في سوريا... حل أم حلول؟

في سوريا... حل أم حلول؟
TT

في سوريا... حل أم حلول؟

في سوريا... حل أم حلول؟

سوريا مقسمة حالياً إلى 3 «مناطق نفوذ» و4 «حكومات»، فيها 5 جيوش ومئات القواعد العسكرية وآلاف من جنود القوات الأجنبية. في «منطقة» توجد العاصمة والسيادة والمدن الرئيسية، وفي «منطقة» أخرى تقع الثروات الطبيعية.
إعمار سوريا يتطلب 400 مليار دولار أميركي، ونصف شعبها خارج منازله، ونحو 7 ملايين خارج بلادهم، معظمهم في دول الجوار. نحو 14 مليون سوري في حاجة لمساعدة إنسانية، و9 من 10 تحت خط الفقر. نهارات مدنها كئيبة، وشوارعها فارغة إلا من الطوابير، ومكاتبها مشلولة، ولياليها مظلمة.
هل هناك حل واحد أم حلول، بعدما تحولت «الدولة السورية» عقب عقد من بدء الأزمة إلى «دويلات» وأشياء أخرى، وأصبح «الشعب الواحد» إثر 10 سنوات «شعوباً»؟ وهل الحل سوري أم خارجي؟
- الحل السياسي: اختُبِر هذا الاحتمال مرات عدة منذ «بيان جنيف» في يونيو (حزيران) 2012، والدعوة إلى تشكيل «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة». كما اختُبِر بعد صدور القرار (2254) في نهاية 2015 الذي وضع خريطة لـ«الانتقال السياسي» خلال 18 شهراً، تضمنت 3 مراحل، تشمل «حوكمة» وإصلاحاً دستورياً وانتخابات بإدارة أممية. جرت محاولات في جنيف، وأعيد اختبار المسار السياسي بمساري آستانة وسوتشي، بالتركيز على عمل اللجنة الدستورية. وكانت منصات المحاولات في جنيف وفي آستانة وغيرهما بسقوف مختلفة ومصير واحد: المراوحة بالمكان.
هذه الوثائق المرجعية تقول نصاً إن العملية السياسية بـ«قيادة ومُلكية سورية»، وإنه «لا جداول زمنية لها». لكن التعبير الصادق عن مدى «عدم صحة» هذا الكلام أن هذه الوثائق المرجعية التي تتحدث عن «السيادة السورية» و«حدود الدولة» كتبت بغياب السوريين، ومن قِبَلِ «اللاعبين» و«منتهكي السيادة» و«مخترقي الخريطة السورية». خُفِّض سقف المرجعيات من «الهيئة الانتقالية» إلى «الانتقال السياسي» و«الحوكمة» و«العملية السياسية» والإصلاح الدستوري... وصولاً إلى اللجنة الدستورية. الجامع الوحيد أن الحصاد السياسي كان صفراً، مع استمرار تأكيد «اللاعبين» أن الحل ليس عسكرياً، بل سياسي. وباتت هناك قناعة بأن أي اتفاق سياسي بين سوريين، إذا تحقق بمعجزة، لن يشكل منعطفاً في مسار الصراع.
- اتفاق سلام مع إسرائيل: طُرِح هذا الخيار وراء أبواب مغلقة، وهو يقضي بأن يُعقد اتفاق تطبيع بين دمشق وتل أبيب، كما حصل مع دول أخرى. وتبين أن هناك «عُقَداً» عدة أمام هذا الخيار. بداية، إسرائيل ليست في صدد إعادة الجولان كاملاً، بل هي معنية بـ«السلام مقابل السلام»، لكن دمشق متمسكة باستعادة السيادة على الهضبة السورية. وقد جرى تداول مقترحات مثل تحويل الجولان إلى «حديقة استثمارات وسياحة»، وأن تكون بوابة لإعمار سوريا. ولم تنضج ظروف الصفقة، لكن هناك شعوراً بأن الطرق تُغلَق ثم تُمهَّد أمام دمشق، بحيث يكون تعبيدها عبر تل أبيب. وفي خضم هذه الاختبارات، تقوم روسيا بإجراءات لـ«بناء الثقة» بين سوريا وإسرائيل، عبر إعادة العمل باتفاق فك الاشتباك في الجولان، وصفقات تبادل السجناء، وإعادة رفات إسرائيليين من سوريا. لكن «العقدة» الأبرز هي مطالبة تل أبيب بـ«إخراج إيران عسكرياً من سوريا».
- إخراج إيران: قد تكون النقطة التي تتفق عليها مطالب أطراف عدة من دمشق هي «إخراج إيران عسكرياً». أولاً، هذا بند أساسي من مطالب إسرائيل التي شنت مئات الغارات لـ«منع تموضع إيران في سوريا». ثانياً، هو أحد الشروط التي وضعتها واشنطن ودول أوروبية لفك العزلة والمساهمة في الأعمار ورفع العقوبات. ثالثاً، دول عربية عدة تطالب دمشق بإعادة تعريف علاقاتها مع طهران بالعودة إلى الحضن العربي، وأن تكون علاقاتها مع إيران طبيعية متوازنة.
وهناك إدراك في دمشق بأن هذا «أحد الحلول» التي ستؤدي إلى «تطبيع سياسي للوضع السوري»، وإلى تخفيف أو تجميد بعض العقوبات، والبدء ببعض مشاريع الإعمار، وتسخين الأقنية الدبلوماسية ما وراء الخط الأمني. لكن هناك أيضاً إدراك لـ«كلفة هذا القرار». لذلك، هناك من يقترح أن يكون هناك تفاهم بين دمشق وطهران على الدور الإيراني المستقبلي في سوريا، وأن يكون هذا ضمن بنود أي اتفاق محتمل بين أميركا وإيران حول الدور الإقليمي في «الاتفاق النووي»، بحيث تتخلى إيران عن البرنامج العسكري في سوريا وزعزعة استقرار المنطقة، مقابل قبول دور سياسي - اقتصادي.
- إدلب وشرق الفرات: هناك قناعة ضمنية في دمشق بأن العودة إلى إدلب وشرق الفرات غير متاحة في المدى المنظور. فالقرار في ذلك لم يعد في دمشق، بل في موسكو، وهو رهن بعلاقتها مع واشنطن وأنقرة. وأي من الخيارين يستدعي عسكرياً مواجهة بين وروسيا وتركيا أو أميركا. وبعض المحاورين السوريين اقترح تغييراً في التحالفات: التعاون الأمني مع أنقرة في إدلب لمحاربة القامشلي، أو التفاوض مع الأكراد لإخراج تركيا من الشمال. هذا يفترض قبول نسخة جديدة من «لواء إسكندرون السليب».
وفي المقابل، هناك من اقترح تعاوناً استخباراتياً وعسكرياً مع الأكراد لـ«القضاء على التوغل التركي». وهذا يفترض نسخة جديدة من الدعم السابق لـ«حزب العمال الكردستاني». وبعض الأطراف العربية تشجع هذا، وتقدم وعوداً مالية للمساهمة في الإعمار. لكن هناك «عُقَداً» تحول دون ذلك، بينها «قانون قيصر» الأميركي الذي يفرض قيوداً قانونية أمام مساهمات القطاع الخاص والحكومي في إعمار سوريا.
خلاصة القول، إن فحص هذه الخيارات الموجودة على الطاولة يوحي بأنه لم يعد هناك حل واحد كافٍ لسوريا، كما أنه لم تعد هناك وصفة سحرية تقلب الطاولة بين ليلة وضحاها. الزمن بات عاملاً ضرورياً، وكذلك التكامل بين المسارات والحلول. لذلك، باتت فكرة اجتراح حل بمسارين هي الأكثر قبولاً: مسار دولي - إقليمي يتم عبر عقد مؤتمر دولي بمشاركة اللاعبين للاتفاق على عناوين الحل السوري، ومسار سوري - سوري لتوفير شرعية وقبول للحل المرتجى. المشكلة هي أن ساعة السوريين تنبض على وقع المعاناة وتفاقمها، وساعة «اللاعبين» -خصوصاً أميركا وروسيا- مضبوطة على إيقاع «الصبر الاستراتيجي» المرتبط بملفات أخرى... بانتظار أن يرن هاتف يتضمن عرضاً لحوار جدي.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».