عودة حذرة للمسارح وقاعات الموسيقى في نيويورك

TT

عودة حذرة للمسارح وقاعات الموسيقى في نيويورك

بدأت ساعات اليوم تبدو أكثر طولاً، في الوقت الذي يستمر ارتفاع أعداد أبناء نيويورك الذين تلقوا اللقاح ضد فيروس «كوفيد - 19»، يوماً بعد آخر. والآن، وبعد ما يزيد على عام على تسبب جائحة فيروس «كورونا» المستجد في إغلاق دور المسرح وقاعات الحفلات الموسيقية عبر أرجاء المدينة، وإغلاق أضواء شارع «برودواي» الشهير والنوادي الكوميدية على حد سواء، بدأت الفنون التعبيرية في العودة.
ومثلما الحال مع الزهور التي تتفتح أوراقها وقت الربيع، بدأت أصوات الموسيقى والرقص تعلو وأبواب المسارح والنوادي الكوميدية تعيد فتح أبوابها على استحياء خلال الأسبوع الماضي، وذلك بعد صدور قرار بالسماح لها بإعادة فتح أبوابها والسماح بدخول أعداد محدودة من الجمهور -وفي أغلب الحالات، تعد هذه المرة الأولى التي يُسمح خلالها بذلك منذ مارس (آذار) 2020. الأمر الذي أقدم على فعله الكثيرون بالفعل.
وبدأت الجماهير في العودة هي الأخرى. على سبيل المثال، مع التزامهم بارتداء أقنعة حماية الوجه وملء استبيانات صحية، بدأت الجماهير في العودة إلى مسرح يقع خارج «برودواي» في يونيون سكوير، تحديداً «كوميدي سيلار» في غرينويتش فيليدج لمشاهدة عرض موسيقي حي. كما أضاءت أنوار «برودواي» من جديد بفضل الراقص سافيون غلوفر والممثل ناثان لين اللذين اضطلعا بتقديم عرض تعبيري داخل مسرح سانت جيمس، في الوقت الذي قدم جيري سينفيلد عرضاً واقفاً في تشيلسي.
وزار مراسلون من «نيويورك تايمز» بعض أول العروض الأدائية التي جرى تقديمها داخل أماكن معلقة وتحدثوا إلى بعض أفراد الجمهور والعاملين. وفيما يلي ما قالوه.

- عرض صوتي خارج «برودواي»
كان الوقت ظهيرة يوم جمعة، توقيت غير معتاد لعرض فني، ومع ذلك شهد افتتاح عرض «العمى» في مسرح «داريل روث». وجرى السماح لقرابة 60 شخصاً فقط بالحضور. واصطف أفراد الجمهور على طول رصيف شارع «إيست 15»، وحرصوا على الوقوف على نقاط خضراء.
بعد ذلك، وصل العمدة بيل دي بلاسيو ليضيف بذلك عنصراً من البهاء والفخامة على ما كان بخلاف ذلك مجرد عرض صوتي خارج «برودواي». أما موظفو المسرح، فقد ارتدوا سترات ذات لون أخضر زمردي وأغطية وجه باللون ذاته أخفت خلفها ابتسامات انعكست على عيونهم. وعلى مدار قرابة 10 دقائق، بدا المشهد بالقرب من يونيون سكوير مزيجاً ما بين فعالية مرتبطة بحملة انتخابية وعرض أول لأحد أفلام هوليوود.
من جهته، قال دي بلاسيو بينما كان يقف على درجات مدخل مسرح «داريل روث»: «إنها لحظة قوية حقاً، فالمسرح يعود إلى مدينة نيويورك والستار يرتفع من جديد، وثمة شيء مذهل يتحقق».
ووقف العمدة إلى جوار المنتجة داريل روث، التي يحمل المسرح اسمها، لتحية الجماهير الذين وقفوا في انتظار الدخول. ووجه البعض منهم الشكر للعمدة عن جهوده للمعاونة في عودة الفنون التعبيرية. وطلب بعضهم التقاط صور «سيلفي»، بينما تبادل آخرون التحية بتلامس المرفقين أو الرسغين. وكان من بين مرتادي المسرح مَن كانوا يحتفلون بأعياد ميلاد، وآخرون يتوقون لأن ينشروا تجربتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إلى جانب مدير فني واحد من سان فرنسيسكو يُجري بعض الأبحاث حول السلامة استعداداً لافتتاح المسرح الخاص به.
ولدى دخول الجمهور المسرح، رفعوا معاصمهم باتجاه آلة تتحقق من درجة حرارة أجسادهم. وتولى أحد العاملين بالمسرح توجيههم نحو مقاعدهم والتي انتشرت تحت متاهة من أنابيب الفلورسنت. وبمجرد أن استقر الجميع في مقاعده، انطلقت رسالة ترحيب من مكبرات الصوت، قوبلت بموجة تهليل من الجمهور.
وأخرج أفراد الجمهور سماعات رأس من أكياس محكمة الإغلاق معلقة على مقاعدهم ووضعوها على آذانهم. وعقد زوجان أيديهما معاً، وأغمض رجل آخر عينيه، ليبدأ عرض «العمى»، وهو عرض صوتي للرواية التي أبدعها خوسيه ساراماغو الحائز على جائزة «نوبل».
وعلى امتداد الدقائق الـ75 التالية، سمع أفراد الجمهور عن مدينة ابتُليت بوباء العمى. ولفترات طويلة، ظل أفراد الجمهور منغمسين في مقاعدهم في ظل ظلام دامس، لكن في نهاية العرض ظل هناك بصيص من الضوء.
من جهته، قال دين ليزلي، 58 عاماً، بعد العرض: «بدا الأمر مألوفاً للغاية. ومن بين اللحظات التي تركت صدى كبيراً بداخلي هي هذه اللحظة - عندما عدت إلى الشارع».
وأضاف: «شعرت أنه شيء نعايشه الآن».

- داخل «كوميدي سيلار»
اتصل أحد أفراد الأمن بزميل له ونبّه عليه قائلاً: «تأكد من أنهم يلتزمون بإجراءات التباعد الاجتماعي»، في الوقت الذي كانت مجموعات من الأفراد تنزل إلى الطابق السفلي في مسرح «كوميدي سيلار» الذي اتسم بإضاءته الخافتة.
في نهاية المطاف، استقر نحو 50 فرداً من الجمهور -كانت غالبيتهم تنتمي إلى العشرينات من العمر ويتمتعون بذكاء كافٍ مكّنهم من شراء التذاكر عبر الإنترنت- حول طاولاتهم في أول عرض مباشر داخل المسرح منذ ما يزيد على العام.
وفجأة، قفز مضيف العرض، جون لاستر، إلى خشبة المسرح وقال بصوت يحمل نبرة انتصار: «كوميدي سيلار، كيف تشعر؟»، أما الجمهور، فقد خلع بعضهم أقنعة حماية الوجه بمجرد وصولهم إلى طاولاتهم، بينما ظل آخرون مرتدين لها حتى وصول ما طلبوه من طعام وشراب.
وبدت الجائحة موضوعاً حتمياً يفرض نفسه، وخيّم بظلاله على كل من كانوا في القاعة. واستفسر لاستر من أفراد الجمهور، عن الأماكن التي فرّوا إليها خلال أشهر الجائحة.
جدير بالذكر أنه جرى السماح بدخول عدد من الجماهير تعادل ثلث سعة المكان فقط، ومع ذلك ملأت ضحكات أصوات الحاضرين أرجاء المكان وتحدث الممثلون الكوميديون إلى أفراد الجمهور كما لو كانوا أصدقاء قدامى التقوهم أخيراً بعد عام من الانفصال.

- ليلة من الموسيقى
قرب الثلث الأخير من الأداء الذي مزج الصوت المحيط بالتشيلو الكلاسيكي والغناء الأوبرالي وموسيقى البوب وغير ذلك، ظهرت كيسي لو، في زيٍّ زهريّ اللون معلنةً أن «الربيع جاء».
وتعالت الضحكات من الجماهير الذين كانوا جالسين داخل قاعة «ماكورت» في مسرح «شيد» الذين بلغ عددهم قرابة 150 فرداً. وبعد انتهاء لو من عرضها، أقدم أفراد الجمهور على فعل شيء حُرموا من فعله داخل مكان مغلق منذ ما يزيد على العام: الوقوف لتوجيه تحية حارة.
عن ذلك، قال جيل بيريز، كبير المسؤولين عن شؤون تجربة الزوار: «كان بإمكان المرء الشعور بذلك: الإثارة والمتعة والطاقة المنبعثة من عرض حي - لا شيء يضاهي ذلك».
جدير بالذكر أن قاعة «ماكورت»، والتي تتميز بمرونتها ويمكن تحويلها إلى مكان مغلق أو مفتوح حسب الحاجة، تبلغ مساحتها 17000 قدم مربعة ومزودة بنظام رفيع المستوى لتنقية الهواء. ودخل أفراد الجمهور المسرح من المداخل التي تقودهم مباشرةً إلى قاعة «ماكورت»، وجرى فحص درجات حرارتهم على الفور. وجرى الاعتماد على برامج رقمية على الهواتف الذكية متصلة برمز شريطي على أذرع المقاعد، والتي جرى ترتيبها فرادى وأزواج متباعدة على بُعد 12 قدماً تقريباً من المسرح و6 أقدام أو أكثر بعضها من بعض.
وسجل الموظفون وصول الجماهير باستخدام كومبيوترات لوحية. كما اضطر أفراد الجمهور لإبراز ما يفيد حصولهم على لقاح ضد فيروس «كورونا» المستجد أو نتيجة سلبية لاختبار الفيروس. وبمجرد انتهائهم من هذه الإجراءات، صعد أفراد الجمهور إلى المدخل المحدد بوقت معين: واحد في تمام 7:40 مساء، وآخر بعد 10 دقائق.
في هذا الصدد، قالت روكسان دوبس، 37 عاماً، التي تعمل ساعية بريد: «أنا واحدة من العمال الأساسيين وكنت أعمل طوال الفترة الماضية. لذا، من الممتع أن أتمكن من الخروج والاستمتاع بالوقت».
وأضاف زوجها، إيان بلومان: «أشعر كأننا نقف على أعتاب حقبة جديدة في نيويورك».
وقبل العرض وبعده، التقى البعض مع أصدقاء قدامى وتوقفوا بعض الوقت لتبادل أطراف الحديث. وهنّأت سيدة أخرى على تلقيها اللقاح، بينما انحنى رجل على آخر وقال: «هذا لطيف للغاية!».
من ناحيته، قال أليكس بوتس، المدير الفني والرئيس التنفيذي لـ«شيد»، فقال إن «العاطفة غلبتني» مع اقتراب المساء، وورد على خاطره وصف لو للربيع وصحوته. وقال: «كانت أمسية رائعة للغاية. لقد افتقدت هذا الأمر كثيراً».
-خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

كيف تحوّل روتينك اليومي إلى مصدر «للفرح والرضا»؟

كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)
كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)
TT

كيف تحوّل روتينك اليومي إلى مصدر «للفرح والرضا»؟

كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)
كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)

يعتقد البعض أنه عليه الذهاب في إجازة باهظة، أو على الأقل الانتظار حتى انتهاء أسبوع العمل، للشعور بالسعادة والرضا الحقيقيين في الحياة. في الواقع، يمكنك أن تجد الفرح في روتينك اليومي، كما تقول المؤلفة وخبيرة اتخاذ القرارات السلوكية كاسي هولمز، بحسب تقرير لشبكة «سي إن بي سي».

وفقاً لمسح حديث أجري على ألفين من سكان الولايات المتحدة، يمر واحد من كل أربعة أميركيين بنوبات من الملل مع روتينه. لمكافحة ذلك، تقول هولمز لنفسها عبارة بسيطة في اللحظات التي تدرك فيها أنها غير مهتمة: «احسب الوقت المتبقي».

على سبيل المثال، كانت هولمز تأخذ ابنتها في مواعيد لشرب الشاي منذ أن كانت في الرابعة من عمرها. بعد خمس سنوات، يمكن أن تبدو جلسات التسكع وكأنها مهمة روتينية.

قالت هولمز: «الآن أصبحت في التاسعة من عمرها، لذلك ذهبنا في الكثير من المواعيد في الماضي... لكن بعد ذلك، فكرت، (حسناً، كم عدد المواعيد المتبقية لنا)؟».

بدلاً من الانزعاج من النزهات المتكررة، بدأت في حساب عدد الفرص المتبقية لها للاستمتاع قبل أن تكبر ابنتها وتنتهي أوقات الترابط هذه.

أوضحت هولمز، التي تبحث في الوقت والسعادة «في غضون عامين فقط، سترغب في الذهاب إلى المقهى مع أصدقائها بدلاً مني. لذا سيصبح الأمر أقل تكراراً. ثم ستذهب إلى الكلية... ستنتقل للعيش في مدينة أخرى».

ساعدها حساب الوقت المتبقي لها في العثور على «الفرح والرضا» في المهام الروتينية.

«الوقت هو المورد الأكثر قيمة»

إلى جانب مساعدتك في العثور على السعادة، قالت هولمز إن التمرين السريع يدفعها إلى إيلاء اهتمام أكبر لكيفية قضاء وقتها. لم تعد تستخف بالنزهات مع ابنتها -بدلاً من ذلك، تسعى إلى خلق المحادثات والتواصل الفعال، وهو أمر أكثر أهمية.

من الأهمية بمكان ما أن تفعل الشيء نفسه إذا كنت تريد تجنب الشعور بالندم في المستقبل، وفقاً لعالم النفس مايكل جيرفيس.

وشرح جيرفيس لـ«سي إن بي سي»: «الوقت هو المورد الأكثر قيمة لدينا... في روتين الحياة اليومي، من السهل أن تخرج عن التوافق مع ما هو الأكثر أهمية بالنسبة لك. لكن العيش مع إدراكنا لفنائنا يغير بشكل أساسي ما نقدره وكيف نختار استخدام وقتنا».

وأضاف: «إن تبنّي حقيقة أننا لن نعيش إلى الأبد يجعل قيمنا في بؤرة التركيز الحادة. بمجرد إدراكك أن الوقت هو أغلى السلع على الإطلاق، فلن يكون هناك انقطاع بين الخيارات التي تريد اتخاذها وتلك التي تتخذها بالفعل».