الرياض.. عاصمة الصحراء قصة صمود

عين على هندسة «البيت السياسي» السعودي وأخرى على استقرار الإقليم

السعودية:«الإرهابيون سرقوا أهم الأشياء لدينا، أخذوا إيماننا وأطفالنا واستخدموهم لمهاجمتنا»
السعودية:«الإرهابيون سرقوا أهم الأشياء لدينا، أخذوا إيماننا وأطفالنا واستخدموهم لمهاجمتنا»
TT

الرياض.. عاصمة الصحراء قصة صمود

السعودية:«الإرهابيون سرقوا أهم الأشياء لدينا، أخذوا إيماننا وأطفالنا واستخدموهم لمهاجمتنا»
السعودية:«الإرهابيون سرقوا أهم الأشياء لدينا، أخذوا إيماننا وأطفالنا واستخدموهم لمهاجمتنا»

في أوائل عام 2011. بدايات ما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربي»، كان سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، يعقد مؤتمرا صحافيا في جدة، غرب السعودية. ويصرح بـ«أن من يشير بإصبعه تجاه السعودية سنقطعها له».
كان الفيصل يجيب عن سؤال حول احتمالية وجود تدخلات خارجية لزعزعة استقرار البلاد كما هي مؤشرات الحال في طلائع دول «الربيع العربي»، آن ذاك. كان «البيت السياسي» في الرياض، يوجه رسالة لا مواربة فيها إلى أن «عملاق الصحراء» السياسي والاقتصادي لن يتوانى عن استخدام ثقله، لخلق التوازن الإقليمي مقابل هذا الزلزال الذي يهدد الجغرافيا والأمن الوطني. مرت 4 سنوات من عمر هذا التصريح، وصمدت «الرياض» ضد رياح «ربيع المنطقة» الذي لم يكن سوى ديكور لامع لـ«ربيع أصولي» قطباه رمزي «الإسلام السياسي»، السني ممثلا في «الإخوان المسلمين» ومقابله الشيعي ممثلا في طهران، وما بينهما من حركات العنف المسلح المتطرفة، ومجاميع المرتزقة، وشذاذ الآفاق، الغرباء الذين لا أوطان لهم.

عبرت المنطقة أزمات سياسية كبرى في العقد الأخير. بدأت عندما استيقظ السعوديون مع العالم على مفاجأة 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية من تنظيم القاعدة. وكانت الصباحات الأمَرّ، تلك التي تلت تفجيرات مايو (أيار) 2003 وما تبعها من ملاحقات في كل جغرافيا المملكة انتهت إلى القضاء عليهم.
كان الجرح الوجداني للسعوديين عميقا، ليس من كون المهاجمين من أبنائهم فقط، بل ومن تشويههم لصورة «الإسلام» خاتم الأديان السماوية، ووصمه بالإرهاب.
«الإرهابيون سرقوا أهم الأشياء لدينا، أخذوا إيماننا وأطفالنا واستخدموهم لمهاجمتنا». قالها الأمير محمد بن نايف لريتشارد هولبروك، السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة، في عام 2008. بحسب تقرير نشر في «نيويورك تايمز» أخيرا.
السعودية اليوم، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أعادت هندسة «البيت السياسي» من الداخل، بقرارات تعيين الأمير مقرن وليا للعهد، وتعيين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد، وزير الداخلية الذي بزغ نجمه في العقد الأخير كأحد أبرز الوجوه السياسية في مكافحة الإرهاب.
أخيرا، في موقفين متتابعين، تؤكد فيهما الرياض على مواصلة الحرب على الإرهاب، عزّى الملك سلمان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في استشهاد الجنود في سيناء على أيدي الإرهابيين، وأعاد تأكيد وقوف الرياض مع القاهرة ضد من «يحاولون تعكير صفو» علاقتهما في مكالمة لاحقة بأيام.
> إرث التفاصيل السياسية
قبل شهور قليلة، كانت المواقع الإخبارية تضج بصور بعض نجوم «المفرقعات الإخوانية» إعلاميا، وهم يجرون عجلات حقائب سفرهم في مطار الدوحة، مغادرين عماراتها المتلألئة في خاصرة الخليج.
كنت تلك الصور المتناسلة كفيلة لدفع المراقبين للتنبه، ما هي إلا هوامش لبداية أكلاف باهظة على الدوحة تسديدها للإقليم، جراء دعمها وتبنيها لسرديات احتجاجات «الإسلام السياسي». هذه السرديات التي جعلت حتى تنظيم القاعدة ينظّر لـ«حقوق الإنسان» من خلال منبره قناة «الجزيرة»، المملوكة بالكامل للحكومة القطرية.
إرث الفوضى الذي عم جغرافيا العالم العربي، رأته القوى الإقليمية مبالغة قطرية في الرغبة في لعب دور أكبر من حجمها «الجغرافي»، هذا الإرث المعقد بالتفاصيل من الخليج إلى المغرب العربي مرورا ببلاد الشام، الذي أثقل كاهل قطر ودفعها إلى انتهاج سياسة أكثر تواضعا مع الشركاء الإقليميين والدوليين. التي انتهت باتفاقية «الرياض» الشهيرة، واقتضت عودة السفراء الخليجيين للدوحة.
«قد يستغرق الأمر سنوات كي تستعيد قطر تماما قدرا من الثقة بين الشركاء الإقليميين» بحسب كريستيان كوتس أولريشن زميل الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس.
ويضيف أولريشن في دراسة مطولة عن قطر و«الربيع العربي» نشرت في مركز كارنيغي للدراسات «إذا كانت قطر تسعى إلى استعادة سمعتها (وتحقيق الاستفادة القصوى) في مجال الوساطة بطريقة تتفوّق على قدرتها المؤسّسية المحدودة، فقد يحتاج المسؤولون في الدوحة إلى التراجع خطوة إلى الوراء والسماح للآخرين بتولّي زمام القيادة، وهو الأمر الذي قد لا يرغبون في القيام به».
الظل المجنح للرياض، امتد من مساندة القاهرة في انتفاضتها على حكم «الإخوان»، إلى مساندة الاستقرار في المنامة ضد حركات التمرد الطائفية، التي تقودها جمعية «الوفاق» البحرينية، ومرورا برفضها مقعد مجلس الأمن غير الدائم، الذي لم يتخذ موقفا حازما من التقتيل المنظم الذي يمارسه بشار الأسد ضد الشعب السوري، وقادت مبادرة مصالحة في اليمن، لكن أرادت أطراف أخرى أن تتحول صنعاء إلى دولة تمارس «ديمقراطية الميليشيات» بعد سيطرة الحوثي العسكرية عليها. وانتهاء بمشاركة القوات الملكية السعودية الجوية في توجيه ضربات، لتنظيم داعش، ضمن حلف دولي لوقف تقدم هذا التنظيم ذي الأدبيات البربرية، القادمة من العصور الوسطى الروحية.
> الرياض.. ومحور الاعتدال 2
قبل ساعات الشفق الأخيرة من يوم 3 يوليو (تموز)، ظهر المشير عبد الفتاح السيسي على شاشة التلفزيون المصري، ليعلن عزل الدكتور محمد مرسي عن كرسي الرئاسة، بعد تخييره بين الامتثال للمطالب السياسية للحشود العارمة في ميادين القاهرة والتنحي، لكنه رفض الاثنين.
لم تمر دقائق على هبوط الليل، حتى جاء بيان الرياض الصادر باسم الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، باعتبار التحول في القاهرة رغبة شعبية يعلن وقوفه معها، كانت تلك أول نافذة ضوء سياسي تفتح على القاهرة الجديدة.
في ذات الوقت، قادت أبوظبي دبلوماسية نشطة في المنطقة ضد الإرهاب، وصعود موجات «الإسلام السياسي» من جماعات التطرف الديني أو جماعات العنف المسلح، مثل «الإخوان المسلمين» و«داعش» و«القاعدة»، التنظيمات التي تتشارك العواصم الثلاث آنفة الذكر وضعهم على قوائم «الإرهاب».
الرياض مارست العقلانية السياسية تجاه فوضى المنطقة، ووضعت ميليشيا حزب الله وتنظيمي «القاعدة» و«داعش» في سلة وحدة. وقفت مع مصر وتحملت كل الأكلاف السياسية جراء موقفها الصلب ضد الفوضى. أعلنت في بيانات رسمية احترام رغبات الشعوب في كل «الثورات» التي عبرت المنطقة دون استثناء، ساندت العراق في أكثر فترات هجوم المالكي عليها، وباركت الحكومة الجديدة رافضة أي تقسيمات سياسية طائفية، وفي الوقت ذاته الذي حمّلت المجتمع الدولي مسؤوليته الأخلاقية تجاه سوريا، لامت واشنطن على تفاهماتها النووية مع طهران الممول الأول والمتبني للميليشيات الشيعية في المنطقة. لم تنجر الرياض في مستنقع السياسة الطائفية، التي تغذيها أجندة «الإسلام السياسي» الشيعي المصدرة من طهران، العاصمة التي تعاني اليوم أزمات داخلية خانقة من جراء استثمارها في اقتصاديات الحرب والقضايا الخاسرة في المنطقة.
> تجديد هيكلة صناعة القرار
قبل أشهر قليلة، كتبت مجلة «أميركان إنترست» تقريرا مطولا عن «7 دول عظمى»، وصفته بالقراءة الذاتية للمجلة، لترتيب 7 قوى كبرى يمكن «أن تهز العالم». مع اعتمادها معايير متفاوتة، عسكرية، اقتصادية، سياسية، تتيح لها تشكيل بيئاتها الإقليمية والتأثير على النظام الدولي ككل.
وضعت المجلة، السعودية، في المرتبة السابعة، مبرزة دورها في الوقوف بجانب مصر، بطريقة أزعجت واشنطن، فضلا عن مهاراتها في هندسة اقتصادها النفطي عند انهيار السوق الذي أدى إلى تغير في سياسات دول العالم. وحربها الجادة والفعالة ضد الإرهاب.
في خضم تنامي هذا التأثير الاقتصادي والسياسي والأمني للسعودية في محيطها الإقليمي، اتخذ الملك سلمان أولى خطوات تجديد هندسة المعمار السياسي والاقتصادي في البلاد، بإقراره إنشاء مجلسي «الشؤون السياسية والأمنية» و«الشؤون الاقتصادية والتنمية». يرأس الأول الأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد، وزير الداخلية، فيما يرأس الثاني الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع.
وبحسب البيان الصادر عن مجلس الوزراء فـ«إن مجلس الشؤون السياسية والأمنية من ضمن مهامه تحديد التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بتلك الشؤون ومراجعة الاستراتيجيات والخطط السياسية والأمنية اللازمة لذلك، ومتابعة تنفيذها والتنسيق بينها».
بينما من مهام مجلس «الشؤون الاقتصادية والتنمية» أن يحدد «التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بالشؤون الاقتصادية والتنمية، ومراجعة الاستراتيجيات والخطط الاقتصادية والتنموية اللازمة لذلك، ومتابعة تنفيذها والتنسيق بينها».
الرياض العاصمة العربية الوحيدة ضمن مجموعة «دول العشرين» الاقتصادية، وهي المنظمة العالمية التي صنعت لمراعاة الثقل الاقتصادي الذي تتمتع به عواصم هذه الدول، تدشن عهدا جديدا، بقيادة الملك سلمان، بخيارات سياسية واقتصادية متعددة، ما يجعلها تبدو «ميناء آمنا» وسط محيط متلاطم، لا يبدو أنه سيهدأ قريبا.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»