لماذا ظل الأمير فيليب بعيد المنال عن الشاشات؟

TT

لماذا ظل الأمير فيليب بعيد المنال عن الشاشات؟

ظهرت الكثير من الصور الدرامية لشخصية الأمير فيليب على امتداد حياته الطويلة التي وصلت محطتها الأخيرة، يوم وفاته، الجمعة 9 أبريل (نيسان) 2021. عند سن الـ99. واضطلع العديد من الممثلين البارزين بأداء شخصية الأمير فيليب أمام الشاشات، منهم توبياس مينزيز ومات سميث وجيمس كرومويل وكريستوفر لي.
ومع ذلك، أعرب أحد كتاب السيرة الذاتية للأمير فيليب أنّه لم يفلح أي من هؤلاء الممثلين في تقديم لب شخصية الأمير على الشاشة. أمّا السبب وراء ذلك، فترى إنغريد سيوارد، مؤلفة كتاب «كشف الستار عن الأمير فيليب»، أنه يكمن في أنّ أحداً من هؤلاء الممثلين لم تتح له فرصة دراسة الأمير عن قرب. وباعتباره رجلاً اعتاد السير بضعة خطوات خلف زوجته، الملكة إليزابيث الثانية، في المناسبات العامة، فقد ظل بعيداً عن الأنظار إلى حد ما.
كانت سيوارد، التي عقدت مقابلات مع الكثير من أفراد الأسرة المالكة، بما في ذلك الأمير تشارلز والأميرة ديانا، قد بدأت الحديث إلى دوق إدنبرة أواخر سبعينات القرن الماضي. وقالت إنّ بعض مقابلاتهم الأولى كانت كارثية. وأضافت: «كان وقحاً في تعامله معي»، لكنها نجحت نهاية الأمر في بناء تصور أوضح لشخصية فيليب المعقدة. مزاجه الغاضب وذكاؤه اللاذع وسخاء روحه.
وفيما يلي، تحاول سيوارد تقييم مدى الدقة والمزايا النسبية للصور التي عُرضت لشخصية الأمير في أعمال سينمائية وتلفزيونية على مدار عقود، والتي تطورت بالموازاة لتطور النظرة العامة تجاه العائلة المالكة.
فترة الخطوبة
صدر فيلمان تلفزيونيان حول فترة الخطوبة بين تشارلز وليدي ديانا سبنسر في غضون أيام من بعضهما البعض في سبتمبر (أيلول) 1982. عبر شاشات شبكتين متنافستين.
حمل الأول اسم «قصة الحب الملكية بين تشارلز وديانا»، عبر شاشة «سي بي إس»، شارك فيه ستيوارت غرينجر في دور فيليب. وفي فيلم «تشارلز وديانا: قصة حب ملكية» على قناة «إيه بي سي»، ولعب خلاله كريستوفر لي دور الأمير فيليب. (غير متاح أي منهما اليوم عبر قنوات البث، لكن هناك مقتطفات من كل منهما عبر الإنترنت).
وتبع كل فيلم سرد أشبه بالقصص الخيالية، وصور ديانا باعتبارها أقرب إلى سندريلا في طريقها لأن تصبح عروساً وأميرة. في كلا الفيلمين، صُوّر والدا تشارلز، خاصة فيليب، باعتبارهما شخصين محبين وودودين. (في فيلم «قصة الحب الملكية بين تشارلز وديانا»، حضن فيليب ابنه بشدة في ليلة زفافه). واللافت أنّ فريق العمل في «قصة الحب الملكية بين تشارلز وديانا» حظي بروابط مع العائلة المالكة، فقد كان غرينجر صديقاً للعائلة المالكة، بينما اضطلعت بدور ديانا واحدة من أبناء العمومة الملكية، كاثرين أوكسنبيرغ. ومع ذلك، ترى سيوارد أن أياً من الفيلمين لم ينجح في تصوير الديناميكيات الحقيقية داخل العائلة المالكة.
وقالت سيوارد: «كان فيليب قاسياً للغاية في تعامله مع تشارلز، ذلك أن تشارلز لم يكن الابن الذي حلم به، فقد كان يرغب في ابن على صورته».
التسعينات
بحلول التسعينات، كان واضحاً أنّ شهر العسل انتهى. ومع تداعي زواج تشارلز وديانا، أصبحت الصورة العامة لفيليب أكثر فتوراً، وتحول من أب ودود ومحب إلى رجل عجوز دائم الشكوى والتأفف. من ناحيتها، قالت سيوارد: «لكنه في حقيقة الأمر لم يكن غاضباً أو متأففاً، وإنّما كان مزاجه سيئاً، وثمة اختلاف كبير بين الأمرين».
خلال هذين العملين، ظهر فيليب في صورة من يتولى إدارة حياة نجله العاطفية، ويخبر تشارلز أن يجد لنفسه فتاة مناسبة ليتزوجها. في فيلم «ديانا: قصتها الحقيقية»، الصادر عام 1993. يقول فيليب، الذي يلعب دوره الممثل دونالد دوغلاس، لتشارلز: «لقد توددت إلى نصف فتيات هذا البلد. كم يستغرق الوقت للعثور على عذراء بروتستانتية؟» وفي وقت لاحق، في أعقاب تردي العلاقة الزوجية بين تشارلز وديانا، يخبره فيليب: «كيف تتوقع أن تصبح ملكاً إذا كنت عاجزاً عن إدارة التعامل مع زوجتك؟».
وفي فيلم «تشارلز وكاميلا: مهما كان ما يعنيه الحب»، عام 2005. يهدد فيليب، الذي يلعب دوره بيتر إيغان، باستمرار تشارلز وصديقاته، لأنّه شعر أنهن غير جديرات بالارتباط بابنه، ويؤكد أن: «آخر ما يحتاجه تشارلز تغطية صحافية سلبية».
من جهتها، قالت سيوارد: «من الممكن أن يصبح فيليب أحياناً مخيفاً، ومن الممكن أن يصبح شديد الوقاحة. لذا، عليك أن تكون قوياً وتقف في وجهه».
وعندما يقسو فيليب على ولده لاستغراقه وقتاً طويلاً للغاية للعثور على عروس له في وقت لاحق من «تشارلز وكاميلا»، ينظر تشارلز إلى هذا الأمر باعتباره إنذاراً أخيراً. بيد أنّه على أرض الواقع، كتب فيليب لنجله خطاباً لمح خلاله بود إلى ضرورة أن يحسم قراره وألا يترك ديانا قيد الانتظار لفترة طويلة، خشية أن يؤذي سمعتها.
جدير بالذكر أنه يجري بث «ديانا: قصتها الحقيقية» عبر «أمازون برايم فيديو» و«شاوت فاكتوري تي في». أما «تشارلز وكاميلا: مهما كان ما يعنيه الحب»، فيُبثّ عبر «أمازون».
الملكة
عاونت سيوارد بدور استشاري في فيلم «الملكة» الذي أخرجه ستيفين فريرز عام 2006 حول كيفية استجابة الملكة لوفاة ديانا. وقد اضطلع بيتر مورغان، الذي كتب لاحقاً سيناريو وحوار مسلسل «التاج»، بكتابة السيناريو والحوار. إلا أنّ سيوارد وجدت أنّ الصورة التي قدمها جيمس كرومويل لفيليب باعتباره شخصاً يشعر بغضب أزلي، أشبه بصورة كاريكاتيرية.
وعن هذا، شرحت سيوارد، «إنه يكره الحمقى بالفعل، لكن في بعض الأحيان يتعامل معهم بلامبالاة».
وقد انطبق هذا الأمر على ديانا بعد الانفصال، لكن الحال لم يكن كذلك دوماً، فقد حاول فيليب معاونة زوجة ابنه على التأقلم مع العائلة المالكة، وفي وقت لاحق حاول مساعدتها على إنقاذ زواجها. وقد جرى رصد بعض من ذلك في الموسم الأحدث من «التاج». وكتب الأمير فيليب العديد من رسائل التشجيع لديانا، التي كشف النقاب عنها أثناء التحقيق بشأن وفاتها عام 1997. لكن عندما أخفقت جهوده توقف عن دعمها.
وعن هذا، قالت سيوارد: «عمل فيليب بجد لإصلاح هذا الأمر»، لكن في النهاية انقلبت ديانا عليه. وأضافت: «أذكر أنّ ديانا أخبرتني أنّها تكره فيليب بشدة. وأخبرتني أنّها أخبرت ويليام وهاري ألا يصرخا أبداً أبداً في وجه أي شخص لا يستطيع الرد، مثلما يفعل فيليب». (إلا أنه في معرض دفاعها عن فيليب، تشير سيوارد إلى أنّ أفراد فريق العمل المعاون لفيليب يحبونه، وأنّه مع تقدمه في العمر ضعفت قدرته على السمع وارتفعت نبرة صوته).
في الواقع، لم يصطحب فيليب حفيديه في رحلة لصيد الأيائل للترويح عنهما في أعقاب وفاة والدتهما، مثلما ورد في «الملكة»، لكن سيوارد أوضحت أنّ أفراداً آخرين من العائلة المالكة فعلوا ذلك. ومع هذا، قالت: «كان هذا الأمر ما سيفعله فيليب، لذا لا بأس في نسبه إليه».
«التاج»
اضطلع كل من مات سميث وتوبياس مينزيز بدور فيليب في «التاج»، الذي صدر عام 2016. وتجد سيوارد، من ناحيتها، مشكلات في كلا التصويرين.
وعن ذلك، قالت: «يجعلان منه شخصية متأففة وسريعة الشعور بالملل، لكن هذا غير حقيقي فقد عاش حياة نشطة ومزدحمة وبها الكثير من المهام».
وأعربت سيوارد عن اعتقادها بأن سميث خلال الموسمين الأول والثاني أخفق في تقديم صورة حقيقية لفيليب. وقالت: «الجميع يعرف أنه اعتاد السير بينما يداه خلف ظهره، وأن وقفته ذات طابع عسكري للغاية، حتى وهو في الـ99»، مضيفة أنّ طريقة وقفته جعلته يبدو أطول مما هو عليه في الواقع. وأشارت إلى أنّ الصورة التي قدمها سميث للأمير فيليب اتسمت بعجرفة شديدة، رغم أنّ فيليب جابه صعوبة بالفعل لبعض الوقت لإيجاد دور لنفسه بعدما أصبحت زوجته ملكة لأول مرة. وأكدت أنّ: «فيليب ليس شخصاً عبوساً، هذا ليس هو».
ووجدت سيوارد أنخ خلال الموسمين 3 و4. قدم مينزيز صورة أكثر دقة لرجل يمر بأزمة منتصف العمر، لكن فيليب لم يمر بمثل هذه الأزمة. ورفضت المشهد الخاص بالهبوط على القمر، الذي بدا خلاله فيليب مولعاً بمسألة هبوط الأميركيين على سطح القمر عام 1969. وانغماسه في مشاعر الفشل بسبب دوره الأقل تأثيراً في الحياة.
عن هذا الأمر، قالت سيوارد: «بمجرد أن رسخ فيليب مكانته، أصبح في حال جيدة. وقد أنجز الكثير في حياته وسافر إلى مختلف أرجاء العالم بمفرده».
بوجه عام، شددت سيوارد على أنّ «التاج» فشل في تصوير حس الفكاهة الذي كان يتمتع به فيليب وعشقه برامج الطهي في التلفزيون أو معرفته الواسعة بالفنون. ورغم أنّه بالفعل أدلى من وقت لآخر بتعليقات تفتقر إلى الحساسية. أو حتى تتسم بالعنصرية الصريحة، فإنّ سيوارد قالت: «أنا لا أدافع عنه، لكنه كان يقول شيئاً ما على سبيل المزاح، لكن يبدو للآخرين وقحاً أو عنصرياً».
وقالت سيوارد إنّ «التاج» بالغ كثيراً في اختلاق أحداث ليس لها أساس. ودللت على ذلك بما يدعى «اختبار بالمورال»، وهو سلسلة مزعومة من الفخاخ الاجتماعية التي تنصب لضيوف الضيعة الأسكوتلندية التابعة للعائلة المالكة. وقالت سيوارد عن هذا الاختبار إنّه «محض هراء».
وعن علاقة فيليب بديانا، قالت سيوارد: «اهتم بها فيليب حقاً باعتبارها شخصاً من خارج العائلة، وكان يجلسها إلى جواره في مآدب العشاء الرسمية. وكان يشعر أنّ هذا واجبه، نظراً لأنه رأى أنّها تشعر بالرعب».
- خدمة {نيويورك تايمز}


مقالات ذات صلة

الملكة إليزابيث كانت تعتقد أن كل إسرائيلي «إما إرهابي أو ابن إرهابي»

شؤون إقليمية الملكة البريطانية الراحلة إليزابيث الثانية (رويترز)

الملكة إليزابيث كانت تعتقد أن كل إسرائيلي «إما إرهابي أو ابن إرهابي»

كشف الرئيس الإسرائيلي السابق، رؤوفين ريفلين، عن توتر العلاقات التي جمعت إسرائيل بالملكة إليزابيث الثانية خلال فترة حكمها الطويلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب يلتقي الأمير وليام في غرفة الصالون الأصفر بمقر إقامة سفراء المملكة المتحدة في باريس (أ.ف.ب)

ترمب: الأمير ويليام أبلغني أن الملك تشارلز «يكافح بشدة» بعد إصابته بالسرطان

صرّح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بأن محادثات جرت مؤخراً مع وليام، أمير ويلز، ألقت الضوء مجدداً على صحة الملك تشارلز الثالث.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق وصول الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا لاستقبال السلك الدبلوماسي في القصر (أ.ب)

هاري يخيب آمال تشارلز بتصريحاته عن طفليه

تحدث الأمير هاري عن تجربته في تربية طفليه، آرتشي وليلبيت، مع زوجته ميغان ماركل في الولايات المتحدة، ما يبدو أنه خيَّب آمال والده، الملك تشارلز الثالث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رغم محاولاتها أن تُصبح أيقونة موضة لا تزال ميغان تستمد بريقها وقوة تأثيرها من ارتباطها بالأمير هاري (أ.ف.ب)

الأمير هاري يسخر من إشاعات الطلاق

سخر الأمير هاري، دوق أوف ساسكس، من الإشاعات المتكررة حول حياته الشخصية وزواجه من ميغان ماركل. جاء ذلك خلال مشاركته في قمة «DealBook» السنوية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كيت أميرة ويلز (د.ب.أ)

الأميرة كيت: الحب أعظم هدية

قالت أميرة ويلز البريطانية كيت ميدلتون إن الحب هو أعظم هدية يمكن أن يقدمها الناس بعضهم لبعض، في رسالة إلى الضيوف الذين سيحضرون قداس ترانيم عيد الميلاد السنوي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».