من التاريخ: كابتن كوك

من التاريخ: كابتن كوك
TT

من التاريخ: كابتن كوك

من التاريخ: كابتن كوك

يعد المستكشفون من أكثر الشخصيات التي حظيت بالاهتمام والشهرة على المستوى الدولي، فكريستوفر كولومبس، على سبيل المثال، يعد أشهرهم، والكل يعرف قيمته التاريخية على الرغم من أنه لم يستكشف إلا جزءا صغيرا من القارة الأميركية، والشيء نفسه بالنسبة لكثير من المستكشفين، وعلى رأسهم أمريجو فيسبوتشي، الذي نسبت إليه تسمية القارة الأميركية، كذلك الرحالة الشهير ماركو بولو الذي ارتبط عصره باكتشاف «طريق الحرير» الذي ربط أوروبا بالصين في خط تجاري مهم للغاية لعب دورا كبيرا في تطوير العلاقات الدولية.
وفي هذا السياق، فإن أحد أهم المستكشفين في القرن الثامن عشر كان الكابتن جيمس كوك، هذا الرجل الذي شهد له التاريخ بأنه كان من أكثر الناس الذين أثرت اكتشافاتهم الجغرافية في السياسة الدولية، حيث إنه مسؤول عن اكتشاف قرابة ثلث الأرض المعروفة آنذاك من خلال رحلاته الثلاث الممتدة في المحيط الهادي، فهو الذي اكتشف نيوزيلندا، وقارة أستراليا، وأجزاء من قارة إنتراكتيكا، أو القطب الجنوبي، فضلا عن كثير من الجزر في المحيط الهادي، منها جزيرتا تاهيتي وهاواي.
ولد جيمس كوك في مدينة يوركشاير الإنجليزية في 1728، وبدأ حياته مزارعا بسيطا، ولم يكن من الطبقة الأرستقراطية أو التي قاربتها، وهو ما خلق لديه شعورا ممتدا بالدونية في مجتمع كانت فيه النبرة الطبقية عالية للغاية، وكانت فرص التدرج الوظيفي خاصة في البحرية مرتبطة إلى حد كبير بمدى اتصالاته وطبقته الاجتماعية، وقد ترك الرجل مهنته الأساسية وبدأ يبحث عن مجده الشخصي بحارا في إحدى السفن الخاصة لشخص يدعى ووكر، ومن خلال عمله هناك بدأ كوك يسعى لتعلم فنون الملاحة ورسم الخرائط في زمن كانت فيه الاستكشافات الجغرافية أحد أهم مظاهره على المستوى الأوروبي. وقد أبحر كوك نحو بحر الشمال؛ حيث تعلم الملاحة وأصبح الملاح الأول لهذه السفينة، ولكن القدر كان يخبئ له الكثير وهو في سن صغيرة مقارنة بغيره، فبعد عدة سنوات في الملاحة الخاصة، تم تعيين كوك في البحرية البريطانية، وكانت من ضمن تكليفات سفينته المشاركة في الجهد الحربي الإنجليزي ضد فرنسا في أميركا الشمالية، حيث أبلي الشاب بلاء حسنا كان له أطيب الأثر في البحرية، وقد سمح له دوره الجديد بأن يكون على السفينة التي كلفت باستكشاف قارة نيوفاوندلاند. وتشير المصادر التاريخية إلى أن كوك قام برسم الخريطة الكاملة لهذه القارة بدقة متناهية للغاية أبهرت الجميع، مما ساهم في ذيوع صيته داخل البحرية الإنجليزية.
قد ابتسم الحظ للشاب كوك في 1767 عندما قررت البحرية الإنجليزية منحه قيادة السفينة «إندوفر» بمهمة استكشافية علمية في المحيط الهادي بهدف البحث عن القارة الكبيرة التي كان يعتقد أنها في جنوب شرقي المحيط الهادي، وقد صاحبه في هذه الرحلة كثير من العلماء والبحارة.
استعد كوك بمنتهى الدقة لهذه الرحلة من خلال الإشراف الشخصي على كل ما يخصها من التموين إلى المتانة، وأبحرت السفينة في 26 أغسطس (آب) 1768 من إنجلترا صوب المحيط الهادي من خلال عبور المحيط الأطلسي عبر مضيق «تيرا دل فويجو»، وبعد أشهر طويلة من الإبحار في المحيطين استطاع «كوك» أن يرسو بسفينته عند إحدى الجزر التي سميت فيما بعد جزيرة تاهيتي، حيث ضمها إلى إنجلترا، وفيها تعرف المستكشف على ملاح من هذه الجزيرة انضم إلى فريقه وبدأ يساعده في عملية الترجمة والاستكشاف، واستمر في قبلته نحو الغرب باحثا عن القارة الكبرى، ولكنه لم يجد هذه القارة، بل وجد بدلا منها جزيرة ممتدة كبيرة للغاية، وهي المعروفة اليوم باسم نيوزيلندا، وقد قرر الرجل أن يستكشف القارة بالكامل بمنتهى الصبر راسما الخرائط بدقة مذهلة. وبعد أن أبحر حول الجزيرة، توجه غربا سعيا وراء القارة الكبرى مرة أخرى، ولكنه وجد بدلا منها قارة كبيرة لا بأس بها وهي المعروفة اليوم باسم أستراليا، وهناك سعى كوك للعمل على تزويد السفينة بالأغذية والعدة لاستكمال رحلته الاستكشافية، فسار بمحاذاة الشاطئ الشرقي للجزيرة متوجها نحو الشمال وقام برسم الخرائط الخاصة بها، ولكن ليس قبل أن يصطدم بالشعب في أسفل البحر وهو ما كاد يغرق سفينته لولا قدراته الفائقة وإدراكه الكامل للأبعاد الهندسية، وقد أدى ذلك إلى عدم قدرته على الاستمرار في رحلته الاستكشافية؛ حيث اضطرته الظروف إلى التوجه نحو جزر إندونيسيا التي كانت مملوكة في ذلك الوقت للبرتغال، حيث أجرى الإصلاحات اللازمة للسفينة، وتوجه بعدها إلى إنجلترا منهيا رحلته الأولى، ولكن ليس قبل أن يصبح حديث لندن كلها، فالرجل اكتشف وضم لبلاده قارتين والكثير من الجزر في عصر كانت الدول الأوروبية تتسابق نحو المستعمرات والاستكشافات بغرض التجارة والربح السياسي والمادي.
فتحت الرحلة الأولى آفاقا واسعة للغاية أمام الكابتن كوك داخل البحرية البريطانية التي بدأت ترى فيه مستكشفها الأول والأهم، مما ساهم بشكل كبير في قرارها إسناد مسؤولية رحلة جديدة للرجل لاستكشاف القطب الجنوبي، وهو ما لم يتردد فيه، وبالفعل قام في 1772 برحلته الشهيرة مبحرا من إنجلترا صوب أفريقيا في الجنوب ومنها إلى القطب الجنوبي. وعلى الرغم من أن المنطقة كانت مغطاة بالثلوج، فإنه استطاع أن يبحر ويرسم أجزاء مهمة من القطب الجنوبي، وعاد بعدها إلى بلاده مرة أخرى، ولكنه لم يكن لديه القدر نفسه من النجاح مثلما كانت الحال في الرحلة الأولى، وهو ما اضطره للتقاعد المبكر وهو في سن الثامنة والأربعين، ولكن ليس قبل أن يحقق لبلاده الكثير من الاستكشافات المذهلة.
وعلى الرغم من تقاعده، فإن البحرية الإنجليزية أصرت على منحه الرحلة الثالثة للبحث عن «الممر الشمالي»، فلقد كانت البحرية على قناعة كاملة بأن هناك ممرا بحريا يربط إنجلترا إلى شرق المحيط الهادي عبر أميركا الشمالية ويساعد على اختصار المسافة بعيدا عن المستعمرات البرتغالية، وقد رأت البحرية أنه في حال اكتشافه، فإن هذا سيكون ممرا استراتيجيا يمكن أن يساهم في دفع التجارة الإنجليزية وفتح المجال أمام منافسة البرتغال التي كان لها النصيب الأكبر من طرق التجارة في المحيط الهادي.
وقد قبل كوك هذه المهمة وهو سعيد، ولكن أغلبية المصادر التاريخية تجمع على أنه بدأ يفقد جزءا كبيرا من اتزانه النفسي بشكل يكاد يهدد مسيرة الرحلة التي استمرت بكثير من المشكلات التي لا تكاد تنتهي. وبعد أشهر طويلة من الإبحار وصل إلى المحيط الهادي، وبدأ الرجل يسعى لاستكشاف غرب قارة أميركا الشمالية؛ حيث صادفته المصاعب الجغرافية والملاحية في هذه المنطقة مما اضطره للعودة صوب الجنوب للجزر المعروفة اليوم باسم هاواي. وبعد ترحيب مبدئي من قبل السكان الأصليين، بدأت الخلافات تدب، ولكن الكابتن كوك استطاع أن ينهي إصلاحاته والإبحار مرة أخرى للبحث عن الممر الشمالي دون جدوى، فلقد عاندته الظروف والرياح.
وبعد أشهر طويلة من البحث، استطاع فقط أن يرسم بعض الخرائط لهذه المنطقة المعروفة اليوم بغرب كندا. وبعدما أدرك الرجل أن المهمة صارت مستحيلة، خاصة بعدما تعرض لمشكلات كثيرة في سفينته، آثر العودة مرة أخرى إلى جزر هاواي حيث وقعت مشادة بين جيشه وبعض السكان الأصليين انتهت بمقتله وانسحاب سفينتيه من الجزيرة عائدتين إلى إنجلترا دون تحقيق حلم استكشاف الممر الشمالي.
وهكذا انتهت حياة هذا البحار العظيم الذي ترك للعالم من بعده خرائط دقيقة لكثير من العالم الذي لم يكن معروفا بالنسبة لأوروبا، وفتح المجال أمام استعمار إنجلترا لأستراليا ونيوزيلندا، كما أنه ساهم في استكشاف القطب الجنوبي ومن بعده شمال غربي القارة الأميركية، وهو الرجل الذي نذكره اليوم كثيرا خاصة بعدما اقتبست إحدى شركات السياحة العالمية اسمه لتخلده في ذاكرتنا.



ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».