دقيقة و45 ثانية.. تعيد الفنانة المغربية عزيزة جلال إلى الواجهة

اعتزلت الغناء قبل 30 عامًا.. في قمة شهرتها

غلاف ألبوم «مستنياك» للفنانة المغربية المعتزلة عزيزة جلال
غلاف ألبوم «مستنياك» للفنانة المغربية المعتزلة عزيزة جلال
TT

دقيقة و45 ثانية.. تعيد الفنانة المغربية عزيزة جلال إلى الواجهة

غلاف ألبوم «مستنياك» للفنانة المغربية المعتزلة عزيزة جلال
غلاف ألبوم «مستنياك» للفنانة المغربية المعتزلة عزيزة جلال

تداول رواد الشبكات الاجتماعية وعدد من المواقع الإلكترونية المغربية مقطع فيديو، مدته دقيقة و45 ثانية، يصور حفل زفاف، تظهر فيه الفنانة المغربية عزيزة جلال، التي اعتزلت الغناء قبل 3 عقود.
وبدت الفنانة المغربية المعتزلة، كما ظهر في الفيديو، الذي حمل عنوان: «ظهور عزيزة جلال في عرس»، سعيدة وفي قمة التأثر وهي تتلقى تحايا المعجبات اللاتي تحلقن حولها للسلام عليها وأخذ صور معها، على إيقاع أغنية «مستنياك»، إحدى أجمل أغانيها، التي كانت تؤديها المطربة المغربية دنيا باطما في الحفل الذي لا يظهر، من الفيديو، مكان وتاريخ إقامته.
ويبدو أن حكم الزمن لم يفقد الفنانة المغربية المعتزلة إعجاب وعشق الجمهور لها، وهي التي اعتزلت الغناء في عز شهرتها وفي قمة مجدها الفني. ويتزامن تداول فيديو «ظهور عزيزة جلال في عرس» مع جدل في المغرب بصدد كلمات عدد من الأغاني الهابطة الشكل والمضمون، تسيدت المشهد الفني المغربي، في السنوات الأخيرة، واختيار عدد من رموز الفن الراقي الاعتزال، كعبد الهادي بلخياط، أو التواري إلى الخلف، مجبرين، كعبد الوهاب الدكالي ونعيمة سميح.
وفي الوقت الذي تقتل فيه الحيرة كثيرا من عشاق الفن الراقي وهم يتابعون عددا من الأغاني الهابطة، وهي تتقدم المشهد الغنائي المغربي، سيجدون كثيرا من العزاء والدعم لمواقفهم ومبادئهم، بعد حدث ظهور عزيزة جلال في مناسبة خاصة، وطريقة احتفاء الحاضرات بها والتفافهن حولها، بشكل يؤكد أن الجميل والراقي من الفن والغناء يبقى هو الأصل، فيما الهابط والرديء مجرد حادثة سير في حياة الناس، سرعان ما يتعافون منها للعودة إلى حياتهم الطبيعية السليمة.
ويحسب لعزيزة جلال أن الجميع أحبها «لاحترامها الشديد لفنها والتزامها بأخلاق الفنان العربي»؛ كما أحبوها لأمور عدة، ومنها «أغانيها الجميلة التي تعاونت فيها مع كبار الشعراء والملحنين من العالم العربي، ولنظاراتها التي ظلت لسنوات طويلة ترمز لهذا الاسم الجميل»؛ لذلك ظلت وستبقى تتلقى «التحية من الأعماق»، لأنها «أمتعت بفنها وحضورها الجميل والمبهج، ولم تنجرف طوال مسيرتها الفنية فيما هو هابط وغث»، كما يكتب ويردد عدد كبير من عشاق الفن الجميل.
ونقرأ عن الفنانة المعتزلة، في «الموسوعة العالمية الحرة»: «(عزيزة محمد جلال)، (بتشديد اللام الأولى»، لأن أباها كنيته جلال، والمعروفة باسمها الفني (عزيزة جلال)، (15 ديسمبر/ كانون الأول 1958)، مطربة مغربية. ولدت بمدينة مكناس، 130 كلم شرق الرباط، تابعت تعليمها بمدارس مكناس، كما أنها درست المقامات الموسيقية وقواعد الصولفيج بنفس المدينة؛ وفي نحو عام 1975 شاركت في مسابقات البرنامج الغنائي (مواهب) الذي كان يشرف عليه الأستاذ عبد النبي الجيراري. وفيه غنت أغنيات شادية وأسمهان ونالت إعجاب الأساتذة في البرنامج. مباشرة بعد نجاحها المذهل في المرور للأدوار النهائية في البرنامج لحن لها عبد النبي الجيراري أغنية (نقلت عيوني هنا وهناك) في مناسبة المسيرة الخضراء سنة 1975، كما أدت عدة أغنيات وطنية في مناسبات عيد الجلوس (عيد العرش) في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. بعد هذه الفترة، سافرت عزيزة جلال إلى الإمارات العربية المتحدة، وهناك أدت 3 أغنيات للمطرب الإماراتي الراحل جابر جاسم، فاشتهرت تلك الأغنيات بصوتها، ثم سافرت إلى القاهرة، ومنها كانت انطلاقتها الفنية الحقيقية. في القاهرة، تلقفتها شركات الإنتاج الفني وتعاقدت معها في مجموعة من الألحان، فكان الملحن محمد الموجي أول ملحن مصري يتعامل معها، فغنت له: «إلا أول ما تقابلنا» و«بتخاصمني حبه» لشركة «عالم الفن». غنت كذلك للسنباطي وسيد مكاوي وبليغ حمدي وكمال الطويل وحلمي بكر. كما قامت أيضا بغناء كثير من الأغاني لأسمهان وأم كلثوم، ولكن بطريقتها وأسلوبها الغنائي المنفرد الذي كون مدرسة تخرجت فيها كثيرات من المطربات أمثال: كريمة الصقلي، ولطيفة، وسمية قيصر، وآمال عبد القادر، ومريم بلمير، وجنات.. وأخريات. وكانت عزيزة جلال (وهي في القاهرة) تتلقى عروضا من المنتجين السينمائيين للتمثيل في السينما. وفي عام 1985 تزوجت برجل الأعمال السعودي الشيخ علي بن بطي الغامدي، واعتزلت الفن بعد رحلة قصيرة. وهي الآن سعيدة بحياتها الزوجية في مدينة الطائف، وبأبنائها الذين تخرجوا في الجامعة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)