الحوار السياسي يراوح مكانه.. وقمع للمتظاهرين ووفاة أحد النشطاء جراء التعذيب

إغلاق جماعي لسفارات عربية وأجنبية في صنعاء

متظاهر يمني يندد بالانقلاب الحوثي خلال مظاهرة في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
متظاهر يمني يندد بالانقلاب الحوثي خلال مظاهرة في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

الحوار السياسي يراوح مكانه.. وقمع للمتظاهرين ووفاة أحد النشطاء جراء التعذيب

متظاهر يمني يندد بالانقلاب الحوثي خلال مظاهرة في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
متظاهر يمني يندد بالانقلاب الحوثي خلال مظاهرة في صنعاء أمس (إ.ب.أ)

انضمت دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية التركية، أمس، إلى قائمة الدول التي أغلقت أو علقت أعمال سفاراتها في اليمن، جراء الأوضاع الأمنية والسياسية المتدهورة، جراء سيطرة الحوثيين على مقاليد السلطة، في الوقت الذي صعد الحوثيون من حملة القمع ضد المتظاهرين في صنعاء وبقية المحافظات.
وقالت الإمارات: إنها «علقت عمل سفارتها في صنعاء وأجلت دبلوماسييها بسبب الأوضاع الأمنية»، كما اتخذت تركيا وإسبانيا نفس الإجراء، وذلك بعد قرار الإغلاق أو تعليق العمل في السفارات الذي اتخذته عدد من الدول في مقدمتها: الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، وتوقعت مصادر دبلوماسية وسياسية في صنعاء إغلاق المزيد من السفارات، واعتبرت أن التعليق أو الإغلاق «هما نفس الإجراء وأسبابهما واحدة ونتائجهما واحدة أيضا»، وأشارت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحركة والنشاط الدبلوماسي في العاصمة اليمنية بات باهتا، ويؤكد أن الجهود الدبلوماسية لتلافي تصاعد الأزمة السياسية والأمنية والعسكرية، اصطدمت بسياج منيع وهو تصرفات الحوثيين في السيطرة على السلطة وتحويل كافة مظاهر البلاد إلى شعارات تكن العداء للغرب وبالأخص الولايات المتحدة، واعتبرت هذه المصادر، التي رفضت الإفصاح عن هويتها، أن صنعاء والمحافظات التي تمت السيطرة عليها، باتت محافظات إيرانية بامتياز.
واعتبرت المصادر الدبلوماسية هذه الخطوات التي تتخذها الدول العربية والأجنبية بإغلاق سفاراتها أو تعليق أعمالها، تمثل موقفا سياسيا واضحا من الحكام الجدد لصنعاء وشمال اليمن وهم جماعة الحوثي من تلك الدول، وتوقعت المزيد من الإجراءات في الأيام القليلة المقبلة وهو الأمر الذي سيزيد من عزلة الحوثيين عن محيطهم الإقليمي والدولي، وتشير المعلومات إلى أن عددا من البعثات الدبلوماسية في صنعاء غادرت دون الإعلان عن إغلاق سفارات بلدانها، وبينها بعثة دولة قطر، هذا وأعرب مواطنون في صنعاء عن مخاوفهم من الآثار المباشرة وغير المباشرة لإغلاق السفارات الأجنبية في صنعاء على الاقتصاد الوطني، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه اليمنيون، إضافة إلى أن الميزانية العامة للدولة اليمنية تعمل في ضوء المساعدات المالية التي يحصل عليها اليمن من دول الخليج والولايات المتحدة وغيرها من الدول.
في هذه الأثناء، أكدت مصادر متطابقة في اليمن أن ميناء الحديدة على ساحل البحر الأحمر في غرب اليمن، وهو ثاني أكبر ميناء في البلاد، استقبل في وقت متأخر من مساء أول من أمس (الجمعة) سفينة روسية ضخمة، وذكرت المصادر أن السفينة كانت محملة بكميات كبيرة من الأسلحة الروسية التي استوردتها إيران للحوثيين، واستغرب مراقبون حصول الحوثيين على تعزيزات عسكرية في ظل الترسانة العسكرية التي استولوا عليها من المعسكرات التي سيطروا عليها في محافظة عمران والعاصمة صنعاء خلال الأشهر الماضية، كما أبدى المراقبون استغرابهم لحاجة الحوثيين للسلاح في ظل سيطرتهم الكاملة على مقاليد الأمور في البلاد، وفي ظل مشاركتهم في الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، جمال بنعمر، واعتبر المراقبون أن الحوثيين يستعدون لخوض سلسلة من الصراعات المسلحة ضد الكثير من المناطق لإخضاعها بالقوة لسيطرتهم ومنها محافظة مأرب والمحافظات الجنوبية والشرقية، حيث وهي مناطق نفطية.
من ناحية أخرى، تشهد العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الشمالية، منذ عدة أسابيع ومحافظة، مظاهرات متواصلة ترفض «انقلاب الحوثيين على السلطة» وتطالب برفع الإقامة الجبرية عن الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء خالد بحاح وعدد من المسؤولين في الحكومة السابقة، وأكدت مصادر محلية في محافظة إب، بوسط البلاد، سقوط عدد من الجرحى في قمع ميليشيا الحوثيين، أمس، لمظاهرة كبيرة وسط مدينة إب، عاصمة المحافظة، وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن «المسلحين الحوثيين تمركزوا فوق أسطح المباني القريبة من مكان التظاهر وأطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين الذين سقط عدد منهم جرحى وبعضهم في حال خطرة»، وأشار شهود العيان إلى أن رد فعل المواطنين جراء سقوط الجرحى كان مهاجمة المسلحين وإحراق أحد الأطقم التابعة لهم.
على صعيد آخر، يواصل المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بنعمر مساعيه لإقناع الأطراف السياسية بالتوصل إلى تسوية سياسية جديدة، وقالت مصادر في تكتل أحزاب «اللقاء المشترك» لـ«الشرق الأوسط» إن «استمرار الحوار الذي يرعاه بنعمر مسألة عبثية، يكسب من خلالها الحوثيون الوقت فقط، فيما يتقدمون على الأرض ويفرغون مؤسسات الدولة من كل معنى وحضور للدولة ويستبدلونها بالميليشيا»، وتساءل المصدر عن إمكانية «التوصل إلى تسوية في ظل وجود جماعة مسلحة تسيطر على البلاد وتمارس البطش السياسي والأمني والعسكري ضد الخصوم السياسيين»، وكانت مصادر في حركة «أنصار الله» الحوثية، اتهمت، أمس، حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي السني، بالعمل على عرقلة الحوار الذي يرعاه المبعوث الأممي والبحث عن كل الذرائع من أجل إفشاله، من جانبها نفت مصادر في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، صحة المعلومات التي أطلقها الحوثيون حول التوصل إلى صيغة شبه نهائية لتسوية سياسية تتعلق بتشكيل المجلس الوطني بدلا عن البرلمان المنحل، حيث يتمسك حزب صالح بمجلس النواب السابق بسبب امتلاكهم لأغلبية كبيرة بداخله.
إلى ذلك، توفي الناشط صالح البشري، أمس، بعد إطلاق سراحه من قبل الحوثيين بساعات، وقالت مصادر محلية في صنعاء إنه تم العثور على صالح البشري واثنين آخرين قرب أحد المستشفيات الخاصة في حالة سيئة ويرثى لها وعليهم آثار التعذيب الشديد، بعد اعتقالهم من داخل مظاهرة مناوئة للحوثيين، وقالت مصادر قبلية إن «أفراد أسرة الناشط القتيل حاولوا إسعافه ونقله إلى منطقته في الحيمة بمحافظة صنعاء، إلا أنه فارق الحياة»، وتؤكد مصادر يمنية أن المعتقلين والمختطفين من قبل ميليشيا الحوثيين يتعرضون لصنوف من التعذيب في سجون خاصة وغير رسمية في العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.