قطط غيلوك تستريح في «الشانزليزيه»

عمدة باريس اشترطت عليه ألا تدفع لهذا المعرض سنتيماً واحداً

المشاهدون يلتقطون الصور لتماثيل شخصيات مسلسل الرسوم الكارتونية «القط» (أ.ف.ب)
المشاهدون يلتقطون الصور لتماثيل شخصيات مسلسل الرسوم الكارتونية «القط» (أ.ف.ب)
TT

قطط غيلوك تستريح في «الشانزليزيه»

المشاهدون يلتقطون الصور لتماثيل شخصيات مسلسل الرسوم الكارتونية «القط» (أ.ف.ب)
المشاهدون يلتقطون الصور لتماثيل شخصيات مسلسل الرسوم الكارتونية «القط» (أ.ف.ب)

يعرفه الفرنسيون باعتباره واحداً من أشهر رسامي الكاريكاتير ومؤلفي القصص المصورة. لكن الفنان البلجيكي فيليب غيلوك، لم يتوقف عند رسم قططه التي صارت رمزاً له بل تركها، هذه المرة، تسرح في أجمل شارع في العالم. ويمكن لمن يغامر بالنزول من شقته والتنزه في الشانزليزيه أن يتمتع بمعرض في الهواء الطلق لتماثيل ضخمة تمثل القطط في أوضاع كاريكاتيرية مدهشة.
كيف تحول غيلوك من رسام إلى نحات؟ يبدو هذا المعرض تحقيقاً لحلم راود الفنان طويلاً، أي منذ أن كان طفلاً ينحت قططه في الرمال، على الشواطئ، أو من الثلج في المرتفعات الجبلية. لكن المتفرج لا يقف، هذه المرة، أمام أكوام من الثلج أو حفنات من الرمل، بل منحوتات من مادة أكثر صلابة وأقل قابلية للتفتت. فقد تم صنع القطة أولاً من الطين، ثم تشكيلها في غلاف شمعي قبل صبها في قالب من البرونز.
استوحى غيلوك فكرته من معرض للفنان الكولومبي فرناندو بوتيرو، كان قد أقيم في الشانزليزيه عام 1992؛ من قال إن الفنانين لا يشعرون بالغيرة ولا يقلدون رفاقهم؟ إنه يؤمن بأن المبدعين الأجانب هم وحدهم الذين يمتلكون الجرأة على إقامة معارض من هذا النوع في أشهر بقعة من باريس وأغلاها. وهو يعترف بأنه لم يكن يتصور، في بواكير صباه، أنه سيضع قدماً في هذه البقعة وأن يتجول فيها. وها هي الجادة الباريسية تستضيف عشرين منحوتة لقطط الرسام والنحات البلجيكي.
طلب غيلوك مقابلة آن هيدالغو، عمدة باريس، وعرض عليها فكرة المعرض، وقال لها إنه يريد أن يمزح وأن يخرج الباريسيين من كآبة القلق وخشية الفيروس. وهي قد رحبت بالفكرة مع شرط واحد: ألا يتحمل دافع الضرائب الفرنسي سنتيماً واحداً من التكاليف. وهكذا كان. تم جمع المال من جمعيات تدعم الفنون ومن معلنين يعرفون كيف ينتهزون الفرص ومن شركات عملاقة تستثمر في الثقافة للتقليل من ضرائبها.
هي أيضاً تحية لفرنسا، البلد الشقيق الذي استقبل عشرات المبدعين البلجيكيين واحتضن مواهبهم وأطلقهم في فضاء الشهرة، لهذه يتمنى غيلوك لقططه أن «تجلب الفرح والضحك وبعض الشعر السوريالي». إنه لا يريد مجرد أشكال تلفت النظر بجماليتها وحسن تنفيذها فحسب، بل أن يعكس من خلالها نظراته الساخرة لبعض الظواهر الاجتماعية. غير أن الرسائل المبثوثة في التماثيل لا تكشف عن نفسها بسهولة، بل يحتاج المتفرج لكثير من التأمل لكي يلتقط الفكرة. نرى هرة ترقص، وقطة تلعب «الغولف»، أو تقرأ الجريدة، أو تقلد عارضات الأزياء، أو تنبطح بكل ثقل البرونز لكي تدهس سيارة بدل أن تموت تحت عجلات السيارات. إن هذا المعرض هو دعوة لأن يمارس الفنان مع جمهوره لعبة القط والفأر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».