فنانون يعيدون بعضا من الحياة لقصر هشام بن عبد الملك في أريحا

وتعددت الأعمال الفنية ما بين الرسم والنحت واستخدام المؤثرات الصوتية

شيد في الفترة ما بين 743 و744 ميلادية وكان عبارة عن قصر شتوي للراحة والاستجمام على أطراف بادية الشام وقد دمر هذا القصر في زلزال عنيف ضرب المنطقة عام 749 ميلادية
شيد في الفترة ما بين 743 و744 ميلادية وكان عبارة عن قصر شتوي للراحة والاستجمام على أطراف بادية الشام وقد دمر هذا القصر في زلزال عنيف ضرب المنطقة عام 749 ميلادية
TT

فنانون يعيدون بعضا من الحياة لقصر هشام بن عبد الملك في أريحا

شيد في الفترة ما بين 743 و744 ميلادية وكان عبارة عن قصر شتوي للراحة والاستجمام على أطراف بادية الشام وقد دمر هذا القصر في زلزال عنيف ضرب المنطقة عام 749 ميلادية
شيد في الفترة ما بين 743 و744 ميلادية وكان عبارة عن قصر شتوي للراحة والاستجمام على أطراف بادية الشام وقد دمر هذا القصر في زلزال عنيف ضرب المنطقة عام 749 ميلادية

أعاد 10 فنانين فلسطينيين وأجانب جانبا من الحياة إلى قصر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك في مدينة أريحا من خلال أعمال فنية انسجمت مع روح المكان.
وتعددت الأعمال الفنية ما بين الرسم والنحت واستخدام المؤثرات الصوتية في ساحات القصر التي لا تزال أجزاء كبيرة منها ماثلة للعيان.
وقال الفنان التشكيلي الفلسطيني خالد الحوراني أحد المشاركين في إنجاز هذا العمل لـ«رويترز» خلال وجوده في المعرض الذي افتتح مساء الأحد: «القيام بعرض أعمال فنية في هذا المكان التاريخي تحد كبير جدا للفنانين».
وأضاف «قبل البدء في إنجاز الأعمال الفنية استمع المشاركون في المعرض إلى شرح عن طبيعة المكان من الدكتور حمدان طه الخبير في الموقع والذي أشرف على أعمال الترميم والتنقيب التي جرت فيه كما قدمت الفنانة فيرا تماري شرحا عن طبيعة الناس الذين سكنوا هذا المكان».
وتشير نشرة حول القصر إلى أنه شيد في الفترة ما بين 743 و744 ميلادية وكان عبارة عن قصر شتوي للراحة والاستجمام على أطراف بادية الشام وقد دمر هذا القصر في زلزال عنيف ضرب المنطقة عام 749 ميلادية.
ويضم الموقع الأثري الذي يتميز بلوحات الفسيفساء في أرضيته «القصر والحمام الكبير والمسجد وحوض الماء المزخرف ويحيط به سور خارجي غير مكتمل».
وأوضح الحوراني أن صعوبة إقامة معرض فني في هذا المكان تنطوي على عدم إحداث أي تغيير فيه أو إضافة أي شيء يمكن أن يؤثر على جماليته أو يتعارض معها لذلك حاولت الأعمال الفنية بث الحياة فيه.
واختارت الفنانة الفلسطينية عواطف رومية المشاركة بعمل فني يعيد الحياة إلى نافورة المياه وصوت دبيب أرجل الداخلين إلى القصر.
وقالت عواطف لـ«رويترز» خلال وقوفها إلى جانب عملها الفني «عملت على الاستماع إلى صوت نافورات المياه القديمة وقمت بتسجيل صوتها وقمت بوضع التسجيل بطريقة مخفية إلى جانب النافورة بحيث كلما مر شخص من جانب النافورة اشتغل التسجيل».
وأضافت «قمت كذلك بتسجيل أصوات الأرجل وهي تسير على الأرض ووضعتها على مدخل القصر».
وشكل تاريخ المكان الذي كانت تتدفق فيه مياه الينابيع من الجبال المجاورة إلهاما للفنانة الصربية تمارا سنيك في تنفيذ عملها الفني. وقالت تمارا: «عندما استمعت إلى تاريخ المكان وأن المياه كانت تتدفق إليه وعند مشاهدتي للقنوات الجافة قررت أن أعيد مشهد المياه إليها». وعملت تمارا على إحضار حجارة صغيرة من وادي مجاور ولونتها بالأزرق ورصفتها في إحدى قنوات المياه القديمة فبدت المياه الحالية فيها. وأعربت تمارا عن سعادتها بالمشاركة مع فنانين فلسطينيين في معرض مشترك، وقالت: «تبادلنا الأفكار ووجهات النظر حول الأعمال الفنية وكان مهم الاستماع إلى وجهات نظر مختلفة.. هذا يغني العمل الفني».
وقدم الفنان الفلسطيني رأفت أسعد فرصة لزوار القصر للتخيل بأنهم يسكنون في طوابقه العليا من خلال رسم لوحة فنية تجسد المنظر الذي كان سيشاهدونه أمامهم من جبال ورمال وبحر كما لو كانوا في طوابق القصر العليا. ويأمل القائمون على المشروع الذي موله الاتحاد الأوروبي من خلال التعاون بين شبكة الاتحاد للمراكز الثقافية ووزارة السياحة والآثار الفلسطينية أن يسهم في تعزيز حركة السياحة للمكان.
وقال خالد الحوارني: «سنسعى إلى تكرار هذه التجربة في أماكن تاريخية وأثرية أخرى ونأمل أن نكون قد أسهمنا في إضافة بعض الحياة للمكان». وقال ماجد الفتياني محافظ أريحا في كلمة في افتتاح المعرض: «الفنانون كتبة التاريخ وهم الأكثر قدرة على جلب وتوضيح الجوانب التاريخية المتعددة. وهذا الجهد الفني قراءة واضحة لتاريخ هذا المكان».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».