سباق أوسكار أفضل سيناريو أصلي

صراعات بين أبطال دراميين بحجم أميركا

مشهد من فيلم «نبراسكا»
مشهد من فيلم «نبراسكا»
TT

سباق أوسكار أفضل سيناريو أصلي

مشهد من فيلم «نبراسكا»
مشهد من فيلم «نبراسكا»

أول ما يعلـمه أساتذة السيناريو في المعاهد الأميركية، حال تخطـي المحاضرات التمهيدية الأولى، هو ضرورة أن يحتوي السيناريو على ما يكفي من نزاعات. البعض منهم يطلب من تلامذته نزاعا ما في كل مشهد، حتى وإن كان مخفيا في ذات الممثل بحيث لا يظهر على السطح. معنى ذلك، أنه ليس مطلوبا أن يكون الصراع موجودا في كل مشهد على نحو بيـن، بل هذا مستحيل في الواقع. الصراع المطلوب هو ما تعيشه الشخصيات في ذواتها من أفكار ومشاعر ومواقف.
انطلاقا من هذه الحالة، فإن ما تشترك فيه كل السيناريوهات المتنافسة على أوسكار أفضل سيناريو مكتوب خصيصا للسينما، هو أن أبطالها يصارعون في دواخلهم أكثر مما يتبدى على السطح، رغم أن بعض تلك السيناريوهات تكثـف ما على السطح أيضا. ستكشف حفلة الأوسكار في دورته السادسة والثمانين التي ستعقد في الثاني من مارس (آذار) المقبل، عن أي من هذه الصراعات وجد طريقه أكثر من ما سواه إلى قلوب وعقول أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية الذين يبلغ عددهم ستة آلاف.
أهو صراع بطل «Her» (والكلمة غير خاضعة للتعريب، لكن للتحريف: «هي») ضد إحباطاته من الجنس الآخر، أم هو صراع بلة «بلو جاسمين» مع نفسها وتاريخها فوق أرض مهزوزة؟ هل هو في كنه حياة ذلك النصـاب بطل «نصب أميركي» أم في حياة ذلك التكساسي الذي يواجه معضلة حياته؟ أو هو ببساطة صراع الأب في «نبراسكا» مع الواقع وصراع ابنه مع أبيه محاولا إعادته إلى ذلك الواقع؟
توازن
«نبراسكا» هو نوع من السيناريوهات يتمنى كتابته كل سينمائي مستقل: بسيط الحاشية، بسيط الأحداث، بسيط التركيبة، وفي الوقت ذاته عميق المفاهيم. وضعه (أقرأ المقابلة في مكان آخر)
ككاتب سيناريو، ما عليك إلا أن تفكر في كل العناصر الدرامية الثرية بالاحتمالات التي يمكن وضعها في سياق هذه الفكرة، لكن الكاتب نيلسون أبقى السيناريو تحت سيطرة الفكرة من زاويتيها العائلية والاجتماعية. وضع شخصية (قام بها بروس ديرن المرشـح لأوسكار أفضل ممثل) طبيعية محسوسة مستوحاة من ثقافة وسط البلاد وطبيعة حياتها ومنوال سكـانها. لكن، من بين أهم مزايا هذا السيناريو، ذلك التوازن القائم بين ما هو معلن، بالحوار، وما هو صامت يعتمد على الحركة والتعبير بالتمثيل وحده. نيلسون ترك الكثير مما يـقال بلا كلمات (والمخرج وظـفها ومنحها الأجواء الصحيحة فيما بعد).
توازن آخر موجود في هذا السيناريو، هو بين الجانبين العائلي والاجتماعي. من ناحية، هناك ذلك العجوز وودي (بروس ديرن) وابنه ديفيد (ول فورت) والزوجة كيت (دجون سكويب) والشقيق الثاني (بوب أودنكيرك). ما يرسمه السيناريو من علاقات ينطلق من وضع الصراع بين وودي وكل من عداه. لا أحد غيره يؤمن بأنه ربح مليون دولار، لكن رغبته في قطع المسافة من بيلينغ إلى لينكولن ولو مشيا، مثار مواجهات لا يوقفها عند حد معيـن (ولو أنه لا ينهيها تماما) سوى قرار ابنه ديفيد مصاحبته إلى لينكولن لكي يتأكد. لكن، حتى من بعد أن تخمد هذه المواجهة بين الأطراف تشتعل أخرى، وينتقل المغزى من علاقات فردية إلى إحباط جماعي شامل للحياة، في ظل ضياع الوسط الأميركي في الإهمال ومعه صلب ما هو أميركي صميم.

التكساسي ضد الواقع
سيناريو «دالاس بايرز كلوب» لا يبتعد عن مناقشة هذا الصلب الأميركي الصميم (وفي الواقع، كل السيناريوهات المتسابقة تمتد لتشمل جوانب منه). لكن الكتابة (كما قام بها كريغ بورتن وماليسا والاك)، تختلف كليـا كأسلوب تفكير وأسلوب عمل وتقنية كتابة.بطل هذا السيناريو هو رون (ماثيو ماكوهوني)؛ تكساسي محض، يكسب ماله من العمل في «الروديو» (رياضة ترويض الجياد) ومن المراهنات. مثل بطل «ذئب نيويورك» (ليوناردو دي كابريو) مدمن كوكايين ونساء. على عكسه ليس نصـابا وأكثر من ذلك، هناك في قلبه مساحة كبيرة خالية من الشر ولو أنها مهملة. وهو، بنشأته الذكورية، مفتون بحياته ولا يرى فيها أي عيب. فجأة، يخبره الطبيب بأنه مصاب بالإيدز. ما يطفح على السطح مباشرة رفضه الاعتراف باحتمال ذلك. فهو ليس مثليا، بل معتد بذلك. حين يقترب منه أحدهم بعد قليل. يقع الحوار التالي:
رايون: «أنا رايون».
رون: «مبروك (يشتمه)… عد إلى سريرك».
رون لا يستطيع أن يتصور أنه سيتحدث إلى مثلي، ما البال إذا ما كان مصابا بما يعد أن المثليين فقط هم من يمكن لهم أن يصابوا بذلك؟ كون الأحداث تقع في الثمانينات، مع مطلع انتشار الآفة، يمنح رون غطاء مناسبا. سيستمر في النكران لبعض الوقت، لكنه سيعي ما هو عليه ويقبل به لاحقا، ثم يسعى، في وسط رغبته في الدفاع عن حياته، لتمكين مرضى آخرين من الاستفادة من عقار طبي مضاد للمرض ومتوفر في أوروبا وفي المكسيك، لكن السلطات الفيدرالية لم تسمح به بعد.
بالحكم عليه بعد قراءته، وليس فقط من خلال مشاهدة الفيلم كما أخرجه جان مارك فالي، هذا السيناريو من أفضل ما هو معروض أمام المحكـمين حاليا. شاسع ومحدد في الوقت ذاته. فردي وعام وجيـد الكتابة أيضا.

مخاطر غير محسوبة
ننتقل من الثمانينات إلى السبعينات في سيناريو فيلم «نصب أميركي»، الذي كان عنوانه الأصلي، كما وضعه إريك سينجر، هو «هراء أميركي». الكاتب وضع السيناريو قبل عشر سنوات، لكن بعد الحماسة الأولى غط المشروع في سبات عميق إلى أن وصل إلى المخرج ديفيد أو راسل الذي أعاد كتابته (ووضع اسمه عليه إلى جانب كاتبه الأصلي). بذلك، لا يمكن معرفة موقع التغييرات التي أصابت الفيلم، إذ يحتاج ذلك إلى مراجعة السيناريو الأصلي ومقارنته بالسيناريو الجديد الذي بين أيدينا. لكن، ما بين أيدينا سهل القراءة كما لو أنك تقرأ رواية. يتحرك من مشهد إلى مشهد على نحو مشوق، وذلك مترجم على الشاشة بلا ريب. هناك بعض العيوب في توزيع الشخصيات أو في المرور على دوافعها من دون كثير بحث، لكنه سيناريو جيـد حوله المخرج راسل إلى فيلم متين.
تقع الحكاية في السبعينات. إرفينغ روزنفلد (شخصية يهودية كما الحال بالنسبة لشخصية بلفورت في «ذئب وول ستريت») نصـاب كبير. يوهم الضحايا فيستثمرون في شركات وهمية. يقبض أموالهم ويختفي. بما أننا في عصر ما قبل الكومبيوتر آنذاك، فإن هذا المنوال من العمل سهل على النصـاب إرفينغ، لكنه يقع في النهاية في قبضة الـ«إف بي آي» التي تخيره إما التعاون معها وإما دخول السجن وزوجته (آمي أدامز). يختار الحل الأول الذي ينص أيضا على قيام عميل الحكومة ريتشي (برادلي كوبر) بالعمل معه. الهدف هو الإيقاع بالمحافظ بوليتو (جيريمي رنر) الذي يدير أكبر عدد من نوادي القمار. عند هذا الحد، يدرك إرفينغ وشريكه ريتشي أن ما بدأ كعملية سهلة تحول إلى مخاطرة كبيرة. ما تكدس على الطاولة أمامهما من احتمالات خطرة أكبر مما توقعاه. الوكالة الفيدرالية بدورها أدركت أنها إذا ما سمحت بالرابط بين رئيس العصابة المنظـمة تلييغو ومحافظ مدينة نيوجرسي بالظهور إلى العلن فإنها ستدخل في صلب قضيـة فساد سياسي لا تدري إذا ما كان مناسبا أو لا.
إذ يكشف السيناريو كل الحقائق بتوالي حدوثها، لا يلعب على أن غموضا يذكر، لكنه يبقى مشوقا.

بين حضور المرأة وغيابها
«نصب أميركي» مثل «نبراسكا» و«دالاس بايرز كلوب» قائم على بطولات رجالية. المرأة في هذه السيناريوهات في الخلفية أو على الجانب. لكن هذا ليس شأن السيناريوهين الآخرين «هي» و«بلو جاسمين»، وكلاهما يشتركان في أن كاتبيهما قاما بإخراج الفيلم أيضا. سبايك جونز هو الكاتب الوحيد لمشروعه «هي» (يكتب لأول مرة)، بينما وودي ألن هو الكاتب الوحيد أيضا لفيلمه «بلو جاسمين».
بطل «هي» هو أيضا رجل، اسمه تيودور (واكين فينكس)، لكن المرأة هي عالمه. هي والتقنيات الحديثة. تيودور يعيش في عالم الديجيتال معظم ساعات النهار والليل. أحد التعليقات المنشورة حول هذا الموضوع يقول عن صواب أنه «صورة منا جميعا بعد أعوام قليلة». حقيقة أن الأحداث تقع في المستقبل القريب تمنح للكاتب - المخرج تجسيد هذا التصور معتمدا على الحاضر، فإذا كنا اليوم نعتمد على الكومبيوتر والهاتف والـ«آيباد» في معظم شؤوننا اليومية (باستثناء الحاجات الأساسية القليلة المتبقية)، فإنه من الممكن - وهذا ما يوفره الفيلم - تخيـل مستقبل هذا الاعتماد وقد تنامى عوض أن ينحسر. تيودور شخص مهزوم من قبل أن يبدأ الفيلم. في مشهدي فلاش باك في السيناريو ندرك جذور هذه الهزيمة: لقد أخفق في حياته العائلية إذ تركته زوجته. هذا هو الغياب العاطفي للمرأة في حياته. وهو لا يستطيع أن يفعل شيئا يـذكر لمعالجة هذا الفراغ الكبير. لذلك، أول ما يسمع بنظام يمكـنه من التعامل مع شخصيات غير حيـة مؤلـفة من برنامج النظام. يستجيب تيودور ويقابل سامنتا، والسيناريو عند هذا الحد آسر في طرحه أكثر من جانب لهذا الموضوع، من بينها إحباط بطله من عيش منفرد في عالم صار مبنيا بالكامل على الحث على هذا الانفراد، والفراغ الذي لم يعد ممكنا ملأه بعلاقات إنسانية، بل بأخرى افتراضية. ثم يلج السيناريو (والفيلم كذلك) للبحث في مستقبل مثل هذه العلاقة بين شخصين؛ أحدهما حي والآخر يبدو حيـا.
أما سيناريو وودي ألن، فهو لا يزال مشدودا إلى عالم اليوم. وهو الوحيد بين هذه السيناريوهات المكتوبة خصيصا لبطولة نسائية.
جاسمين (تؤديها كيت بلانشيت) اكتشفت خيانة زوجها (أليك بولدوين) لها وفضـلت العيش من دون ثرائه وخارج حزام الأمان الذي توفـره حياتها البذخة على قبول معاملته لها وكذبه عليها، فتطلب الطلاق وتحصل عليه بعدما أوشت بعملياته المالية إلى الـ«إف بي آي». لكن الانتقال المفاجئ من رغد الحياة إلى ما دون ذلك ليس سهلا وهي تكتشفه للحال أول ما حطـت في مدينة سان فرانسيسكو، حيث تعيش شقيقتها من أب (سالي هوكنز). تحمل جاسمين معها أنفتها من حياة الدعة وجهلها بكيف ستتصرف مع طقسها الجديد، فشقيقتها عاملة محدودة الدخل لديها ولدان صغيران وتعيش في شقـة بسيطة ولديها علاقات مع أشخاص من دون المستوى الاجتماعي الذي اعتادته جاسمين. مهارة ألن توليفية بين عالمين وشخصيات كل من هذين العالمين، لكن قلب السيناريو لا يزال يخضع لما كتبه ألن مرارا وتكرارا حول شخصيات مرتبطة مع شخصيات أخرى (متزوجة أو على مشروع زواج)، تخرج من ذلك الارتباط لتدخل آخر أو تحاول. رجال ونساء لا يدركون قرارة النفس ولا تفهم قلوبها فتترك من كانت تحب لأنها التقت من قد تحب عوضا عنها. المختلف هنا، هو أن الممثل يختار صعيدا اجتماعيا أعلى. بطلته مثله رغيدة العيش، لكنها، مثله أيضا، لا تعرف الحياة الأميركية بعيدا عن مدينة نيويورك. سان فرانسيسكو عالم آخر مختلف تماما بالنسبة إليهما، وهذا العالم وشخصياته سيعيدانها في النهاية إلى المدينة التي تركتها وراءها.

بوب نيلسون: استوحيت «نبراسكا» من مواقف عاشها والدي

* عندما جلس بوب نيلسون لكتابة «نبراسكا»، وجد أن الصعوبة كانت في اختيار المادة. السؤال، كما يقول، ليس ماذا يكتب بل كيف يكتب، فبوب لم يكن يكتب للسينما من قبل، بل كل ما كتبه وباعه من قبل كان مقاطع ومشاهد لمسلسلات كوميدية للتلفزيون. وهو لم يكن ناجحا في ذلك القطاع أيضا. إنه رجل في السابعة والخمسين من العمر يعيش بهدوء فيلمه ذاك وهو هدوء لم يختل توازنه حتى من بعد ترشيحه لأكثر من جائزة من جوائز الموسم الحالي، فهو رشـح لجائزة «غولدن غلوب» ولجائزة نقاد سان فرانسيسكو ولجوائز نقاد آخرين، كما هو مرشـح لجائزة «البافتا»، وبالطبع لجائزة الأوسكار في نطاق أفضل سيناريو مكتوب خصيصا.
وهو مرشـح لجائزة أفضل كاتب سيناريو من قــبل «جمعية الكتاب الأميركية» Writers Guild of America التي تعلن جوائزها في الأول من فبراير (شباط) الحالي، أي بعد توجـه هذا المقال إلى المطابع.
قابلته في حوار قصير بعد إعلان نتائج سباق «غولدن غلوب» الأخير، حيث ذهبت جائزة أفضل سيناريو غير مقتبس لفيلم «هي»:
* كيف تجد عالم الترشيحات والجوائز الذي تخوضه للمرة الأولى؟
- علي أن اعتاد ذلك. لست واثقا بأنني أحسن الانخراط فيه رغم أني أفهمه كاملا. إنه من الممتع أن تجد نفسك في غماره.
* من أين استوحيت فكرة «نبراسكا»؟
- استوحيتها من مواقف عايشها والدي، لكنه لم يلعب أوراق الحظ. ما استوحيته هو البيئة التي اعتادها ووجدت نفسي أفكر في أنه لو كنت مكانه الآن لشعرت بأنني معزول أمام واقع مختلف عما كان يعيشه هو. أتعلم ما أقصد؟ استندت إلى ما أتذكره عن والدي وأنا صغير. كانا يجلسان على مقربة بعضهما من بعض، لكنهما قليلا ما كانا يتحدثان. لم يكن هناك ما يتحدثان بشأنه.
* هل شخصية وودي كما يؤديها بروس ديرن هي شخصية أبيك؟ هل أنت ديفيد؟
- نعم والدي موجود في أكثر من نطاق. وأنا كذلك. لقد بدأت السيناريو منطلقا من شخصية والدي الفعلية. كنت أتخيل أن والدي هو من يمر بهذا الوضع وبتلك المواقف وهو من يجد نفسه محتارا بين خياراته. سألت نفسي عما كنت سأقوم به لو كنت مكان ديفيد، لذلك إلى حد معيـن ديفيد هو أنا أو العكس.
* بعض النقاد وربما من سواهم من الناس عاب على السيناريو أنه يتناول وضعا محبطا ومهزوما، وهذا مقصود بالطبع، لكن ماذا تقول في ذلك؟
- كتاباتي قبل هذا السيناريو كانت كوميدية. وفي رأيي أن معالجة مواضيع درامية كانت في بالي منذ البداية. أعتقد أنه خيار طبيعي لكثيرين: تكتب دراما طول الوقت ستجرب الكوميديا. تكتب كوميديا ستجرب الدراما. لكن المشكلة التي واجهتني هو كيف أكتب ما أريد كتابته. بدأت أكثر من مرة ولم أتجاوز العشرين صفحة. أدركت أن علي أن أتعلـم مجددا. قرأت بعض الكتب وقرأت بعض السيناريوهات. ما أفادني هو الكتب التي تتحدث عن خطوات الكتابة وليس كيف تكتب على نحو تقني. لكن ردي على الرأي الذي يقول إني كتبت ما هو محبط، هو أنني بحثت عن دراما حقيقية. ربما الحقيقة هي كذلك.
* متى كتبت السيناريو؟ هل صحيح أنك وضعته قبل سنوات قليلة؟
- لا. ليس سنوات قليلة، بل عام 2003 قبل أن يرى النور. ليس سهلا على مواضيع كهذه أن تجد المخرج الذي يريد تحقيقها أو المنتج الذي يتحمس لها.
* كيف استطعت لفت انتباه المخرج ألكسندر باين إليه؟
- كنت محظوظا. في الحقيقة، لم أكن أعرف ألكسندر معرفة شخصية. كنت كتبت نصا كوميديا استعراضيا في مدينة سياتل، ولم يكن وجودي إلا من باب العمل على ذلك المشروع. المنتجة جولي تومسون قرأت السيناريو ثم أعطته لألكسندر باين لإبداء رأيه فيه. ألكسندر قرر إنتاجه وإخراجه.
* ألكسندر باين مخرج وكاتب لديه عالمه الخاص ورؤيته الشخصية، لا بد أنه غيـر في نصـك.
- صحيح ومن حيث أفاد هذا النص في الواقع. تدخله كان في مناطق كثيرة. في السيناريو، كما كتبته، وجود لولدي شخصية وودي بالفعل، لكن ألكسندر قام بخلق قدر من التوتر بينهما لم يكن موجودا في السيناريو.
* من الذين أثـروا فيك ككاتب؟
- أحب من يستطيع أن يمزج بين الدراما والسخرية، وهذا هو حال هذا السيناريو حقا. إذ أقول ذلك فأنا أعني مخرجين وكتابا مثل هال أشبي في السبعينات وبيلي وايلدر في الخمسينات والستينات. الآن، أجد نفسي منجذبا للأخوين كوون، لأنهما أيضا يمزجان بين الوضع الدرامي الصعب وتلك الخطوط الساخرة التي تمر فيه.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».