«ملاحظات» تؤخر اعتماد ميزانية حكومة الدبيبة

اللجنة المالية بمجلس النواب الليبي خلال مناقشة الميزانية العامة (البرلمان)
اللجنة المالية بمجلس النواب الليبي خلال مناقشة الميزانية العامة (البرلمان)
TT

«ملاحظات» تؤخر اعتماد ميزانية حكومة الدبيبة

اللجنة المالية بمجلس النواب الليبي خلال مناقشة الميزانية العامة (البرلمان)
اللجنة المالية بمجلس النواب الليبي خلال مناقشة الميزانية العامة (البرلمان)

في حين ينتظر الليبيون التقرير الأممي، الذي يتناول مراجعة دولية لجميع حسابات المصرف المركزي خلال الأعوام العشرة الماضية، أعلن رئيس ديوان المحاسبة في بنغازي، الدكتور عمر عبد ربه صالح، أمس، أنه عرض على رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح «جملة من الملاحظات»، خلصت إليها اللجان المختصة بالديوان، تتعلق بالميزانية العامة للدولة لوضعها في الاعتبار قبيل اعتمادها.
وقدم رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، عبد الحميد الدبيبة، في مارس (آذار) الماضي تصوراً للميزانية إلى مجلس النواب الليبي في طبرق، ووصفت حينها بأنها الأضخم في البلاد عبر تاريخها، حيث بلغت قيمتها 96.2 مليار دينار ليبي (21.5 مليار دولار)؛ وذلك لتغطية نفقات الحكومة حتى نهاية العام الحالي.
ومنذ أن تسلم البرلمان مشروع الميزانية وهو يعكف على مناقشة بنودها من أجل إقرارها، لتكون أول ميزانية موحدة للبلاد منذ ست سنوات، ولتسهيل مهام السلطة الجديدة، ودعمها في تنفيذ المشروعات المبرمجة لهذا العام.
وفي حين أعرب كثير من السياسيين والأكاديميين عن استغرابهم لتأخر البرلمان في الموافقة على الميزانية، قال مسؤول بحكومة «الوحدة الوطنية» لـ«الشرق الأوسط»، إن «المرحلة التي تعيشها ليبيا راهناً، بعد فترة من الفوضى والحروب والاشتباكات، تحتاج من الجميع إلى الإسراع في الإنجاز كي يستشعر المواطن بأن هناك سلطة جديدة تسعى لتأمين احتياجاته»، مضيفاً أن هذا الوضع الجديد «يحتم على مجلس النواب الانتهاء سريعاً من إصدار قانون الميزانية والموافقة عليها، وليس وضع العراقيل أمام الحكومة».
وأوضح ديوان المحاسبة الليبي بشرق ليبيا، أن رئيس البرلمان ناقش، مساء أول من أمس، مع عبد ربه وعدد من المسؤولين بالقطاع المالي مشروع قانون الميزانية العامة للدولة، وبنود مشروع قانون الميزانية لإقرارها من قبل مجلس النواب.
ورغم اعتكاف اللجنة المالية بالبرلمان على مناقشة الميزانية منذ أكثر من أسبوعين؛ تمهيداً لعرضها على الجلسة العامة (لم تقرر بعد) للتصويت عليها، فإن بعض المطلعين على الميزانية يرون أن مجمل الاعتراضات عليها «تتمثل في تضمنها أرقاماً كبيرة خصصت لبعض البنود، من بينها الرواتب ومخصصات بعض الوزارات».
في سياق قريب، يترقب الليبيون صدور تقرير أممي يتناول مراجعة دولية لجميع حسابات المصرف المركزي بطرابلس، وتوضيح أوجه إنفاق المليارات التي ضاعت على البلاد خلال السنوات العشر الماضية، طبقاً لما لفت إليه ديوان المحاسبة بالعاصمة من تقارير، تناولت «إهداراً متعمداً لثروات البلاد»، فضلاً عن تقارير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إنها عقدت سلسلة من الاجتماعات مع ممثلين عن المجلس الرئاسي، ومكتب المدعي العام الليبي، والمصرف المركزي بفرعيه، بمساعدة مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، وشركة «ديلويت» الدولية، ما بين 2 و5 أبريل (نيسان) الحالي؛ لاستعراض النتائج الأولية لعملية المراجعة المالية لحسابات المصرف المركزي الليبي، والتحقق منها.
و«ديلويت» هي شركة استشارية تم اختيارها لإجراء المراجعة، ووفقاً للبعثة الأممية، فإن عملية المراجعة المالية الدولية، والتي تجري بناءً على طلب من رئيس المجلس الرئاسي السابق، فائز السراج، تهدف إلى «استعادة النزاهة والشفافية والثقة في النظام المالي الليبي، وتهيئة الظروف الملائمة لتوحيد المؤسسات المالية الليبية».
وتحدثت التقارير، التي أفرج عنها ديوان المحاسبة خلال الأعوام الماضية، عن إهدار كبير في إنفاق الوزارة المتعاقبة؛ مما دفع السراج إلى المطالبة بلجنة دولية للتحقيق فيما نسب إلى وزارته من إهدار للمال العام. وأيّد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الطلب في قراره 2434 بشأن ليبيا، والذي تم بموجبه تفويض بعثة الأمم المتحدة بدعم هذه العملية. وتم الاتفاق بين محافظ المصرف المركزي الليبي الصديق الكبير، ونائب المحافظ علي الحبري على اختصاصات هذه العملية، بدعم من المؤسسات المالية الدولية.
وتولى مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع إدارة عملية شراء الخدمات، التي أسفرت عن اختيار شركة «ديلويت» للقيام بهذه العملية. وقالت البعثة الأممية، إنه منذ انطلاق عملية المراجعة الدولية في أغسطس (آب) 2020، جمعت شركة «ديلويت» معلومات من فرعي المصرف المركزي الليبي، تم دمجها مع بيانات إضافية من مصادر رسمية أخرى، تم التحقق منها لاحقاً، عبر تأكيدات طرف ثالث مع المصارف التجارية ذات الصلة.
ولفتت البعثة الأممية إلى أنه سيتم استكمال التقرير النهائي هذا الشهر، الذي يتضمن توصيات حول كيفية «تحسين نزاهة ووحدة النظام المصرفي، بما في ذلك، على وجه الخصوص، خطوات عملية لتوحيد المصرف المركزي وتعزيز المساءلة والشفافية».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.