الحوثيون ينشئون صندوقاً يشرعن لهم نهب المساعدات الإنسانية

الجماعة أخطرت المنظمات بتوريد أموالها إلى حسابات الصندوق

عائلة يمنية في مخيم للنازحين في صنعاء (إ.ب.أ)
عائلة يمنية في مخيم للنازحين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون ينشئون صندوقاً يشرعن لهم نهب المساعدات الإنسانية

عائلة يمنية في مخيم للنازحين في صنعاء (إ.ب.أ)
عائلة يمنية في مخيم للنازحين في صنعاء (إ.ب.أ)

كشفت مصادر مطلعة في صنعاء عن قيام الميليشيات الحوثية بإنشاء صندوق خاص يعمل تحت إشراف وإدارة ما يسمى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، وهو كيان تم ابتكاره قبل عامين لشرعنة ابتزاز المنظمات الدولية وحرف مسار تمويلاتها الممنوحة لليمنيين المحتاجين لصالح المجهود الحربي للجماعة.
وأفادت المصادر التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط» بأن القيادات الحوثية المعنية بإدارة ذلك الكيان غير المشروع أصدرت مؤخرا وعقب إنشائها الصندوق تعميمات تلزم المنظمات الدولية والمحلية العاملة في صنعاء العاصمة وبقية مناطق سيطرتها بتوريد مخصصاتها المالية المقدمة لليمن إلى حسابات صندوق مجلسها الانقلابي.
وأشارت المصادر إلى أن التعميمات الحوثية أبلغت العشرات من تلك المنظمات بعدم تخصيص أي مبالغ لمشاريع ما تبقى من المنظمات المحلية، إلا بعد توريد المبالغ وجميع البيانات المتعلقة بها لحسابات الصندوق الذي زعمت أنه سيعمل على مراجعتها وتقييمها والإشراف المباشر على تنفيذها حال الموافقة عليها.
في السياق نفسه تحدث عاملون في منظمات دولية ومحلية بصنعاء عن أن الميليشيات تسعى من خلال ذلك الصندوق إلى الاستحواذ على ما تبقى من أموال المانحين المقدمة للإغاثة والعمل الإنساني في اليمن، وتخصيص الجزء الكبير منها لصالح المنظمات والجمعيات التي أسستها خلال الفترة الماضية.
وقال بعض منهم لـ«الشرق الأوسط» إن الجماعة وضعت صلاحيات مطلقة للصندوق التابع لها على حساب عمل المنظمات الدولية والمحلية من بينها التحكم بالمبالغ المقدمة من المانحين للشعب اليمني وفرض الخطط لأماكن وأوقات تنفيذ المشاريع الإنسانية والإغاثية للمنظمات الدولية وصولا للتدخل في فرض عاملين منفذين للمشاريع عند تسليمها للمستفيدين.
ولفتت المصادر إلى أن الجماعة مستمرة بمساعيها كما هي عادتها في استغلال أي مساعدات سواء نقدية أو غذائية واستخدامها لمصالحها الشخصية والعسكرية وتجنيد المقاتلين الفقراء وعلى هيئة مكافآت لأسر قتلى الجماعة.
وذكرت المصادر أن المانحين يقدمون أموالهم لدعم العمل الإنساني في اليمن للأمم المتحدة دون تخصيص، وتقوم الأخيرة بتخصيصها وتوزيعها على وكالاتها والمنظمات العاملة في اليمن، لكن الجماعة، حليف إيران في اليمن، عملت جاهدة وما زالت من أجل أن يكون تخصيص الأموال من مهامها.
وعلى صعيد متصل، قال صندوق اليمن الإنساني الذي أنشأته الأمم المتحدة إن بعثات مراقبة المشاريع الممولة منه، في اليمن، وجدت أن نحو نصف المشاريع لم تنفذ، وبعضها تم تنفيذ جزء منها.
وأكد الصندوق في تحديثه الأخير تحت عنوان «تقرير المتابعة السنوي لصندوق اليمن الإنساني 2020» أن بعثات مراقبة المشاريع الممولة من الصندوق قيمت 44 في المائة منها على أنها ضعيفة الأداء، دون مبرر كاف.
ويتيح صندوق اليمن الإنساني، التمويل مباشرة للشركاء الإنسانيين والمنظمات المحلية العاملين في اليمن حتى يتمكنوا من تقديم المساعدة المنقذة للحياة في الوقت المناسب والفعالة لأولئك الذين يحتاجون إليها بشدة.
وطوال السنوات الماضية من عمر الانقلاب، عمدت الجماعة الحوثية إلى إنشاء المئات من المنظمات الوهمية بمناطق سيطرتها وأغلقت في مقابل ذلك العشرات من المنظمات الأخرى، في حين أوقفت تجديد ومنح تصاريح الكثير منها بغية الاستحواذ على أموال المساعدات والإغاثة، ورفع مشاريع وهمية من قبل منظماتها ولا يتم تنفيذها.
وكانت تقارير محلية وأخرى دولية تحدثت بوقت سابق عن أن أكثر من 267 منظمة أجنبية منها 10 تتبع الأمم المتحدة كانت تعمل في اليمن خلال فترة ما قبل الانقلاب، بالإضافة إلى نشاط المئات من المنظمات والجمعيات والمؤسسات المحلية بتنفيذ الآلاف من المشاريع المختلفة تمولها تلك المنظمات الخارجية.
وعلى صلة بالموضوع، أشارت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» إلى مواصلة الجماعة عبر مجلسها الانقلابي في ابتزاز وسرقة الملايين من مخصصات منظمات دولية تعمل في مناطق بسطتها واستقطاعها بشكل متكرر لآلاف الدولارات من مشاريع تديرها منظمات: «الهجرة الدولية، و«الصحة العالمية»، و«اليونيسيف»، و«مفوضية اللاجئين»، و«الأوتشا» و«البنك الدولي»، و«الأغذية العالمي» و«الفاو» وغيرها.
واتهمت المصادر كلا من القيادي أحمد حامد الذي يشغل منصب مدير مكتب حكم الانقلاب والذي يترأس أيضا مجلس إدارة ما يسمى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، والقيادي عبد المحسن الطاوس المعين من قبل الجماعة أمينا عام للمجلس نفسه بأنهما يقاضيان من 4 - 5 آلاف دولار أميركي لكل منهما عند إصدار تصاريح موافقة لتنفيذ أي مشروع من قبل الوكالات الإنسانية.
وأشارت المصادر إلى أن الأخير لا يزال يستقطع ما يصل لأكثر من 10 آلاف دولار من تكلفة أي مشروع كابتزاز ممنهج لعمل المنظمات.
وكان الطاوس هدد في وقت سابق بإطلاق حملة جديدة لإغلاق المزيد من المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق الجماعة، وذلك في سياق سعي الميليشيات إلى التضييق على عمل المنظمات وإرغامها على الرضوخ لحرف مسار العمل الإغاثي بما يخدم أجندة القتال.
الطاوس قال خلال جلسة نظمتها وزارة إعلام الجماعة الانقلابية في صنعاء إن المجلس الانقلابي الذي يرأس أمانته العامة «سيتخذ خلال الأيام المقبلة قراراً بإغلاق عدد من المنظمات لمخالفتها للوائح والقوانين المعمول بها» بحسب زعمه.
وفي حين لم يشر القيادي الحوثي المقرب من زعيم الجماعة إلى أسماء المنظمات التي توعد بإغلاقها، زعم وجود 462 منظمة في مناطق سيطرة جماعته قال إنها تعمل بالتنسيق مع المجتمع الدولي، معترفا بأن حكومة الانقلاب حصلت على 589 مليونا و939 ألف دولار من الدعم الدولي.
وفي مسعى تبريري للقيود التي تفرضها الجماعة الحوثية على المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة العاملة في مناطق سيطرة الميليشيات، يلجأ قادتها إلى كيل تهم لهذه المنظمات بـ«الفساد» و«الابتزاز» وبـ«تجاوز المعايير» التي تضعها الجماعة.
وكانت مصادر في الحكومة الشرعية وتقارير أممية اتهمت الجماعة بأنها تفرض على وكالات الإغاثة والمنظمات دفع اثنين في المائة من قيمة مشاريعها في مناطق سيطرتها، دون أن تلقي بالتبعات ذلك على ملايين السكان الذين يتضورون جوعا، غير أن الجماعة زعمت أنها تراجعت عن هذا القرار.
وغير مرة جددت الحكومة اليمنية دعوتها لمراجعة أداء الوكالات الأممية الإنسانية العاملة في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية على خلفية التقارير الغربية حول قيام الجماعة بإعاقة العمل الإنساني وابتزاز المنظمات وتحويل شق كبير من المساعدات لمصلحة مجهودها الحربي.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.