نيودلهي حجر ثقل أساسي في استراتيجية واشنطن بوجه بكين

من المصالح الدفاعية والجيوسياسية... إلى الحسابات الاقتصادية والتعاون العلمي والتقني

نيودلهي حجر ثقل أساسي في استراتيجية واشنطن بوجه بكين
TT

نيودلهي حجر ثقل أساسي في استراتيجية واشنطن بوجه بكين

نيودلهي حجر ثقل أساسي في استراتيجية واشنطن بوجه بكين

أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن العديد من النشاطات الدبلوماسية خلال مارس (آذار)، علماً بأنه بحلول الوقت الراهن، يكون قد مر شهران على توليه الرئاسة. وخلال الأسبوع الماضي، بعث بايدن بوزير دفاعه، لويد أوستن، في جولة عبر عدد من الدول الآسيوية من بينها الهند. وقبل ذلك، قرر عقد أول قمة دولية رفيعة المستوى للدول الأعضاء في «الحوار الأمني الرباعي»، المعروف اختصاراً باسم «كواد»، وذلك في أول فعالية كبرى له على صعيد السياسات الخارجية منذ توليه الرئاسة، وكان رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، مشاركاً في الحدث.
التساؤل هنا: هل تُولي الولايات المتحدة أهمية خاصة للهند؟ وهل تعبر زيارة أوستن للهند في قلب جائحة فيروس «كوفيد - 19» عن مدى قوة التزام واشنطن بروابطها مع نيو دلهي، مع ملاحظة أن الهند تعد الدولة الوحيدة التي يتفق بخصوصها الديمقراطيون والجمهوريون، بل يتنافس الحزبان على أيهما يظهر أنه شريكها الأفضل. ولا يخفى أن وراء اهتمام صانعي السياسات في واشنطن بإمكانية بناء شراكة استراتيجية مع الهند، تزايد التنافس الأميركي - الصيني، وقدرة الهند، بالتالي، على المساهمة في تعزيز الموقف الأميركي.
تعمّقت العلاقات بين الهند والولايات المتحدة على امتداد العقدين الماضيين لتتحول إلى شراكة استراتيجية قوية على ثلاثة أصعدة: الاقتصاد والدفاع/الصعيد العسكري والقيّم. ويعني التنافس بين الولايات المتحدة والصين، أن الولايات المتحدة تودّ أن يقف حلفاؤها وشركاؤها معها في وجه الصعود الصيني، وتحمل الهند على وجه التحديد أهمية حيوية على هذا الصعيد. وتتمثل الاستراتيجية الواضحة في تعزيز التحالفات والشراكات على جبهة الهند - المحيط الهادي. والمؤكد أن ما ستقرره الهند والولايات المتحدة سيترك تأثيرات على مجمل منطقة جنوب آسيا ومنطقة الحوضي المحيطين الهندي والهادي.
- الروابط الدفاعية المتنامية
تنامت التجارة الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة من حيث الحجم خلال السنوات الـ12 الماضية؛ ذلك أنها انتقلت من مستوى الصفر تقريباً عام 2008 إلى 20 مليار دولار عام 2020. ويأتي هذا في إطار جهود الهند لتنويع مصادر مشترياتها الدفاعية. اليوم، تشتري الهند أسلحة من إسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة بكميات ضخمة. وبجانب «الحوار الأمني الرباعي»، ترتبط نيودلهي وواشنطن بعدد من الترتيبات الدفاعية، بينها التشارك في المنشآت اللوجيستية التابعة للمؤسسة العسكرية لدى كل من الطرفين. وفي الوقت الذي لم تتقبل واشنطن صفقة شراء نيودلهي منظومة صواريخ «إس - 400» الروسية، يبقى من غير المحتمل أن تدفع هذه الصفقة القيادة الهندية إلى خانة الخصوم من وجهة نظر واشنطن في وقت تحتاج فيه الأخيرة إلى نيودلهي بشدة للوقف في وجه كل من الصين وروسيا، بجانب رغبة الأميركيين في تيسير تحول الهنود بعيداً عن الاعتماد بمجال الأسلحة على جهات التصنيع الروسية باتجاه نظيراتها الأميركية.
ونظراً لغياب الاتساق بين القدرات العسكرية الهندية - الصينية، يحمل التعاون الدفاعي الأميركي - الهندي أهمية محورية لنيودلهي، خاصة أن بمقدور واشنطن منح الهند دفعة كبيرة على صعيد تحديث قدراتها الدفاعية. ومع توقيع 4 اتفاقات دفاعية، جرى بذلك تمهيد الساحة أمام مزيد من التعاون الدفاعي مستقبلاً.
- التصدّي للصين
وفيما يخصّ وزارة الدفاع الأميركية، توفر الهند الاستقرار، أو على الأقل درجة من التوازن، داخل منطقة تحاصرها التوجهات العدوانية الصينية. وبهذا الشأن، قال أحد وزراء خارجية الهند السابقين، شيام ساران، إن بلاده تشكل جزءاً محورياً في استجابة الرئيس الأميركي بايدن للتحديات الصادرة عن بكين. وأضاف ساران، أن مواقف واشنطن ونيودلهي من المحتمل أن تتقابل وتقترب من بعضها أكثر فأكثر على مدار السنوات القليلة المقبلة إزاء قضية التعامل مع والاستجابة للتحديات الصادرة عن الصين. وعلى هذا الصعيد، يبدو أن إدارة بايدن تواصل، وإن بنحو أكثر دهاءً، سياسة الرئيس السابق دونالد ترمب تجاه الصين، عبر الاستعانة بعدد من الأنظمة الديمقراطية المنتقاة داخل منطقة الهندي - الهادي عبر إحياء منظمة «كواد».
من جانبه، كتب المعلق السياسي الهندي أسد ميرزا، أن «الهند تشكل الديمقراطية الأكبر على مستوى العالم في وقت تحتد المنافسات الآيديولوجية. وتبدو الهند ثقلاً موازناً للتمدد الصيني في جنوب آسيا والمحيط الهندي. وتمثل الهند الذراع الغربية لـ(كواد) (المؤلفة من أربعة نظم ديمقراطية هي: أستراليا واليابان والهند والولايات المتحدة). وتقع هذه الدول حول المحيط الاستراتيجي الصيني، وتبدي هذه الدول الأربع التزامها بمنع تحول منطقة الهندي - الهادي إلى ساحة للنفوذ الجيوسياسي الصيني». وبفضل القدرات الهندية على الابتكار، وكذلك السوق الهندية الضخمة، تبدو الهند عنصراً جوهرياً في أي «ائتلاف تكنولوجي» ديمقراطي يسعى لصياغة الوجه العام لشبكة الإنترنت والصناعات في المستقبل.
- أميركا والهند وروسيا
من ناحية أخرى، شهدت العلاقات الأميركية - الروسية تراجعاً حاداً منذ تولي جو بايدن منصبه، وتبدو الأوضاع اليوم في حالة تغير وتبدل، ويبدو أن العالم يعاين إحياءً للفترة التي شهدت ذروة الخصومة بين واشنطن وموسكو. ولكن، مع ذلك، ورغم الدفء المتزايد في العلاقات الهندية - الأميركية والمزايا الكثيرة التي تحملها العلاقات مع القوة العظمى الوحيدة في العالم، لا يبدو أن نيودلهي على وشك التخلي عن استقلاليتها الاستراتيجية. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه في وقت مضى كانت موسكو الصديق الوحيد القوي الذي كان باستطاعة نيودلهي الاعتماد عليه عندما أدارت واشنطن وحليفاتها الغربيات ظهرها عنها. وهنا يوضح الكاتب الهندي براكاش دوتا، أن «الهند تمثل خياراً صعباً أمام الولايات المتحدة. ومع انقلاب الرئيس الأميركي جو بايدن ضد بوتين، ثارت تكهنات بأن الهند ستكون الهدف التالي على قائمة العقوبات.
إلا أن القيادة الأميركية ليست في موقف يمكنها من فرض عقوبات ضد الهند، ومن المحتمل أن تجعل من الهند (استثناءً). أما الأسباب التي تقف وراء ذلك، فبسيطة؛ إذ إن فرض عقوبات ضد الهند سيخلق توتراً في العلاقات التجارية الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، وسيؤثر كذلك بالسلب على الجهود الأميركية لخلق توازن في مواجهة الصين داخل منطقة الهندي - الهادي، بجانب كون الهند الصديق الوحيد للولايات المتحدة الموثوق به في جنوب آسيا. الحقيقة أن الهند تحمل أهمية كبرى للولايات المتحدة بدرجة تجعل من المتعذر على الأخيرة المخاطرة بخسارتها بسبب صفقة مع بلد لطالما اعتمدت عليه الهند». وما يُذكر أنه رغم الضغوط الهائلة من جانب إدارة ترمب، مضت الهند قدماً في طلب شراء منظومة الدفاع الصاروخية «إس - 400» الروسية مقابل 5.5 مليار دولار أميركي عام 2018. وكان البيت الأبيض، تحت قيادة ترمب، قد فرض يومذاك عقوبات ضد تركيا لشراء نفس منظومة الدفاع الصاروخية من روسيا، ولكن لم بحصل المثل مع الهند.
على الجهة المقابلة، نجد أن العلاقات بين الهند والكرملين تعرضت لضعف واضح، ومن المتوقع بذل إدارة بايدن قصارى جهدها لوقف هذه الصفقة. وأفادت مصادر في وزارة الخارجية الهندية أن وزير الدفاع الأميركي أوستن أثار قضية الـ«إس - 400»، وشدد على وجوب تجنب الحلفاء والشركاء «أي نمط من الشراء يمكن أن يستثير عقوبات». ومع ذلك، ظلت حكومة مودي على موقفها وشرحت للجانب الأميركي بوضوح أن القوات المسلحة الهندية تحرص على تنويع مصادر التسليح الخاصة بها، ولا يمكن أن تقبل الحكومة الهندية بأن يصبح هذا الأمر محل نقاش مع أي دولة أخرى. وحول هذا الموضوع يرى الكاتب الهندي سي. راجا موهان، الخبير بمجال الشؤون الخارجية، أن «رئيس الوزراء مودي التزم أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشراء منظومة (إس - 400)، ومن غير المحتمل أن يتراجع عن هذا الأمر. وسيكون من المثير متابعة كيف سيتطور هذا الأمر. ورغم (كواد) والأوجه المتنوعة للروابط مع الأميركيين، لا يمكن للهند بسهولة التخلي عن استقلاليتها الاستراتيجية».
واستطراداً، قال الأدميرال الأميركي جون أكويلينو رداً على سؤال من السيناتورة جين شاهين حول قرار الهند شراء منظومة «إس - 400» الصاروخية من روسيا «على الولايات المتحدة فهم حقيقة أن للهند علاقة صداقة طويلة الأمد مع الروس بمجالي التعاون الأمني وشراء المعدات العسكرية». وبعد سؤال شاهين «هل ينبغي لنا فرض عقوبات ضد الهند لشرائها المنظومة؟»، رد أكويلينو «أعتقد من الأفضل ترك هذه المسألة لصانعي السياسات ليتخذوا القرار المناسب حيالها... أعتقد أنه بالتأكيد علينا فهم أننا نقف إلى جانب الهند وأعتقد أن طرح بدائل ربما يكون سبيلاً أفضل للتعامل مع الأمر». وأردف «الهند شريك رائع بالفعل، ومثلما رأينا خلال المناقشات الأخيرة في إطار (كواد)، أعتقد أن أهمية الهند وباقي الدول الأعضاء في (كواد) ستزداد الفترة المقبلة. نحن نسعى لإقرار توازن. ومع هذا، ترتبط الهند بعلاقات طويلة مع الروس بمجال التعاون الأمني وشراء المعدات العسكرية».
- البُعد الباكستاني
من ناحيته، ذكر المحلل السياسي الهندي كيه. سي. سينغ، أن «العلاقات الهندية - الروسية قد لا تكون على الدفء ذاته الذي كانت عليه أثناء (الحرب الباردة)، ومع هذا تدرك نيودلهي أن روسيا مهمة كي تتمكن الهند من الحفاظ على سياسة خارجية متوازنة. ولا ترغب الهند في انتقال روسيا على نحو كامل باتجاه التحالف الصيني - الباكستاني؛ وذلك لأسباب متنوعة منها قدرة روسيا على إنتاج وبيع الأسلحة، والتي غالباً ما تتضمن نقل تكنولوجيا». وتابع «بجانب ذلك، لا يمكن للهند التحول من المزيج الحالي لمعداتها الدفاعية نحو الاعتماد على إمدادات تهيمن عليها الولايات المتحدة بين عشية وضحاها. أيضاً، تعتبر روسيا عاملاً مهماً في منطقة غرب آسيا وإيران. وقد نجحت في بناء نفوذ لها داخل أفغانستان، مثلما اتضح من استضافتها لعدد من الأطراف الأفغانية الفاعلة المختلفة حتى قبل انعقاد الحوار بين - الأفغاني الذي اقترحته الولايات المتحدة على الأراضي التركية. ومع التمدد الصيني بوسط آسيا، بالاعتماد على (مبادرة الحزام والطريق)، تلتقي المصالح الروسية والهندية في ضمان احتفاظ روسيا بنفوذ قوي لها في المناطق التي كانت خاضعة لها سابقاً».
- الجهود الدبلوماسية الأفغانية
وحقاً، في خضم الشراكة المتنامية بين روسيا والصين، أقصت خطة روسية مقترحة الهند من مجموعة الدول التي ترى موسكو أنه منوط بها الاتفاق حول خريطة طريق للسلام في أفغانستان، وهي روسيا والصين والولايات والمتحدة وباكستان وإيران. لكن، بفضل جهود دبلوماسية محمومة خلف الكواليس وبدعم من الولايات المتحدة، أصبحت الهند الآن جزءً من هذه المجموعة التي ربما تحدد ملامح مستقبل أفغانستان. ومن جانبه، بعث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خطاباً في مطلع مارس المنصرم إلى الرئيس الأفغاني أشرف غني ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، عبد الله عبد الله. واقترح بلينكن في إطار الخطاب عقد مؤتمر إقليمي تحت رعاية الأمم المتحدة لوزراء خارجية الولايات المتحدة والهند وروسيا والصين وباكستان وإيران لمناقشة اتباع «توجّه موحّد» إزاء أفغانستان.
وعليه، يوحي قرار أوستن المفاجئ بالتوقف في العاصمة الأفغانية كابل والرسالة التي وجهها للجنود المتمركزين بالبلاد بإمكانية أن تبقى هذه القوات لفترة أطول. ويعني ذلك أن أمام نيودلهي فرصة لبناء جسور مع قوى أخرى تمكنها من الاضطلاع بدور مؤثر... ويبدو الرهان الأفضل أمامها هو في ترتيب أولوياتها على نحو يتوافق مع واشنطن.
من جهتها، لا يبدو أن إدارة بايدن تتحرك بسرعة وفي عجالة كما كان الحال مع إدارة ترمب، والموعد النهائي المحدد في الأول من مايو (أيار) ليس منقوشاً على الحجر، بمعنى أنه تظل هناك إمكانية لتعديله. إلا أنه بينما تترك الولايات المتحدة خلفها أفغانستان في حالة متوترة وقابلة للاشتعال في أي لحظة، فإن هذا الأمر يشكل أهمية لنيودلهي ويستلزم مشاركة نشطة من جانبها في القضية الأفغانية.
- أهمية مركز اللقاحات الهندي في المعركة ضد «كوفيد ـ 19»
> كحال باقي دول العالم، ترغب الولايات المتحدة في إبقاء الهند إلى جانبها لإدراكها كيف أن الهند تشكل عنصراً محورياً للحفاظ على خط إمدادات بلقاحات ضد فيروس «كوفيد - 19». وعلاوة على ذلك، قررت مجموعة «كواد» إطلاق مبادرة كبرى بمجال اللقاحات سيجري في إطارها إنتاج لقاحات ضد الفيروس داخل الهند لدول منطقة الهندي – الهادي؛ من أجل التصدي للنفوذ الصيني. وترمي المبادرة إلى ضمان تشارك الهند في إمدادات اللقاح المتاحة لديها مع العديد من الدول الأخرى، وفي الوقت ذاته، ضمان تلبية الاحتياجات الداخلية.
هذا، وكان الرئيس جو بايدن و«كواد» قد أعلنا خطة لتوسيع نطاق القدرة الإنتاجية لإنتاج لقاحات ضد «كوفيد - 19» داخل الهند. ووصف بايدن هذه الجهود بأنها «شراكة جديدة طموحة ترمي لتعزيز جهود إنتاج اللقاحات... من أجل نفع كامل منطقة الهندي - الهادي». وتأتي جهود «كواد» من أجل تعزيز قدرة الهند التصنيعية للقاحات، بينما إدارة بايدن وقيادات دول غنية أخرى دعوات من بعض المنظمات المعنية بالصحة العالمية بالتبرع بنسبة صغيرة من اللقاحات المنتجة داخل الولايات المتحدة ودول صناعية أخرى لدول فقيرة. وتسعى جهود «كواد» لتعزيز إنتاجية الهند على تصنيع اللقاحات بمقدار مليار جرعة بحلول عام 2022، تبعاً لما ورد في بيان صادر عن البيت الأبيض.
وللعلم، اللقاحات الهندية أظهرت أعراضاً جانبية أقل واتسمت بانخفاض تكلفتها وسهولة تخزينها ونقلها. في الوقت ذاته، ثمة ارتفاع هائل في الطلب العالمي على لقاحات «كوفيد - 19». ودخلت قرابة 90 دولة في اتفاقات لتوريد لقاحات. وفي حين التزمت الصين السرية تجاه البيانات المرتبطة بلقاحاتها؛ ما أثار جدالات حول مدى فاعليتها، نظمت الهند جولات لسفراء أجانب لزيارة مصانعها الدوائية في بون وحيدر آباد.
- دور الشتات الهندي في العلاقات الثنائية
في غضون أقل عن 50 يوماً من رئاسته، عيّن الرئيس الأميركي جو بايدن على الأقل 55 أميركياً من أصول هندية في مناصب كبرى في إدارته تتنوع ما بين كاتب خطاباته إلى مراكز قيادية في وكالة «ناسا»، وكذلك جميع قطاعات الحكومة تقريباً... وهذا من دون أن ننسى طبعاً أن والدة نائبته كامالا هاريس... هندية.
الأميركيون من أصول هندية يعدّون بين المجموعات العرقية الأكثر ثراءً وتعليماً على مستوى الولايات المتحدة. وبدأت أعداد كبيرة من أبناء الجيل الثاني من الأميركيين من أصول هندية تبرز بقوة في المشهد السياسي الأميركي. وحتى الآن، تميزت إدارة أوباما - بايدن (2009 – 2017) بأنها الإدارة الأميركية التي عينت أكبر عدد من الأميركيين من أصول هندية في تاريخ البلاد. ولم تكن إدارة ترمب على مسافة بعيدة عن إدارة أوباما على هذا الصعيد، وتميزت بأنها أول إدارة تعين أميركياً من أصول هندية في منصب بدرجة وزير وداخل مجلس الأمن الوطني.
وفي وقت قريب، قال بايدن مازحاً «إن الأميركيين من أصول هندية يهيمنون على البلاد»، في إشارة إلى العدد الضخم الذي انضم إلى إدارته. ويرى البعض، أن هذا الصعود للأميركيين من أصول هندية يوحي بوجود تأثيرات تتجاوز السياسات المحلية الأميركية تدفع باتجاه يمكنه أن يعزز الاقتصاد الهندي ويعزز العلاقات الأميركية - الهندية. وبالنظر لوجود أنتوني بلينكن على رأس وزارة الخارجية وجايك سوليفان في مجلس الأمن الوطني، بجانب بايدن نفسه، من الواضح أن الإدارة الأميركية الراهنة تملك خبرة أكبر في التعامل مع الهند عن أي من الإدارات السابقة. كذلك يبدو واضحاً أن ثمة تصميماً على دفع العلاقات الأميركية - الهندية نحو مكانة مركزية في الخطط الأميركية.



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.