سوق البدو في جدة يحيي ملامح التاريخ في الألفية الجديدة

اشتهر بمنتجات الصحراء وباع الأقمشة الهندية والبريطانية

سوق البدو بجدة وبحسب كتب تاريخية تعود لأكثر 140 عاما ومع ذلك ما زالت صامدة في استقبال زوارها
سوق البدو بجدة وبحسب كتب تاريخية تعود لأكثر 140 عاما ومع ذلك ما زالت صامدة في استقبال زوارها
TT

سوق البدو في جدة يحيي ملامح التاريخ في الألفية الجديدة

سوق البدو بجدة وبحسب كتب تاريخية تعود لأكثر 140 عاما ومع ذلك ما زالت صامدة في استقبال زوارها
سوق البدو بجدة وبحسب كتب تاريخية تعود لأكثر 140 عاما ومع ذلك ما زالت صامدة في استقبال زوارها

ينتابك شعور العودة للماضي، وأنت تتجول في المنطقة التاريخية بمدينة جدة غرب السعودية، وتحديدا عند مدخل بوابة سوق البدو، وهو أحد أشهر أسواق المنطقة، وتتخيل كما لو كنت في خان الخليلي بالقاهرة، أو أحد أسواق العاصمة اليمنية صنعاء؛ للأجواء التي تغلب المنطقة سواء من الباعة أو زوار المنطقة.
سوق البدو بجدة وبحسب كتب تاريخية، يعود لأكثر 140 عاما، ومع ذلك ما زالت السوق صامدة باستقبال زواره، رغم المدنية الكبيرة التي تعيشها جدة كعاصمة اقتصادية تضم الكثير من مراكز التسوق الكبيرة والأبراج المتناثرة. المتسوقون في المنطقة التاريخية وسوق البدو تحديدا هم في الغالب من الأفراد الباحثين عن عبق التاريخ وأصالة الماضي، بالإضافة إلى السواح الأجانب والمقيمين وكبار السن من الرجال والنساء الذين يأسرهم الماضي، وجودة بعض الملبوسات التقليدية التي تتوفر في سوق البدو بصورة حصرية. وفي المناسبات الدينية مثل العمرة والحج يزداد الإقبال من الزوار والمشترين على المنطقة التاريخية بجدة لا سيما سوق البدو، عميد الأسواق كما يطلق عليه العارفون بتاريخ جدة.
السوق تقع داخل السور القديم لمدينة جدة التاريخية، بلغت المساحة التقريبية لداخل سور مدينة جدة 1.5 كيلومتر. «ويعد من أشهر أسواق المنطقة التاريخية قديما وحديثا والتي تشكل شريان المنطقة الاقتصادي والحيوي»، كما قالت أمانة جدة. وترجح تسمية المنطقة بسوق البدو، إلى الباعة والمتسوقين على حد سواء الذين كانوا في الماضي يقبلون على المنطقة وأغلبهم من سكان البادية والقرى القريبة من جدة، وكان السوق تقتصر في السابق على مستلزمات سكان البادية، وفي الوقت الحالي توسعت لتشمل الأقمشة ومحلات العطارة والتوابل والحبوب، والعباءات النسائية، وبعض المستلزمات الرجالية كالغتر والملابس الداخلية والثياب.
المهندس سامي نوار وهو أحد الأسماء الذين ارتبط اسمهم بالمنطقة التاريخية في جدة، بحرصه طوال مشواره العملي، في الحفاظ على الأماكن التاريخية يقول عن سوق البدو: «هو أهم أسواق جدة التاريخية، وهو يقع بالقرب من بوابة مكة التي كانت تفد منها وإليها قوافل الحجاج إلى ومن مكة المكرمة، وقوافل المزارعين والإنتاج الزراعي من الحبوب والتمور وغيرها، وحتى صهاريج المياه كانت تفد منها وإليها عن طريق بوابتها». ويضيف: «الداخل من باب مكة حاليا يلحظ وجود شارعين طويلين متفرعين أحدهما على ناحية اليمين سوق البدو، والآخر على ناحية الشمال سوق العلوي، ولكن المهم في سوق البدو هو أن الشارع الضيق الذي يقع عليه يقود إلى أقدم معلم في معالم جدة وهو المسجد الجامع العتيق، كما أنه سوق معروفة بالكثير من الأنشطة، ويمتاز بوجود أعرق الأسر الجداوية».
أحمد اصابي وهو أحد الباعة اليمنيين في المنطقة التاريخية وفي سوق البدو يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لي قرابة الـ20 سنة أتنقل في العمل في أسواق المنطقة التاريخية، وسمعت كثيرا عن سوق البدو ويقول لي كبار السن ممن عاصروا السوق سابقا، إنه كان مكانا تسير في إبل وجمال أبناء البادية الذي كانوا يترددون على السوق إما لبيع منتجاتهم من الحليب والسمن، أو شراء منتجات السوق من التوابل وبعض الأقمشة».
أحد المتسوقين يدعى أحمد الغامدي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يزال متمسكا بالشراء بين فترة وأخرى من سوق البدو، لأسعاره المعقولة، إضافة إلى المشاعر الجميلة التي يعيشها عن جولته في السوق وهو يسمع أصوات الباعة المتناثرين على جنبات السوق؛ لعرض سلعهم».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».