مقابلة مسربة تكشف توتراً بين ظريف و«الحرس الثوري»

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والقائد السابق لـ«فيلق القدس» قاسم سليماني (أرنا)
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والقائد السابق لـ«فيلق القدس» قاسم سليماني (أرنا)
TT

مقابلة مسربة تكشف توتراً بين ظريف و«الحرس الثوري»

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والقائد السابق لـ«فيلق القدس» قاسم سليماني (أرنا)
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والقائد السابق لـ«فيلق القدس» قاسم سليماني (أرنا)

في توقيت حساس، أزاح تسجيل صوتي جديد الستار عن انتقادات حادة يوجهها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف إلى سيطرة العسكريين في المؤسسة الحاكمة، وخاصة تدخلات قاسم سليماني، المسؤول السابق للعمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، وتأثير الدور الإقليمي على تقويض الدبلوماسية الإيرانية.
وينتقد ظريف فرض سياسات «الحرس الثوري» على السياسة الخارجية، واصفاً العلاقة بين الجهازين العسكري والدبلوماسي بـ«الحرب الباردة»، قائلاً: «لقد أنفقت الدبلوماسية على الساحة أكثر من إنفاق الساحة على الدبلوماسية»، في إشارة صريحة إلى تأثر الوزارة الخارجية بالأنشطة الإقليمية لـ«الحرس الثوري» وخاصة قائد «فيلق القدس» الذي قضى بضربة جوية أميركية، في بغداد، مطلع العام الماضي.
جاء ذلك، في تسجيل صوتي أتاحته، قناة «إيران اينترنشنال» الإخبارية، أمس، لأول مرة عبر موقعها الإلكتروني، من مقابلة صحافية تمتد لثلاث ساعات، يرد فيها ظريف على أسئلة خبير الشؤون الاقتصادية المؤيدة لإدارة حسن روحاني، الإصلاحي سعيد ليلاز، على أن تنشر في وسائل الإعلام بعد انتهاء فترة الحكومة الحالية مطلع أغسطس (آب) المقبل.
وهذه أول مرة تنشر تصريحات من هذا النوع على لسان وزير الخارجية، بعد إعلانه عن تقديم استقالته في 25 فبراير (شباط) 2019، والتي تراجع عنها بعد تحفظ (المرشد) علي خامنئي ورفض الرئيس حسن روحاني.
وجاءت استقالة ظريف بعد ساعات من زيارة خاطفة قام بها الرئيس السوري بشار الأسد، إلى طهران، ورافقه الجنرال سليماني قبل أن يعلم ظريف مثل غيره من الإيرانيين، بعد ساعات من عودة الأسد إلى دمشق.
وفي اللقاء الجديد، ينتقد ظريف أفضلية العسكريين على الدبلوماسيين، ويقول في هذا الصدد إن «الساحة أولوية للنظام»، وأقر وزير الخارجية الإيراني بتنامي الدور الإقليمي بعد التوصل إلى الاتفاق النووي لعام 2015 ورفع العقوبات «لكي نتقدم في العمل الميداني بعد الاتفاق النووي، أنفقنا الكثير» واعتبر حصته من صناعة السياسة الخارجية «صفرا»، وقال: «سياسة الساحة يجب أن تتبع استراتيجية البلاد، لكن لم تكن كذلك، والساحة هي من تقرر كيف تكون سياسة البلاد».
وأشار ظريف إلى أحداث عديدة وقعت على مدى ستة أشهر امتدت من إعلان الاتفاق النووي في فيينا، في يوليو (تموز) 2015، إلى تنفيذ الاتفاق في يناير (كانون الثاني) 2016، ومنها الهجوم على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران.
وكذلك، أول زيارة قام بها سليماني إلى موسكو خلال تلك الفترة، قائلاً إن «الزيارة كانت بطلب روسي ومن دون تحكم الوزارة الخارجية»، في إطار «القضاء على إنجاز الوزارة الخارجية (الاتفاق النووي)».
ومع ذلك، يشير ظريف إلى مسايرته لسياسة سليماني، بقوله: «لن أتمكن في أي وقت من فترة عملي، أن أقول لقائد الساحة أن يقوم بعمل لأنني بحاجة إليه في الدبلوماسية». وأضاف: «في كل مرة ذهبت فيها إلى التفاوض، كان سليماني من يقول أريد منك الحصول على هذه الميزة أو النقطة. لقد كنت أتفاوض من أجل الساحة».
ويشير ظريف إلى تدخلات سليماني في مفاوضاته مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قائلاً إن «سليماني يسلمه قائمة من الامتيازات التي يريد الحصول عليها». وحول ما إذا كان سليماني قد أبلغ ظريف بأنه على استعداد للقيام بعمل تحتاجه الدبلوماسية، قال: «لا لم يحصل هذا». وقال: «إذا طلبت منه (سليماني) ألا يستخدم الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير) في طريق سوريا، أثناء المواجهات العسكرية، لم يتنازل». وفي لقاء آخر، طلب ظريف من سليماني أن يستخدم خطوط طيران «ماهان» لكن الأخير أبلغه بأن «الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير) أكثر أماننا».
وتابع ظريف: «قال (سليماني) لأن الساحة هي الأصل، يجب استخدام خطوط إيران إير بدلاً من ماهان حتى أو كانت نسبة الأمان 2 في المائة أكثر، حتى لو أضرب 200 في المائة بالدبلوماسية».
وفي جزء آخر من تصريحاته، يسرد ظريف تفاصيل مكالمة هاتفية جرت بينه وبين نظيره في الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، في مايو (أيار) 2017، حذر فيها الأخير من زيادة رحلات الخطوط الجوية الإيرانية إلى سوريا، ستة أضعاف. وهي معلومة كان يجلها وزير الطرق الإيراني حينذاك، عباس إخوندي، بحسب ظريف.
ورداً على سؤال حول الخلفية العسكرية لسفراء إيران في المنطقة، وتدخلات الأجهزة الأمنية في السياسة الخارجية، قال إن «معظم هيكل وزارتنا الخارجية، أمني»، مضيفاً أن «مجموعة في بلادنا تريد أن يصبح كل شيء أمنياً، لديهم مصالح لأن دورهم يبرز»، موضحا أن «هذه الأقلية لديها القدرة على تدهور الأوضاع وإثارة موجة واسعة».
وبشأن تأثير العسكريين على قرار الحكومة، قال: «عندما الساحة (العسكرية) تتخذ القرار هكذا تكون النتيجة» وتابع: «عندما يريدون سيطرة الساحة على استراتيجية البلاد، هذا ما يحدث، يمكنهم التلاعب بنا».
ويأتي التسجيل الصوتي بينما تداول اسم وزير الخارجية الإيراني في الأيام الأخيرة بين المرشحين المحتملين للتيار الإصلاحي، في الانتخابات الرئاسية، المقررة في 18 يونيو (حزيران) المقبل.
ومن شأن التسجيل الصوتي أن يعرض ظريف لمزيد من الضغوط الداخلية، بينما يسابق فريقه الزمن في مفاوضات فيينا الرامية لإحياء الاتفاق النووي، ورفع العقوبات عن إيران مقابل عودة واشنطن إلى الاتفاق.



تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)

أشعل رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس توتراً جديداً مع تركيا، بعد أشهر من الهدوء تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة للبناء على الأجندة الإيجابية للحوار بين البلدين الجارين.

وأطلق ميتسوتاكيس، بشكل مفاجئ، تهديداً بالتدخل العسكري ضد تركيا في ظل عدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل بشأن قضايا المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

تلويح بالحرب

نقلت وسائل إعلام تركية، السبت، عن ميتسوتاكيس قوله، خلال مؤتمر حول السياسة الخارجية عُقد في أثينا، إن «الجيش يمكن أن يتدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر». وأضاف: «إذا لزم الأمر، فسيقوم جيشنا بتنشيط المنطقة الاقتصادية الخالصة. لقد شهدت أوقاتاً تدخّل فيها جيشنا في الماضي، وسنفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكنني آمل ألا يكون ذلك ضرورياً».

رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس (رويترز - أرشيفية)

ولفت رئيس الوزراء اليوناني إلى أنه يدرك أن وجهات نظر تركيا بشأن «الوطن الأزرق» (سيطرة تركيا على البحار التي تطل عليها) لم تتغير، وأن اليونان تحافظ على موقفها في هذه العملية. وقال ميتسوتاكيس: «في السنوات الأخيرة، زادت تركيا من نفوذها في شرق البحر المتوسط. قضية الخلاف الوحيدة بالنسبة لنا هي الجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. إنها مسألة تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعلينا أن نحمي جرفنا القاري».

من ناحية أخرى، قال ميتسوتاكيس إن «هدفنا الوحيد هو إقامة دولة موحّدة في قبرص... قبرص موحّدة ذات منطقتين ومجتمعين (تركي ويوناني)، حيث لن تكون هناك جيوش احتلال (الجنود الأتراك في شمال قبرص)، ولن يكون هناك ضامنون عفا عليهم الزمن (الضمانة التركية)».

ولم يصدر عن تركيا رد على تصريحات ميتسوتاكيس حتى الآن.

خلافات مزمنة

تسود خلافات مزمنة بين البلدين الجارين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجرف القاري، وتقسيم الموارد في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن النزاعات حول جزر بحر إيجه.

وتسعى اليونان إلى توسيع مياهها الإقليمية إلى ما هو أبعد من 6 أميال، والوصول إلى 12 ميلاً، استناداً إلى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982 التي ليست تركيا طرفاً فيها.

وهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من قبل، مراراً، بالرد العسكري على اليونان إذا لم توقف «انتهاكاتها للمياه الإقليمية التركية»، وتسليح الجزر في بحر إيجه. وأجرت تركيا عمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في عام 2020 تسبّبت في توتر شديد مع اليونان وقبرص، واستدعت تحذيراً وعقوبات رمزية من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع تركيا وتسحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» في صيف العام ذاته.

سفن حربية تركية رافقت سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» خلال مهمتها في شرق المتوسط في 2020 (الدفاع التركية)

وتدخل حلف «الناتو» في الأزمة، واحتضن اجتماعات لبناء الثقة بين البلدين العضوين.

أجندة إيجابية وحوار

جاءت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة له خلال مناقشة البرلمان، الثلاثاء، موازنة الوزارة لعام 2025، أن تركيا ستواصل العمل مع اليونان في ضوء الأجندة الإيجابية للحوار.

وقال فيدان إننا «نواصل مبادراتنا لحماية حقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية، ونحمي بحزم حقوقنا ومصالحنا في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، ​​سواء على الأرض أو في المفاوضات».

وعُقدت جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان، في أثينا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية ألكسندرا بابادوبولو.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

وذكر بيان مشترك، صدر في ختام الاجتماع، أن الجانبين ناقشا مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وقاما بتقييم التطورات والتوقعات الحالية؛ استعداداً للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى، التي ستُعقد في تركيا العام المقبل.

ولفت البيان إلى مناقشة قضايا إقليمية أيضاً خلال الاجتماع في إطار العلاقات التركية - الأوروبية والتطورات الأخيرة بالمنطقة.

وجاء الاجتماع بعد زيارة قام بها فيدان إلى أثينا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكد البلدان خلالها الاستمرار في تعزيز الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لا أرضية للتوافق

وقال ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحافي عقده بعد القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في بودابست في 9 نوفمبر، إن الحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين بلاده وتركيا سيكون في مصلحة شعبيهما.

وأشار إلى اجتماع غير رسمي عقده مع إردوغان في بودابست، مؤكداً أن هدف «التطبيع» يجب أن يكون الأساس في العلاقات بين البلدين، وتطرق كذلك إلى المحادثات بين وزيري خارجية تركيا واليونان، هاكان فيدان وجيورجوس جيرابيتريتيس، في أثنيا، قائلاً إنه جرى في أجواء إيجابية، لكنه لفت إلى عدم توفر «أرضية للتوافق بشأن القضايا الأساسية» بين البلدين.

وزير الخارجية اليوناني يصافح نظيره التركي في أثينا خلال نوفمبر الماضي (رويترز)

وسبق أن التقى إردوغان ميتسوتاكيس، في نيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكد أن تركيا واليونان يمكنهما اتخاذ خطوات حازمة نحو المستقبل على أساس حسن الجوار.

وزار ميتسوتاكيس تركيا، في مايو (أيار) الماضي، بعد 5 أشهر من زيارة إردوغان لأثينا في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023 التي شهدت عودة انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بعدما أعلن إردوغان قبلها بأشهر إلغاء المجلس، مهدداً بالتدخل العسكري ضد اليونان بسبب تسليحها جزراً في بحر إيجه.