شاشات: «غسق»... دراما رمضانية عن «داعش سرت» تُواجَه باعتراضات

كانت رائحة الموت تفوح في كل جنبات شوارع وميادين سرت الساحلية؛ فتنظيم «داعش» الإرهابي قد احتل المدينة الليبية قرابة عامين، وأعمل في رجالها الخطف والقتل، وفي نسائها السبي، إلى أن تمكنت قوات «البنيان المرصوص» بغرب ليبيا من طرده مع نهاية عام 2016.
جانب من فصول هذه الفترة العصيبة التي عاشتها ليبيا يجسده مسلسل «غسق» الذي استهل أولى حلقاته مع بداية شهر رمضان، ويتناول بشكل مكثف، كيف وضع التنظيم الإرهابي رقاب الجميع تحت مقصلته؟ وإلى أي مدى نجحت القوات الليبية في دحر عناصره وتصفية بعضهم؟
والمسلسل، الذي أخرجه أسامة رزق، وأنتجه وليد اللافي، وكتبه سراج هويدي، رغم أنه يجسّد معاناة الليبيين مع الإرهاب، يواجه الآن انتقادات واعتراضات من محسوبين على عملية «البنيان المرصوص»، وأُسر بعض الذين قضوا في هذه المواجهات الدموية، تتعلق في جانب منها بأن العمل «لم يبرز بشكل كاف تضحيات المقاتلين في مواجهة عناصر التنظيم الذين أتوا من أقطار شتى»، لكنها في الأغلب اعتراضات تعكس قدراً من التجاذبات السياسية.
وجاء المسلسل، الذي يُعرض في عشر حلقات على قناة «سلام»، مجسداً تحركات التنظيم اليومية وفرض سيطرته على المدينة وجعلها معقلاً له، فالحلقتان الأولى والثانية حملتا اسمَي «رايات سوداء»، و«اغتيال حلم»، أما الثالثة والرابعة فحملتا اسم «سيوف وأعناق» و«نحو مصراتة»؛ وخرجت جميعاً بشكل يوثّق جرائم التنظيم في ذبح المواطنين في ساحات سرت. واستبق المعترضون عرض باقي حلقات المسلسل وزادوا في نقدهم ورفضهم لما يتناوله من أحداث، معللين ذلك بأنه اعتمد «فصل الأحداث عن سياقها التاريخي». كما طالبت كتيبة «بركان مصراتة» بوقف عرض العمل، لكن المخرج أسامة زرق رفض التعليق، على هذه الانتقادات، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن المركز الإعلامي لعملية «البنيان المرصوص» هو ما يمكنه التصريح فقط.
وعبرت «كتيبة البركان» بمصراتة عما اسمه «خيبة أملها» بشأن إعداد مسلسل يتناول «بطولات» قواتها على هذا النحو، وقالت في بيان سابق: إن «آمر غرفة عملية (البنيان المرصوص) اللواء بشير القاضي، توصل في اجتماعاته مع أمراء المحاور بخصوص مسلسل (غسق) إلى أن الغرفة لم تصدر أي موافقة بإنتاج أو تصوير عمل يجسد عملية (البنيان المرصوص)، كما نتحفظ بخصوصية حقوق الطبع والنشر ونرفض أي عمل يجسد العملية إلا بإذن من آمر العملية وأمري المحاور، مشيرة إلى أن الغرفة اتخذت «مجموعة من الإجراءات القانونية حيال هذا المسلسل».
ورأت أن الغرفة «لم تعلم بهذا العمل، إلا بعد استضافتنا وإجراء لقاءات مع بعض أمراء المحاور والقادة، ولم نشارك فيه بإعطاء أي معلومة أو قصة تحكي ما حدث». وانتهت الكتيبة إلى أن مسلسل «غسق» «لم يعط حق المقاتلين المشاركين في ملحمة (البنيان المرصوص)، ولم يظهر إلا جزءاً بسيطاً وقليلاً مقارنة بالأعمال الإجرامية الوحشية لتنظيم (داعش) الذي أرهب الليبيين والعالم بأسره خلال فترة من الزمن».
وفي حين قالت «‏كتيبة البركان مصراتة‏»، إن الاجتماعات متواصلة بقصد وقف المسلسل، واتهمت تابعين لعملية «البنيان المرصوص» بـ«التراخي والمراوغة»، دون تسميتهم، في مواجهة المسلسل والتصدي لعرضه. وقناة «سلام» يترأسها وليد اللافي، وهو وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة «الوحدة الوطنية» بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
ويرى إعلامي ليبي، في حديث إلى «الشرق الأوسط» أمس، أن هذه «الاعتراضات تتمحور حول خلافات بينية داخل (البنيان المرصوص) بحيث يريد كل طرف أن يفرض رؤيته على العمل، أو يجد نفسه وقواته ممثَلين في العمل المعروض حالياً».
وقال الإعلامي، الذي رفض ذكر اسمه، إن العمل الدرامي «محكوم بزمن محدد بحيث لا يمكن للكاتب والمخرج أن يستعرضا كل الأحداث وجميع الأشخاص المشاركين بها»، متابعاً «شاهدت الحلقات الثلاث من مسلسل (غسق)، وأجدها مقنعة إلى حد كبير بالنظر إلى أحوال الدراما الليبية، وافتقادها إلى أدوات المنافسة». وعلى وقع موسيقى ألّفها الموسيقار الأردني طارق الناصر، صاحب مسلسلات «الجوارح» و«إخوة التراب» و«ملوك الطوائف»، يمضي المسلسل في تجسيد جانب من قطف رؤوس الرجال، وإذلال النساء وسبيهم، وإجبار الجميع على دفع الجزية، لكن لوحظ أن هناك استباقاً واضحاً لعرض المسلسل، فقبل أن يستهل أولى حلقاته مع بداية رمضان، ومع استعراض «البرومو» الترويجي له فقط، انهالت الاعتراضات عليه، عبر رسائل وصفت بأنها لأسر «الشهداء» الذين قضوا في مواجهة «داعش» يطالبون آمر عملية «البنيان المرصوص» بوقف المسلسل، بل إنهم قالوا إن العمل «مخالف للحقيقة مع وجود شخصيات جدلية به وعدم التواصل مع القادة الحقيقيين للعملية»!
وذهب آخرون، ومنهم الصحافي سالم الحريك، إلى أن مؤلف العمل «اقتطع سياقات تاريخية مهمة، ولحظات مفصلية في تاريخ مدينة سرت التي واجهت التنظيم، ليسير بها على هواه ووفق عواطفه».