«الغزوة القضائية» لمكاتب «مكتف» من معالم انهيار الدولة في لبنان

شكلت انقلاباً على الدستور ونُظمت لخدمة باسيل للثأر من خصومه

TT

«الغزوة القضائية» لمكاتب «مكتف» من معالم انهيار الدولة في لبنان

يقول قطب سياسي إن إصرار المحامية الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، على اقتحام مكاتب شركة «مكتف» للصيرفة وشحن الأموال إلى خارج لبنان، في عوكر، على مقربة من المقر العام للسفارة الأميركية في لبنان، ضاربة عرض الحائط بالقرار الذي اتخذه مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة التمييزية وهيئة التفتيش القضائي، بكف يدها عن متابعة الملف لمصلحة القاضي سامر ليشع، مستفيدة من «فائض القوة» الذي استمدته من رئيس الجمهورية ميشال عون و«التيار الوطني الحر» الذي وفر لها الغطاء السياسي للتمرد على السلطات القضائية، ما هو إلا من المعالم الأخيرة لانهيار مشروع الدولة.
ويؤكد القطب السياسي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، أن «مسرحية عوكر» التي نفذتها القاضية عون في «غزوة قضائية» غير مسبوقة مدعومة مما يسمى بمجموعة «المتحدون»، التي هي الوجه الآخر لـ«التيار الوطني»، ما هي إلا نتاج لاستنكاف الرئيس عون التوقيع على التشكيلات القضائية، رغم أنه مضى على إيداعها القصر الجمهوري أكثر من عام، ولم تفلح الاتصالات في إقناعه بضرورة الإفراج عنها للحفاظ على استقلالية القضاء، وعدم إقحامه في زواريب التجاذبات السياسية.
ويلفت إلى أن عون لم يستجب لمراجعة مجلس القضاء الأعلى لدفعه إلى التوقيع على التشكيلات القضائية، مع أنه ألح عليها في اجتماعاته المتكررة التي جمعته بوزيرة العدل ماري كلود نجم، ويعزو السبب إلى إصراره على عدم نقل القاضية عون من مركزها إلى مركز آخر، بذريعة أنها المؤهلة لمكافحة الفساد وهدر المال العام، وبالتالي فهو يصر على ترحيل التشكيلات إلى ما بعد الانتهاء من مهامها في هذا الخصوص.
ويرى القطب السياسي أن ما حصل داخل مكاتب «مكتف» للصيرفة لا يتعلق بتشكيل الحكومة، ولا بإصرار عون ومن خلفه وريثه السياسي جبران باسيل على الثلث الضامن في الوزارة، وإنما لجنوح فريقهما السياسي باتجاه وضع اليد على البلد والإمساك بزمام المبادرة فيه، مع أن تشكيلها يبقى النافذة الوحيدة للانتقال بالبلد من مرحلة التأزم إلى مرحلة التعافي الاقتصادي والمالي شرط الالتزام بالمبادرة الفرنسية نصاً وروحاً، وعدم تجويفها من مضامينها الإصلاحية، ومن الإطار العام الذي يوفر للحكومة العتيدة الدعم الدولي.
ويعتبر أن التمرد على قرارات السلطات القضائية من قبل القاضية عون وبموقف مريع من وزيرة العدل، التي ساوت في بيانها بين الاستعصاء على هذه القرارات وبين إجبارها على الالتزام بها، فيما لم يحرك رئيس الجمهورية ساكناً، وكذلك الحال بالنسبة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الغائب كلياً عن السمع، بينما بادر التيار الوطني إلى إرسال قوة «بشرية محمولة» لمساندتها للمضي في تمردها.
ويؤكد أن تمرد القاضية عون، وإن كان يستهدف تعطيل المحاولات الرامية لتشكيل الحكومة، فإن من يقف خلف تمردها، ويوفر لها كل أشكال الدعم اللوجيستي والسياسي يسعى جاهداً لتعليق العمل بالدستور واتفاق الطائف والالتزام بتطبيق القرارات الدولية في محاولة مكشوفة لوضع يده على البلد من دون أن يخضع للمساءلة، ويتصرف على أنه الحاكم بأمره على غرار النهج الذي اتبعه أثناء توليه رئاسة الحكومة العسكرية، في إشارة مباشرة إلى تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية حيال عدم مبادرته إلى تطويق ما ارتكبته القاضية عون.
ويقول بأن مجرد إمعانه في تعليق العمل بالدستور يعني حكماً الانقلاب على الناظم الوحيد للعلاقات بين الطوائف اللبنانية والاستعاضة عنه بفائض القوة الذي يستمده من حليفه «حزب الله»، الذي أخفق في إقناع عون وباسيل بالسير قدماً إلى الأمام في التسوية السياسية التي توفرها المبادرة الفرنسية، ويحاول رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إنقاذها، وإنما لا جدوى من محاولاته لأن حليفه أي «حزب الله» لا يزال يراعي حليفه الآخر باسيل.
وبالنسبة إلى تعليق العمل باتفاق الطائف يعني - كما يقول القطب السياسي - أن هناك من يضغط لعزل لبنان عن محيطه العربي وصولاً إلى إلحاقه بـ«محور الممانعة» بقيادة إيران، وإلا فما هو المبرر لزجه في صدامات مع معظم الدول العربية حالت دون حصوله على مساعدات مالية واقتصادية من الدول القادرة فيه، كما كان يحصل في السابق.
ويحذر من عدم التزام لبنان بالقرارات الدولية، لأن البديل الآخر سيؤدي حتماً إلى المساس بحدوده الدولية، أكانت مع سوريا أو إسرائيل، ويسأل: لماذا تُركت قيادة الجيش وحيدة في مفاوضات لبنان مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية، وإيجاد تسوية للنزاع الدائر حول المناطق البحرية المتداخلة، مع أن الوفد العسكري المفاوض في المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة، وبوساطة أميركية، لم يحرك ساكناً من دون العودة إلى رئيس الجمهورية الذي وافق استجابة لطلب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل، على تسهيل معاودة المفاوضات.
وفي هذا السياق، يسأل القطب السياسي: لماذا تُرك الوفد العسكري وحيداً؟ وهل طرح إدخال التعديلات على المرسوم 6433 بزيادة حصة لبنان في المساحات البحرية، من رأسه ومنفرداً من دون تناغمه مع المنسق العام للمفاوضات، أي الرئيس عون؟ وما مدى صحة ما يتردد بأنه كان لمستشاره الوزير السابق سليم جريصاتي دور في إقناعه بتسهيل المفاوضات، ليمرر رسالة إلى واشنطن يتوخى منها إعلامها بالملموس بأن التهم الموجهة إليه بالتحريض لتعطيل تشكيل الحكومة والمفاوضات ليست في محلها؟
كما يسأل عن امتناع لبنان عن التواصل مع النظام في سوريا، للبحث في ترسيم الحدود البرية بين البلدين، وإن كان قرر التواصل مع دمشق بعد أن أُعلم رسمياً بأن شركة روسية تستعد للتنقيب في المنطقة البحرية المتداخلة شمالاً بطلب من الحكومة السورية، في محاولة لتطويق ردود الفعل المحلية حيال استعداد هذه الشركة للتنقيب عن النفط والغاز في المساحات البحرية المشتركة.
لذلك فإن القطب السياسي يؤكد أن تمرد القاضية عون لم يكن عفوياً، وأن من يغطيها يريد أن يأخذ البلد إلى مكان آخر، ليس لصرف الأنظار عن تشكيل الحكومة فحسب، وإنما ليضغط على خصومه للتسليم بشروطه لتعويم باسيل، خصوصاً أن «العهد القوي» لم يعد لديه ما يخسره، وبات همه الوحيد يكمن في إنقاذ وريثه السياسي.
وعليه، فإن القطب السياسي إياه يحمل عون مسؤولية الإطباق على مبادرة بري في ظل امتناع «حزب الله» عن الضغط عليه، وبالتالي فإن الأفق السياسية تزداد انسداداً في وجه تشكيل الحكومة.
ويؤكد بأن القاضية عون لم تتصرف بهذه الطريقة إلا بعد أن حصلت على ضوء أخضر يراد منه تلطيخ سمعة خصوم باسيل بعد أن أُقفلت الأبواب في وجه المحاولات الهادفة إلى تبييض «سجله» لدى واشنطن لرفع العقوبات الأميركية المفروضة عليه، علماً بأنه لم يسبق للبنان في عز اندلاع الحرب الأهلية أن شهد ما يشهده اليوم لاستخدام القضاء في تصفية الحسابات ثأراً لما أصاب باسيل الذي يشرف من خلال تياره على تنظيم المعارك ضد خصومه من «غرفة الأوضاع» التي استحدثت أخيراً، ومقرها في المقر العام لـ«التيار الوطني» في سنتر «ميرنا الشالوحي».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.