«اعتصام بالسلم الخماسي»... لإنعاش ذاكرة الأجيال السودانية

المخرج الطيب مهدي
المخرج الطيب مهدي
TT

«اعتصام بالسلم الخماسي»... لإنعاش ذاكرة الأجيال السودانية

المخرج الطيب مهدي
المخرج الطيب مهدي

«قادرون على البناء» هو العنوان العريض الذي يمكن استخلاصه من فيلم «اعتصام بالسلم الخماسي» الذي يحكي قصة اعتصام السودانيين أمام بوابة الجيش إبان ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019. تبدأ لقطاته الأولى بصور الشهداء، وأصوات الشباب الحالمين بالحرية وهم يهتفون ضد نظام استبدادي، وجموع البشر الذين امتلأت بهم ساحات الاعتصام والأزقة المجاورة وهم يغنون للوطن.
يأخذنا الفيلم، عبر التعليق الصوتي، لمشاهد تحركات الجموع التي يحدوها الأمل في ولادة عهد جديد. وعن طريق «ثيمات» متعددة، يتناول عدداً من الموضوعات والأحداث داخل دائرة الاعتصام التي جسدت مدينتهم الفاضلة والدولة التي يحلمون بها، ومن أجلها استخدموا مختلف الفنون والتشكيل والدراما والموسيقي والغناء والشعر للتعبير عن وطنهم وثورتهم.
يتنقل الفلم بمشاهديه طوال 86 دقيقة بين ساحات الاعتصام ووجوه الثوار، ويتوقف مطولاً عند جمهورية «أعلى النفق» التي رسمها الشباب عند نفقي الجامعة وهم يطرقون على مساري خط السكة الحديد أعلى النفق، بإيقاعات سودانية متنوعة، تقول في مجملها «نحن هنا»، وليس لنا مطلب سوى الحرية.
ويعد «اعتصام بالسلم الخماسي» أول فيلم وثائقي لواحد من مراحل الثورة السودانية، وهو من إنتاج «مجموعة الفيلم السوداني»، تحت إشراف السيناريست المخرج الطيب مهدي.
وفي حديثة لـ«الشرق الأوسط»، يروي الطيب مهدي فكرة الفيلم، ويقول: «حين بدأ الاعتصام أمام القيادة، اندفع كثير من الفنانين والمصورين للمشاركة بأدواتهم في صناعة الحدث... ذهبت معهم إلى هناك أحمل كاميرتي، ولحظتها بدأت تتشكل فكرة الفيلم»، ويتابع: «في البداية، كنت أفكر بفيلم قصير، لكن مع تنامي الاعتصام وتحوله إلى حياة كاملة، ومع تحول المكان من شوارع ليس بها إمكانية للعيش إلى بلدة تضج بالحياة، تغيرت الفكرة إلى توثيق إبداع ورغبات هؤلاء الشباب، ومع تنامي موضوعات الفكرة تحول العمل إلى فيلم طويل».
ويوضح مهدي أن دافعه لصناعة الفيلم هو مسؤولية التوثيق للحدث التاريخي المهم، ويضيف: «هذا الفعل الناجز في التاريخ السوداني المعاصر، وما أفرزه من تداعيات إنسانية وأخلاقية عالية، شارك فيها الرجال والنساء ليقدموا للعالم تجربة في الثورة، هو الذي دفعني وألهمني الفكرة».
ويشير إلى أن الفيلم يحكي طوال 86 دقيقة كيف استطاع المعتصمون تأسيس «مدينة فاضلة» في المكان المريع، وتحويله من ثكنة عسكرية إلى محل للإبداع والفعل المغاير، وما تخلله من تدابير يومية، والتضامن والتعاون والأريحية، وانتفاء الأنا والآخر، بين المعتصمين الذين تحولوا إلى أنا وطنية واحدة حاولت تجسيد الدولة المنشودة في المكان.
يقول مهدي إن بطل الفيلم هو «الشعب السوداني»، لكنه في الوقت ذاته يفرد مساحة كبيرة للأطفال الذين توافدوا لمكان الاعتصام، وأعطوه حيوية خاصة، لذلك رأينا أن يتزامن إطلاقه مع ذكرى الاعتصام في 6 أبريل (نيسان) 2019.
وأطلق مهدي على فيلمه اسم «اعتصام بالسلم الخماسي»، استناداً إلى الدور الذي لعبته الموسيقى في صناعة الحدث، ويقول: «الموسيقى السودانية كانت من أهم أدوات التعبير، وبدت شديدة الجاذبية محرضة على مواصلة الاعتصام حتى تحقيق الهدف»، ويضيف: «الاسم كذلك يحاول التذكير بأن موسيقى السودان تلعب على السلم الخماسي».
عرض الفيلم أول مرة في المسرح القومي بأم درمان، وينتظر عرضه في عدد من منصات العرض الأخرى، في وقت أغلق فيه النظام المعزول أكثر من 60 دار سينما في البلاد كانت تمثل مركزاً للاستنارة، ولربما لتحفيز مؤسسات الثقافة الرسمية لإعادة مسلوبات السينما السودانية.
وتخرج مخرج الفيلم الطيب مهدي في المعهد العالي للسينما بالقاهرة، وعمل مخرجاً في قسم السينما بمصلحة الثقافة السودانية، ثم أستاذاً لفن السينما بكلية الموسيقي والدراما، ورئيساً لجماعة الفيلم السوداني، ومن أشهر أفلامه فيلم «الضريح» الذي نال جائزة مهرجان قليبية بتونس 1989، وفيلم «المحطة» الفائز بجائزة مهرجان أوبرهاوزون بألمانيا وجائزة مهرجان قرطاج السينمائي وجائزة مهرجان فسباكو ببوركينا فاسو وجائزة مهرجان دمشق بسوريا، إضافة إلى فيلمي «عيال المطمورة» و«حميد» التسجيليين.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».