«كل يصنع إيمانه بيده»... فنون مختلفة تتناثر في منزل تراثي

معرض يخلّد ذكرى غايا فودوليان التي قضت في انفجار بيروت

TT

«كل يصنع إيمانه بيده»... فنون مختلفة تتناثر في منزل تراثي

لم تكن تعلم الفنانة التشكيلية غايا فودوليان أن صورة لها نشرتها عبر حسابها على «فيسبوك» قبل ساعتين من انفجار بيروت ستطبع ذاكرة اللبنانيين. وتظهر الشابة فيها وهي تركض باتجاه الكاميرا، وخلفها جبل أخضر. وكانت التقطتها في مدينة دامبولا السيريلانكية في عام 2020. وأرفقتها بعبارة «كل يصنع إيمانه بيده». فغايا التي قضت في الانفجار كانت تحضر لإطلاق مشروعها الفني «أرت ديزاين ليبانون»، على أمل أن تعرض فيه تصاميمها، إضافة إلى فنانين آخرين. رحلت غايا وبقي حلمها حاضراً في ذهن والدتها آني. فقررت المضي به حتى الرمق الأخير، ومن خلاله تقدم معرض «كل يصنع إيمانه بيده»، الذي يشارك فيه 9 فنانين تشكيليين استلهموا أعمالهم من نص غايا، الذي كان آخر ما نشرته قبل رحيلها بساعتين.
وتتألف مجموعة الفنانين المشاركين في المعرض من سامر أبو رجيلي وكارن شيكيرجيان وحاتم إمام وسيرين فتوح وبول كالوستيان ونتالي خياط وحسين نصر الله وكارولين تابت، إضافة إلى أخرى موقعة تصاميمها من غايا فودوليان. أما مكان المعرض الواقع في مبنى طبال في شارع السراسقة، فقد جرى اختياره كونه طاله انفجار 4 أغسطس (آب)، الذي أتى على معظم واجهاته الزجاجية. كما تضررت أسقفته المزخرفة وجدرانه الملونة بشكل جزئي، وبات معلماً تراثياً شهد على رحيل غايا ولو من بعيد. يعود تاريخ بناء هذا المبنى إلى أواخر الثمانينات، وتتوزع أعمال الفنانين المشاركين فيه على غرفه الشاسعة. أما ريع المعرض فيعود إلى مؤسسة غايا فودوليان لدعم وإنقاذ الحيوانات المحتاجة والاهتمام بها.
منذ اللحظة الأولى لدخولك المعرض والتجول في طابقيه حاضناً أعمال الفنانين، تشعر وكأنك في حضرة الفنانة غايا. فكل زاوية منه تحمل عطرها الفني تماماً كما كانت ترغب. والسينوغرافيا التي وقعها كل من غيث وجاد في عملية تنسيق المعرض، ارتكزت على الاستعارة، بحيث لم يجر مس أي مساحة من المنزل مباشرة. ويوضح غيث في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نظراً لقيمة المنزل التراثية لم نشأ أن نخرّب أي مساحة وزاوية منه لتكون في خدمة المعرض. ولذلك وزعنا الأعمال الفنية على غرفه من خلال إكسسوارات، يمكن بعد فكها، أن يعود المنزل إلى ما كان عليه. واعتمدنا فيه على إضاءة غير مباشرة مركزة على وصلات معدنية موزعة في أرجاء المنزل». وخلال التجول في المعرض يشعر زائره أن اللوحات وقطع الأثاث والصور الفوتوغرافية المشاركة فيه، معلقة بين السماء والأرض تماماً كروح غايا، التي لا تزال ترفرف على حياة والدتها وأصدقائها بعيد رحيلها.
وتقول أني فارتيفاريان التي كانت تتابع كل شاردة وواردة عشية افتتاح المعرض، أنها أرادت من خلال هذا المشروع استكمال حلم ابنتها. واختارت مبنى الطبال كي لا يطبع المعرض بعنصر التجارة، بل بعراقة بيروت التي دمرها الانفجار وتسبب برحيل ابنتها. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعلم إذا ما كانت غايا تراقبني من المكان الذي هي فيه اليوم. لا أعرف إذا كانت سعيدة بما أقوم به أو حزينة لعدم حضورها معنا. كل ما أعرفه أني بعد أربعة أيام من رحيلها قررت الانطلاق بالمعرض. وستبقى غايا بروحها حاضرة، خصوصاً أني أنوي إقامة أكثر من معرض لها... الفنانون المشاركون، بعضهم تعرفهم غايا مسبقاً. أما التصاميم الموقعة من قبلها فنفذت على طريقتها، كما اشتهت تماماً واستخدمنا مواد طبيعية غير صناعية لإنجازها». وتقول آني لـ«الشرق الأوسط» إنّها أقامت معرضاً فنياً لتخليد ذكرى ابنتها الراحلة، لأن الفنون وحدها تبقى روحها حية وتنثر الحياة حولها.
عند مدخل المعرض وفي الدار الخارجية منه يطالعك عمود مصنوع من الحجر الصخري، المعروف في مناطق الساحل المشرقي من توقيع حسين نصر الدين. ويروي لـ«الشرق الأوسط»: «استوحيت عملي هذا من قصيدة كتبها المتنبي عن القلعة الحمراء. وبعد مرور الزمن اختفت هذه القلعة من الوجود، وكل ما بقي منها هذه القصيدة الشعرية التي كتبها. ترجمتها على طريقتي في هذا النصب التذكاري ويبلغ طوله 3.5 متر ويحمل بقعاً حمراء مصنوعة من وصفات وخليط أعشاب تعود إلى العصر العباسي». حسين المتخصص في الأدب العربي والعمارة، يؤكد أنّ ما رغب في إظهاره من خلال النصب، هو قدرة الشعر على تغيير وجه المنشآت المعمارية، وكذلك الإشارة إلى تاريخ حقبة عنف دموية في قصائد شعراء مثل المتنبي، ويعرّج على الألوان التي غاص في دراسة تاريخها في أبحاث متتالية. ويكمل حسين قصة هذا النصب الفني في الطابق الثاني من المعرض، من خلال 3 شاشات عملاقة تتضمن ثلاثة عروض بصرية: قصص عن أول خليفة عربي في الأندلس عبد الرحيم الداخل، وكذلك ملاحظات كتبها والده عن كتب الشعر التي كان يهوى قراءتها، وأخرى تحكي عن فيلسوف عباسي وكيف أنهى حياته بعد أن أضرم النار في جسده.
وفي الطابق الثاني للمنزل نستعرض قطعتين فنيتين كانت غايا فودوليان قد وضعت تصاميمهما قبل رحيلها. وهما كناية عن قطعتي أثاث خشبيتين (بانش)، مصنوعتين من الخشب، وتتلون الأولى بالأحمر والثانية بالرمادي القاتم.
أما سامر أبو رجيلي المنسق العام للمعرض فيشارك فيه من خلال طاولة ضخمة سوداء مصنوعة من خشب شجر الصنوبر. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الرسالة الأساسية التي عملت على إيصالها في تنسيقي هذا المعرض هو تحقيق حلم غايا. نفذنا تطلعاتها ورؤيتها المستقبلية كما رغبت تماماً. وحافظنا على روح أفكارها التي لم يشأ القدر أن تنقلها إلى الواقع». وعن الطاولة الخشبية من تصميمه يقول: «الخشب المستعمل فيها يعود إلى شجرة صنوبر عمرها 300 سنة. اقتلعتها عاصفة قوية فأعدتها إلى الحياة على طريقتي. وتعتمد فكرتها على إمكانية توزيع قطعها الموصولة بعد تفكيكها لتناسب المساحة التي نريدها».
أما نتالي خياط، فتقدم في المعرض قطعاً فنية مصنوعة من السيراميك ضمن أحجام ضخمة. وقد خصصت لضحايا انفجار بيروت 210 قطعة فنية. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «هي كناية عن شمعدانات أهدي كل واحدة منها لأرواح ضحايا الانفجار كي لا ننساهم. وقدمت في قطع أخرى تصاميم ضخمة من صحون ضيافة وأواني، تظهر قيمة التواصل بين الإنسان وأدوات يستعملها في أيامه العادية».
ومن محتويات المعرض أيضاً لوحات لبول كالوستيان تعتمد على تقنية الميكس ميديا. فيما تعرض كارن شيكيردجيان أواني رخامية متحركة صنعتها بطريقة فنية. يمكن تغيير وجهتها على نفس القاعدة الصلبة التي تحملها. وتأخذنا كارولين تابت إلى حيوات سابقة من خلال مجموعة لوحات مرسومة. أما الفنان حاتم إمام فيصور في مشهدية سوريالية، ضبابية نظر مصاب صاحبه بمرض «اعتمام عدسة العين».
يبقى المعرض فاتحاً أبوابه أمام الزوار لغاية 29 الحالي ويكمل افتراضياً عبر منصة «AD leb» الإلكترونية، بهدف إشراكه في الفنون العالمية مسلطاً الضوء على التنوع الإبداعي في المنطقة.



مصر تستعيد قطعاً أثرية ومومياء من آيرلندا

إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)
إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر تستعيد قطعاً أثرية ومومياء من آيرلندا

إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)
إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت مصر استعادة قطع أثرية من آيرلندا، تضمَّنت أواني فخارية ومومياء وقطعاً أخرى، عقب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للدولة المذكورة.

وقالت وزارة الخارجية المصرية إنّ جهود استعادة القطع الأثرية من آيرلندا استمرّت طوال عام ونصف العام، وأوضحت في بيان، الجمعة، أنّ «القطع الأثرية التي استُردَّت من جامعة (كورك) الآيرلندية، هي مومياء مصرية وعدد من الأواني الفخارية والقطع الأثرية الأخرى، والجامعة أبدت تعاوناً كبيراً في تسهيل إجراءات إعادتها».

وتمثّل القطع المُستعادة حقبة مهمّة من التاريخ المصري القديم، وجزءاً من التراث الثقافي المصري الذي يحظى باهتمام الجميع، ومن المقرَّر عرضها في المتاحف المصرية، وفق بيان «الخارجية».

وأوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، الدكتور محمد إسماعيل خالد، أنّ «استرداد هذه القطع جاء وفقاً للاتفاق الثنائي الموقَّع مؤخراً بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة (كورك) الآيرلندية»، مشيراً في بيان لوزارة السياحة والآثار، إلى أنّ الجامعة كانت قد حصلت عليها بين الأعوام 1920 و1930؛ ومن بينها تابوت خشبي ملوَّن بداخله بقايا مومياء ومجموعة من الأواني الكانوبية المصنوعة من الحجر الجيري بداخلها أحشاء المتوفّى.

القطع الأثرية المُستردّة تعود إلى حقب تاريخية مهمّة (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، كشف مدير الإدارة العامة لاسترداد الآثار، المُشرف على الإدارة المركزية للمنافذ الأثرية، شعبان عبد الجواد، عن أنّ «الأواني الكانوبية التي استُردَّت لكاهن يُدعى (با ور)، من الأسرة 22 من العصر المتأخر؛ كان يحمل ألقاباً من بينها (حارس حقول الإله). أما التابوت الخشبي فهو من العصر الصاوي لشخص يُدعى (حور)، وكان يحمل لقب (حامل اللوتس)؛ وتوجد بداخله بقايا مومياء وعدد من أسنانها»، وفق بيان الوزارة.

وأعلنت مصر، في وقت سابق، استرداد أكثر من 30 ألف قطعة أثرية من 2014 حتى أغسطس (آب) 2024، كما استُردَّت أخيراً 67 قطعة أثرية من ألمانيا. وكانت وزارة الخارجية قد أعلنت في يناير (كانون الثاني) 2023 استرداد 17 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأميركية، أبرزها «التابوت الأخضر».

في هذا السياق، يرى عالم الآثار المصري الدكتور حسين عبد البصير، أنّ «استعادة القطع الأثرية والمومياوات فرصة لإثراء بحثنا الأثري والتاريخي، إذ تساعدنا في الكشف عن جوانب جديدة من التاريخ المصري»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المقتنيات توفّر رؤى قيّمة حول أساليب الدفن والعادات الثقافية القديمة التي كانت جزءاً من الحياة اليومية للمصريين القدماء».

ويعدُّ عبد البصير هذه الاستردادات إسهاماً في تعزيز الهوية الوطنية، إذ تُساعد في الحفاظ على التراث الثقافي من أجل الأجيال القادمة، مؤكداً أنّ «وزارة الخارجية المصرية تلعب دوراً حيوياً في استرداد الآثار من خلال التفاوض مع الدول الأجنبية والتنسيق الدبلوماسي للوصول إلى حلول تفاوضية تُرضي الأطراف المعنيّة»، لافتاً إلى أنّ استرداد القطع يأتي بالتزامن مع زيارة الرئيس المصري إلى آيرلندا؛ مما يؤكد اهتمام الدولة على أعلى مستوياتها باسترداد آثار مصر المُهرَّبة من الخارج.

قطع متنوّعة من الآثار استردّتها مصر من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)

«وتسهم الاتفاقات الثنائية التي تعقدها مصر مع الدول في استعادة الآثار؛ منها 5 اتفاقات لمكافحة تهريبها والاتجار في الآثار المسروقة مع سويسرا وكوبا وإيطاليا وبيرو وكينيا»، وفق عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، الخبير الآثاري الدكتور عبد الرحيم ريحان، الذي يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «العلاقات القوية بين مصر وآيرلندا منذ تولّي الرئيس السيسي الحُكم أسهمت في استعادة هذه الآثار»، مشيراً إلى أنّ «مصر استعادت نحو 30 ألف قطعة أثرية منذ تولّيه الرئاسة، من الولايات المتحدة الأميركية، وإنجلترا، وفرنسا، وإسبانيا، وهولندا، وكندا، وألمانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، وسويسرا، ونيوزيلندا، وقبرص، والإمارات، والكويت، والأردن».

ويتابع: «جاء ذلك بعد جهود حثيثة من إدارة الآثار المُستردة بالمجلس الأعلى للآثار، وبمتابعة مستمرّة لكل المزادات العلنية، وكل ما يُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر وكالات الأنباء الدولية عن الآثار المصرية المنهوبة، وعن طريق مفاوضات مثمرة، بالتعاون بين وزارات السياحة والآثار والخارجية والداخلية في مصر».