لماذا ظل الأمير فيليب بعيد المنال عن الشاشات؟

TT

لماذا ظل الأمير فيليب بعيد المنال عن الشاشات؟

ظهرت الكثير من الصور الدرامية لشخصية الأمير فيليب على امتداد حياته الطويلة التي وصلت محطتها الأخيرة، يوم وفاته، الجمعة 9 أبريل (نيسان) 2021. عند سن الـ99. واضطلع العديد من الممثلين البارزين بأداء شخصية الأمير فيليب أمام الشاشات، منهم توبياس مينزيز ومات سميث وجيمس كرومويل وكريستوفر لي.
ومع ذلك، أعرب أحد كتاب السيرة الذاتية للأمير فيليب أنّه لم يفلح أي من هؤلاء الممثلين في تقديم لب شخصية الأمير على الشاشة. أمّا السبب وراء ذلك، فترى إنغريد سيوارد، مؤلفة كتاب «كشف الستار عن الأمير فيليب»، أنه يكمن في أنّ أحداً من هؤلاء الممثلين لم تتح له فرصة دراسة الأمير عن قرب. وباعتباره رجلاً اعتاد السير بضعة خطوات خلف زوجته، الملكة إليزابيث الثانية، في المناسبات العامة، فقد ظل بعيداً عن الأنظار إلى حد ما.
كانت سيوارد، التي عقدت مقابلات مع الكثير من أفراد الأسرة المالكة، بما في ذلك الأمير تشارلز والأميرة ديانا، قد بدأت الحديث إلى دوق إدنبرة أواخر سبعينات القرن الماضي. وقالت إنّ بعض مقابلاتهم الأولى كانت كارثية. وأضافت: «كان وقحاً في تعامله معي»، لكنها نجحت نهاية الأمر في بناء تصور أوضح لشخصية فيليب المعقدة. مزاجه الغاضب وذكاؤه اللاذع وسخاء روحه.
وفيما يلي، تحاول سيوارد تقييم مدى الدقة والمزايا النسبية للصور التي عُرضت لشخصية الأمير في أعمال سينمائية وتلفزيونية على مدار عقود، والتي تطورت بالموازاة لتطور النظرة العامة تجاه العائلة المالكة.
فترة الخطوبة
صدر فيلمان تلفزيونيان حول فترة الخطوبة بين تشارلز وليدي ديانا سبنسر في غضون أيام من بعضهما البعض في سبتمبر (أيلول) 1982. عبر شاشات شبكتين متنافستين.
حمل الأول اسم «قصة الحب الملكية بين تشارلز وديانا»، عبر شاشة «سي بي إس»، شارك فيه ستيوارت غرينجر في دور فيليب. وفي فيلم «تشارلز وديانا: قصة حب ملكية» على قناة «إيه بي سي»، ولعب خلاله كريستوفر لي دور الأمير فيليب. (غير متاح أي منهما اليوم عبر قنوات البث، لكن هناك مقتطفات من كل منهما عبر الإنترنت).
وتبع كل فيلم سرد أشبه بالقصص الخيالية، وصور ديانا باعتبارها أقرب إلى سندريلا في طريقها لأن تصبح عروساً وأميرة. في كلا الفيلمين، صُوّر والدا تشارلز، خاصة فيليب، باعتبارهما شخصين محبين وودودين. (في فيلم «قصة الحب الملكية بين تشارلز وديانا»، حضن فيليب ابنه بشدة في ليلة زفافه). واللافت أنّ فريق العمل في «قصة الحب الملكية بين تشارلز وديانا» حظي بروابط مع العائلة المالكة، فقد كان غرينجر صديقاً للعائلة المالكة، بينما اضطلعت بدور ديانا واحدة من أبناء العمومة الملكية، كاثرين أوكسنبيرغ. ومع ذلك، ترى سيوارد أن أياً من الفيلمين لم ينجح في تصوير الديناميكيات الحقيقية داخل العائلة المالكة.
وقالت سيوارد: «كان فيليب قاسياً للغاية في تعامله مع تشارلز، ذلك أن تشارلز لم يكن الابن الذي حلم به، فقد كان يرغب في ابن على صورته».
التسعينات
بحلول التسعينات، كان واضحاً أنّ شهر العسل انتهى. ومع تداعي زواج تشارلز وديانا، أصبحت الصورة العامة لفيليب أكثر فتوراً، وتحول من أب ودود ومحب إلى رجل عجوز دائم الشكوى والتأفف. من ناحيتها، قالت سيوارد: «لكنه في حقيقة الأمر لم يكن غاضباً أو متأففاً، وإنّما كان مزاجه سيئاً، وثمة اختلاف كبير بين الأمرين».
خلال هذين العملين، ظهر فيليب في صورة من يتولى إدارة حياة نجله العاطفية، ويخبر تشارلز أن يجد لنفسه فتاة مناسبة ليتزوجها. في فيلم «ديانا: قصتها الحقيقية»، الصادر عام 1993. يقول فيليب، الذي يلعب دوره الممثل دونالد دوغلاس، لتشارلز: «لقد توددت إلى نصف فتيات هذا البلد. كم يستغرق الوقت للعثور على عذراء بروتستانتية؟» وفي وقت لاحق، في أعقاب تردي العلاقة الزوجية بين تشارلز وديانا، يخبره فيليب: «كيف تتوقع أن تصبح ملكاً إذا كنت عاجزاً عن إدارة التعامل مع زوجتك؟».
وفي فيلم «تشارلز وكاميلا: مهما كان ما يعنيه الحب»، عام 2005. يهدد فيليب، الذي يلعب دوره بيتر إيغان، باستمرار تشارلز وصديقاته، لأنّه شعر أنهن غير جديرات بالارتباط بابنه، ويؤكد أن: «آخر ما يحتاجه تشارلز تغطية صحافية سلبية».
من جهتها، قالت سيوارد: «من الممكن أن يصبح فيليب أحياناً مخيفاً، ومن الممكن أن يصبح شديد الوقاحة. لذا، عليك أن تكون قوياً وتقف في وجهه».
وعندما يقسو فيليب على ولده لاستغراقه وقتاً طويلاً للغاية للعثور على عروس له في وقت لاحق من «تشارلز وكاميلا»، ينظر تشارلز إلى هذا الأمر باعتباره إنذاراً أخيراً. بيد أنّه على أرض الواقع، كتب فيليب لنجله خطاباً لمح خلاله بود إلى ضرورة أن يحسم قراره وألا يترك ديانا قيد الانتظار لفترة طويلة، خشية أن يؤذي سمعتها.
جدير بالذكر أنه يجري بث «ديانا: قصتها الحقيقية» عبر «أمازون برايم فيديو» و«شاوت فاكتوري تي في». أما «تشارلز وكاميلا: مهما كان ما يعنيه الحب»، فيُبثّ عبر «أمازون».
الملكة
عاونت سيوارد بدور استشاري في فيلم «الملكة» الذي أخرجه ستيفين فريرز عام 2006 حول كيفية استجابة الملكة لوفاة ديانا. وقد اضطلع بيتر مورغان، الذي كتب لاحقاً سيناريو وحوار مسلسل «التاج»، بكتابة السيناريو والحوار. إلا أنّ سيوارد وجدت أنّ الصورة التي قدمها جيمس كرومويل لفيليب باعتباره شخصاً يشعر بغضب أزلي، أشبه بصورة كاريكاتيرية.
وعن هذا، شرحت سيوارد، «إنه يكره الحمقى بالفعل، لكن في بعض الأحيان يتعامل معهم بلامبالاة».
وقد انطبق هذا الأمر على ديانا بعد الانفصال، لكن الحال لم يكن كذلك دوماً، فقد حاول فيليب معاونة زوجة ابنه على التأقلم مع العائلة المالكة، وفي وقت لاحق حاول مساعدتها على إنقاذ زواجها. وقد جرى رصد بعض من ذلك في الموسم الأحدث من «التاج». وكتب الأمير فيليب العديد من رسائل التشجيع لديانا، التي كشف النقاب عنها أثناء التحقيق بشأن وفاتها عام 1997. لكن عندما أخفقت جهوده توقف عن دعمها.
وعن هذا، قالت سيوارد: «عمل فيليب بجد لإصلاح هذا الأمر»، لكن في النهاية انقلبت ديانا عليه. وأضافت: «أذكر أنّ ديانا أخبرتني أنّها تكره فيليب بشدة. وأخبرتني أنّها أخبرت ويليام وهاري ألا يصرخا أبداً أبداً في وجه أي شخص لا يستطيع الرد، مثلما يفعل فيليب». (إلا أنه في معرض دفاعها عن فيليب، تشير سيوارد إلى أنّ أفراد فريق العمل المعاون لفيليب يحبونه، وأنّه مع تقدمه في العمر ضعفت قدرته على السمع وارتفعت نبرة صوته).
في الواقع، لم يصطحب فيليب حفيديه في رحلة لصيد الأيائل للترويح عنهما في أعقاب وفاة والدتهما، مثلما ورد في «الملكة»، لكن سيوارد أوضحت أنّ أفراداً آخرين من العائلة المالكة فعلوا ذلك. ومع هذا، قالت: «كان هذا الأمر ما سيفعله فيليب، لذا لا بأس في نسبه إليه».
«التاج»
اضطلع كل من مات سميث وتوبياس مينزيز بدور فيليب في «التاج»، الذي صدر عام 2016. وتجد سيوارد، من ناحيتها، مشكلات في كلا التصويرين.
وعن ذلك، قالت: «يجعلان منه شخصية متأففة وسريعة الشعور بالملل، لكن هذا غير حقيقي فقد عاش حياة نشطة ومزدحمة وبها الكثير من المهام».
وأعربت سيوارد عن اعتقادها بأن سميث خلال الموسمين الأول والثاني أخفق في تقديم صورة حقيقية لفيليب. وقالت: «الجميع يعرف أنه اعتاد السير بينما يداه خلف ظهره، وأن وقفته ذات طابع عسكري للغاية، حتى وهو في الـ99»، مضيفة أنّ طريقة وقفته جعلته يبدو أطول مما هو عليه في الواقع. وأشارت إلى أنّ الصورة التي قدمها سميث للأمير فيليب اتسمت بعجرفة شديدة، رغم أنّ فيليب جابه صعوبة بالفعل لبعض الوقت لإيجاد دور لنفسه بعدما أصبحت زوجته ملكة لأول مرة. وأكدت أنّ: «فيليب ليس شخصاً عبوساً، هذا ليس هو».
ووجدت سيوارد أنخ خلال الموسمين 3 و4. قدم مينزيز صورة أكثر دقة لرجل يمر بأزمة منتصف العمر، لكن فيليب لم يمر بمثل هذه الأزمة. ورفضت المشهد الخاص بالهبوط على القمر، الذي بدا خلاله فيليب مولعاً بمسألة هبوط الأميركيين على سطح القمر عام 1969. وانغماسه في مشاعر الفشل بسبب دوره الأقل تأثيراً في الحياة.
عن هذا الأمر، قالت سيوارد: «بمجرد أن رسخ فيليب مكانته، أصبح في حال جيدة. وقد أنجز الكثير في حياته وسافر إلى مختلف أرجاء العالم بمفرده».
بوجه عام، شددت سيوارد على أنّ «التاج» فشل في تصوير حس الفكاهة الذي كان يتمتع به فيليب وعشقه برامج الطهي في التلفزيون أو معرفته الواسعة بالفنون. ورغم أنّه بالفعل أدلى من وقت لآخر بتعليقات تفتقر إلى الحساسية. أو حتى تتسم بالعنصرية الصريحة، فإنّ سيوارد قالت: «أنا لا أدافع عنه، لكنه كان يقول شيئاً ما على سبيل المزاح، لكن يبدو للآخرين وقحاً أو عنصرياً».
وقالت سيوارد إنّ «التاج» بالغ كثيراً في اختلاق أحداث ليس لها أساس. ودللت على ذلك بما يدعى «اختبار بالمورال»، وهو سلسلة مزعومة من الفخاخ الاجتماعية التي تنصب لضيوف الضيعة الأسكوتلندية التابعة للعائلة المالكة. وقالت سيوارد عن هذا الاختبار إنّه «محض هراء».
وعن علاقة فيليب بديانا، قالت سيوارد: «اهتم بها فيليب حقاً باعتبارها شخصاً من خارج العائلة، وكان يجلسها إلى جواره في مآدب العشاء الرسمية. وكان يشعر أنّ هذا واجبه، نظراً لأنه رأى أنّها تشعر بالرعب».
- خدمة {نيويورك تايمز}


مقالات ذات صلة

الملكة إليزابيث كانت تعتقد أن كل إسرائيلي «إما إرهابي أو ابن إرهابي»

شؤون إقليمية الملكة البريطانية الراحلة إليزابيث الثانية (رويترز)

الملكة إليزابيث كانت تعتقد أن كل إسرائيلي «إما إرهابي أو ابن إرهابي»

كشف الرئيس الإسرائيلي السابق، رؤوفين ريفلين، عن توتر العلاقات التي جمعت إسرائيل بالملكة إليزابيث الثانية خلال فترة حكمها الطويلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب يلتقي الأمير وليام في غرفة الصالون الأصفر بمقر إقامة سفراء المملكة المتحدة في باريس (أ.ف.ب)

ترمب: الأمير ويليام أبلغني أن الملك تشارلز «يكافح بشدة» بعد إصابته بالسرطان

صرّح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بأن محادثات جرت مؤخراً مع وليام، أمير ويلز، ألقت الضوء مجدداً على صحة الملك تشارلز الثالث.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق وصول الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا لاستقبال السلك الدبلوماسي في القصر (أ.ب)

هاري يخيب آمال تشارلز بتصريحاته عن طفليه

تحدث الأمير هاري عن تجربته في تربية طفليه، آرتشي وليلبيت، مع زوجته ميغان ماركل في الولايات المتحدة، ما يبدو أنه خيَّب آمال والده، الملك تشارلز الثالث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رغم محاولاتها أن تُصبح أيقونة موضة لا تزال ميغان تستمد بريقها وقوة تأثيرها من ارتباطها بالأمير هاري (أ.ف.ب)

الأمير هاري يسخر من إشاعات الطلاق

سخر الأمير هاري، دوق أوف ساسكس، من الإشاعات المتكررة حول حياته الشخصية وزواجه من ميغان ماركل. جاء ذلك خلال مشاركته في قمة «DealBook» السنوية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كيت أميرة ويلز (د.ب.أ)

الأميرة كيت: الحب أعظم هدية

قالت أميرة ويلز البريطانية كيت ميدلتون إن الحب هو أعظم هدية يمكن أن يقدمها الناس بعضهم لبعض، في رسالة إلى الضيوف الذين سيحضرون قداس ترانيم عيد الميلاد السنوي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».