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً