الإعلان عن جوائز «ممثلي الشاشة»

الطريق إلى الأوسكار يمر من هنا

شادويك بوزمن ودانيال كاليويا
شادويك بوزمن ودانيال كاليويا
TT

الإعلان عن جوائز «ممثلي الشاشة»

شادويك بوزمن ودانيال كاليويا
شادويك بوزمن ودانيال كاليويا

أعلنت مساء ليلة الأحد نتائج جوائز «نقابة ممثلي الشاشة» (Screen Actors Guild) في نحو ساعة واحدة من الوقت. سابقاً، قبل «كورونا» كانت المناسبة تتمتع بساعتين أو أكثر. لكن المدة الزمنية لا علاقة لها بالنتائج وأهميتها، كذلك فإنه مع ربح فيلم «غودزيلا ضد كونغ» جولته ضد الوباء بتسجيل 45 مليون دولار في الولايات المتحدة وكندا خلال الويك إند السابق و285 مليون دولار حول العالم سجلت النقابة وجودها الفعلي، كذلك سجلت هوليوود حضورها العتيد.
بالنسبة للفيلم، فإن صالات السينما الأميركية، وحول العالم، عملت بنصف قدراتها الاستيعابية. نسبة لقوانين المراجع الصحية الحكومية فإن على الصالات التوقف عن بيع التذاكر عند بلوغ الصالة الواحدة نصف امتلاء. بالتالي، يمكن بسهولة التفكير بنحو 100 مليون دولار أميركي ونحو 350 مليون دولار عالمي فيما لو اشتغلت الصالات بكل إمكانياتها.
«غودزيلا ضد كونغ» هو من بطولة وحش مائي وغوريللا ضخمة وكلاهما مستبعدان من ترشيحات النقابة أو من ترشيحات أي جوائز أخرى بطبيعة الحال. لكن الفيلم الذي يحتويهما وجوائز النقابة وما سيلي حتى نهاية هذا الشهر وصولاً لجوائز الأوسكار تجعل من الفترة الحالية واحدة من أكثر فترات السينما ابتهاجاً ونجاحاً.
على صعيد آخر فإن تأجيل الدورة الجديدة من مهرجان «كان» إلى السادس وحتى السابع عشر من شهر يوليو (تموز) تبعاً لحالة (كوفيد - 19) يؤدي حالياً إلى تنافس شديد بينه وبين مهرجان فينيسيا الإيطالي الذي يُقام في الأيام الأخيرة من شهر أغسطس (آب). هذا لأن اقتراب المسافة بين المهرجانين العملاقين سيعني أن كل مهرجان سيتسابق ضد الآخر على استحواذ الأفضل من الأفلام المحشورة بين اختيارين متقاربين لأول مرة.
الجوائز
هذا كله لم يكن وارداً في البال ليلة أول من أمس عندما وزعت جوائز النقابة على من تم التصوير لهم. الجوائز ليست حكراً على التمثيل في الأفلام السينمائية، بل تشمل التمثيل التلفزيوني تبعاً لكون النقابة مفتوحة للممثلين الأميركيين والأجانب المقيمين في كلا المجالين الضخمين.
حقيقة أن أعضاء النقابة في غالبيتهم الكبرى أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية يعني أن الفائز في مجال أفضل تمثيل سينمائي لديه حظ مضاعف للفوز بالأوسكار.
في مجموعها، تتألف جوائز النقابة من 15 قسماً، كل منها يحتوي على مسابقة متجانسة. ستة منها سينمائية وتسعة تلفزيونية. وتحمل كل جائزة عبارة «الأداء الأكثر تميزاً» (Outstanding Performance) عوض العبارة الشائعة «جائزة أفضل ممثل» أو «ممثلة». ولو أن كل العبارات تعني الشيء ذاته. على هذا الأساس وزعت الجوائز على النحو التالي:
> ‪الأداء الرجالي الأكثر تميزاً في دور رئيسي‬:
أربعة أسماء لامعة في هذا السباق من أصل خمسة:
ريز أحمد عن «صوت المعدن»، وأنطوني هوبكنز عن «الأب»، وغاري أولدمن عن «مانك» و«شادويك بوزمن» عن «مؤخرة ما رايني السوداء». الخامس هو الكوري - الأميركي ستيفن يون الذي أدى دوراً مقبولاً في «ميناري» لكنه ليس استثنائياً.
الفائز هنا هو الممثل الراحل شادويك بوزمن وفوزه كان متوقعاً من قِبل غالبية المتابعين. وهو ‪كان خرج فائزاً بالـ«غولدن غلوبز» في مطلع السنة ونحو 40 جائزة من جمعيات نقدية. هذه الجائزة قد تضع هذا الممثل الذي توفي في الثامن والعشرين من أغسطس (آب) الماضي، على الطريق الصحيح صو‬ب الأوسكار أيضاً.
> ‪الأداء النسائي الأكثر تميزاً في دور رئيسي‬:
فازت بالمنصب هنا فيولا ديفيز عن دورها في «مؤخرة ما رايني السوداء» متجاوزة منافساتها: آمي أدامز عن «مرثاة المتخلفين» وفنيسا كيربي عن «أجزاء امرأة» كاري موليغن عن «امرأة شابة واعدة» ثم فرنسيس مكدورمند عن «نومادلاند». هذه الأخيرة كانت الأكثر احتمالاً للفوز قبل نحو شهر واحد قبل أن تتراجع الاحتمالات عنها لتتساوى مع باقي المرشحات.
> ‪الأداء الرجالي الأكثر تميزاً في دور مساند‬:
دانيال كاليويا هو الذي خرج بالجائزة هنا وذلك عن دوره في «جوداس والمسيح الأسود». في الواقع هو الأكثر تعبيراً عن الشخصية ومعاناتها في ظل حكاية عنصرية مستمدة من الواقع. المنافسون كانوا شادويك بوزمن عن «دا 5 بلودز»، ويارد ليتو عن «الأشياء الصغيرة» ولسلي أودوم عن «ليلة واحدة في ميامي وساشا بارون كوهن عن «محاكمة شيكاغو 7».
> ‪الأداء النسائي الأكثر تميزاً في دور مساند‬:
الفائزة بهذه الجائزة هي الكورية يوان يوه - جونغ عن دورها كزوجة مرتابة بقرار زوجها الانتقال إلى مزرعة عوض البقاء في المدينة، وذلك ضمن أحداث فيلم «ميناري». المنافسات كن غلن كلوز عن «مرثاة المتخلفين» وأوليفيا كولمن عن «الأب» وماريا باكالوفا عن «ملحق فيلم بورات» وهيلينا زنغل عن دورها في «أخبار العالم».
كما هو ملاحظ من عداد الفائزين ثلاثة منهم (شادويك، دسفيز وكاليويا) هم أفرو – أميركيين، وذلك للمرة الأولى. أما يوان يوه - جونغ فهي كورية وبذلك، وللمرة الأولى في تاريخ هذه الجائزة في عام واحد، فإن الفائزين الأربعة من ذوي الأقليات.
والجدير بالذكر هنا أن كلاً من كاليويا والراحل شادويك اشتركا قبل ثلاثة أعوام في إطار فيلم «بلاك بانثر».
هناك جائزة مهمة الشأن لا نجدها بين جوائز الأوسكار أو «غولدن غلوبز» هي تلك المسماة بـ«الأداء الجمعي الأكثر تميزاً فيلم « (Outstanding Performance by a Cast in a Motion Pictuer) وهذه فاز بها مجموع ممثلي فيلم «محاكمة شيكاغو 7» وهم عشرة بينهم يحيى عبد المتين وإيدي ردماين ومارك دإيلانس وجيريمي سترونغ وساشا بارون كوهن وفرانك لانجيلا.
هذه المجموعة من الممثلين فازت على مجموعات أخرى تنتمي للأفلام التالية: «دا 5 بلودز» و«مؤخرة ما رايني السوداء» وميناري» و«ليلة واحدة في ميامي».
مثيل هذه الجائزة الجمعية تلفزيونياً كان من نصيب المشاركين في مسلسل «ذا كراون» ومن بينهم أوليفيا كولمن وهيلينا بونام كارتر وجيليان أرمستروغ. والمسلسل فاز على مسلسلات «من الأفضل الاتصال بصول» و«بردجرتون» و«لفكرافت كونتري» ثم «أوزارك».
هذا في النطاق الدرامي، أما في النطاق الكوميدي ففاز بها مجموعة ممثلي وممثلات Schitt‪’‬s Creek الذي سبق أن أنجز جوائز عدة في سباق «إيمي» المخصص بكامله للإنتاجات التلفزيونية.
إلى ذلك، هناك الجوائز المتخصصة بالممثلين المنفردين التي تتوزع على ست مسابقات:
‫> الأداء الرجالي الأكثر تميزاً في فيلم تلفزيوني أو مسلسل محدود الحلقات:‬
ذهبت الجائزة هنا إلى مستحقها مارك روفالو عن دوره في «أعرف هذا القدر كحقيقة» (I Know This Much is True) ومن بين أكثر المنافسين استحقاقاً إيثان هوك عن «طير الرب الجيد» (The Good Lord Bird).
‫> الأداء النسائي الأكثر تميزاً في فيلم تلفزيوني أو مسلسل محدود الحلقات:‬
ارتفعت هنا همة الممثلة الجديدة آنيا تايلور - جوي عن دورها في «خديعة الملكة» ومن أبرز منافساتها كايت بلانشت عن دورها في «مسز أميركا».
‫> الأداء الرجالي الأكثر تميزاً في مسلسل درامي:‬
جيسون بيتمان عن «أوزارك».
‫> الأداء النسائي الأكثر تميزاً في مسلسل درامي:‬
جيليان أندرسن عن «التاج»
‫> الأداء الرجالي الأكثر تميزاً في مسلسل كوميدي:‬
جيسون سوديكس عن «تد لاسو»
‫> الأداء النسائي الأكثر تميزاً في مسلسل كوميدي:‬
كريستينا أوهارا عن دورها في «شيتس كريك».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)