«داعش موزمبيق»... 800 مقاتل يواجهون 10 آلاف جندي ومرتزقة

من موسى بن بيق وفاسكو دي غاما وصولاً إلى الماركسيين

عناصر «داعش» في شوارع بالما الموزمبيقية الاثنين الماضي (أ.ب)
عناصر «داعش» في شوارع بالما الموزمبيقية الاثنين الماضي (أ.ب)
TT

«داعش موزمبيق»... 800 مقاتل يواجهون 10 آلاف جندي ومرتزقة

عناصر «داعش» في شوارع بالما الموزمبيقية الاثنين الماضي (أ.ب)
عناصر «داعش» في شوارع بالما الموزمبيقية الاثنين الماضي (أ.ب)

تشهد موزمبيق، في جنوب شرقي أفريقيا، تصاعداً لافتاً لنشاط فرع محلي لتنظيم «داعش»، لا سيما في شمال البلاد على الحدود مع تنزانيا، حيث تمكن مقاتلو التنظيم قبل أيام من السيطرة على بلدة بالما المهمة في إقليم كابو ديلغادو الغني بالغاز. ولكن ماذا نعرف عن النزاع الدائر حالياً في موزمبيق؟

فرع «داعش»
انبثق «داعش - فرع موزمبيق» عن جماعة محلية متشددة هي «أنصار السنة» التي شنّت تمرداً ضد الحكومة بدءاً من العام 2017. يُعرف فرع «داعش» أيضاً بأسماء أخرى مثل «أهل السنة والجماعة» و«سواحيلي السنة» و«الشباب» – والتنظيم الأخير مختلف عن «حركة الشباب» في الصومال، التي انضمت إلى تنظيم «القاعدة» وباتت فرعاً له في شرق أفريقيا. في المقابل، انضم «شباب» موزمبيق (أي «أنصار السنة») إلى «داعش» وباتوا فرعاً رسمياً تابعاً لقيادته في سوريا والعراق بدءاً من يونيو (حزيران) 2019.
وتفيد تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي أيه» بأن الجماعة التي باتت فرع «داعش» في موزمبيق قتلت 1300 مدني منذ العام 2017، لكن أعمال العنف المرتبطة بتمردها أدت إلى مقتل قرابة 2500 مدني وعنصر في قوات الأمن ومقاتلين من فرع «داعش» نفسه، إضافة إلى تشريد نحو 700 ألف شخص في شمال البلاد.
وقد برز نجم هذه الجماعة عندما تبنّت هجوماً واسع النطاق ومخططاً بعناية أسفر عن السيطرة لمدة ثلاثة أشهر على ميناء موكيمباوا بإقليم كابو ديلغادو في أغسطس (آب) 2020، لكن اقتحامها بلدة بالما قبل أيام يُعد إنجازها الأضخم حتى الآن، كونها باتت تشكل تهديداً مباشراً لمنشآت الغاز الضخمة بشمال البلاد. وتدير شركة «توتال» الفرنسية مشروعاً ضخماً لإنتاج الغاز هناك، لكنها اضطرت إلى وقف العمل به وإجلاء موظفيها الأجانب بعد سقوط بالما في أيدي «داعش».
يقود فرع «داعش» في موزمبيق شخص يُدعى «أبو ياسر حسن»، لكن لا يُعرف الكثير عنه، بحسب تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية يورد معلومات، بناء على تقارير غير محددة، تقول إن للتنظيم قادة إقليميين في موزمبيق ويبلغ عدد عناصره قرابة 800 مقاتل، بحسب بعض التقديرات، وينشط على وجه الخصوص من خلال خلايا ومجموعات صغيرة، على رغم أنه «أظهر قدرة على حشد عدد كبير من المقاتلين لشن هجمات كبيرة»، بحسب معلومات «سي آي أيه». وظهرت قدرة «داعش» على حشد المقاتلين بالفعل عندما وزع التنظيم مشاهد مصورة لمقاتليه بعد سيطرتهم على بالما، حيث ظهر عشرات المقاتلين.

التركيبة السكانية لموزمبيق
تفيد إحصاءات رسمية لحكومة موزمبيق بأن المسلمين يشكلون 18.3 في المائة من سكان البلد (قرابة 28 مليوناً بحسب أرقام العام 2019)، في حين يشكل المسيحيون الكاثوليك 26 في المائة، والمسيحيون الصهيونيون 15 في المائة، والإنجيليون البروتستانت (البنتيكوستال) 14.7 في المائة، واليهود 4.7 في المائة.
لكن ممثلي المسلمين في البلد يرفضون هذه الأرقام ويصرون على أنهم يشكلون ما بين 25 و30 في المائة من مجموع السكان، بحسب تقرير لوزارة الخارجية الأميركية التي تشير إلى أن دستور موزمبيق يمنع التمييز على أساس الدين، ويتيح الحق في ممارسة الشعائر الدينية بحرية، لكنه يمنع قيام أحزاب سياسية على أساس ديني أو استخدام الشعارات الدينية في السياسة.
وللمجموعات الدينية الحق في التنظيم والعبادة وإقامة مدارسها الخاصة. لكن هذه النصوص الدستورية لا تعني أن المسلمين لا يشعرون بتمييز ضدهم. في إقليم كابو ديلغادو (شمال)، ردت الحكومة على الهجمات العنيفة المتصاعدة من المجموعات التي باتت فرع «داعش» المحلي، بنشر قوات الأمن واعتقال مئات الأشخاص.
ويلفت تقرير للخارجية الأميركية إلى أن منظمات غير حكومية وتقارير إعلامية تصف عمليات قوات الأمن هناك بأنها بالغة التشدد، ما يثير «احتمال أنها تزيد الشعور الموجود بالمظلومية في وسط جزء مهمش أصلاً» من السكان. ويضيف تقرير الخارجية الأميركية أن أعضاء في المجلس الإسلامي الموزمبيقي يشكون من أن الذين يرتدون ثياباً ذات طابع إسلامي أو يُطلقون لحاهم يواجهون خطر التوقيف بشبهة التورط فيما تصفه السلطات بعنف المتشددين.

موسى بن بيق
والمسلمون العرب ليسوا غرباء في الحقيقة عن موزمبيق التي يرتبط اسمها نفسه بالعرب، نسبة إلى موسى بن بيق (أو بن بيك)، وهو تاجر عربي كان يتاجر بالرقيق، ونصّب نفسه سلطاناً على جزيرة صغيرة تحمل اسمه، ويربطها اليوم جسر بسواحل موزمبيق. كان هذا قبل مجيء المستعمرين البرتغاليين في القرن الخامس عشر (عندما حط المستكشف فاسكو دي غاما رحاله فيها). ولم تستقل موزمبيق عن البرتغاليين سوى في العام 1975. وبعد الاستقلال تولت السلطة «جبهة تحرير موزمبيق»، وهي حزب لم يتخلَّ عن النظام الماركسي سوى في العام 1989.
وبعد ذلك بسنة، اعتمدت موزمبيق دستوراً جديداً يتيح التعددية الحزبية ويعتمد اقتصاد السوق الحرة. وينتمي الرئيس الحالي فيليب جاسينتو نايوسي إلى «جبهة التحرير»، وهو يتولى قيادة البلاد منذ العام 2019 بعدما انتُخب رئيساً لولاية أولى عام 2015. وما زالت النجمة الخماسية التي تزين جزءاً من علم البلاد دليلاً على تأثير الماركسيين - اللينيين على النخبة التي قادت البلد بعد الاستقلال.
ولا تضم القوات المسلحة لموزمبيق سوى قرابة 11.200 شخص يتوزعون على 10 آلاف جندي في الجيش، و200 جندي لسلاح البحرية وألف لسلاح الجو. لكن وكالة «سي آي أيه» تشير إلى أن القوات الحكومية «يُنظر إليها على شكل واسع بوصفها تفتقر إلى التدريب والتجهيزات والقدرة عموماً على مواجهة التمرد».
ونتيجة هذا العجز الواضح لقوات الأمن في مواجهة «داعش»، استعانت حكومة مابوتو بخدمات مرتزقة يعملون في شركات أمنية خاصة لمساعدتها في حربها ضد المتشددين. وأبرز هذه الشركات حالياً هي «مجموعة دايك الاستشارية» التي يقودها ليونيل دايك، وهو كولونيل سابق في جيش زيمبابوي، وتمت الاستعانة بها بعد هجوم «داعش» الكبير في إقليم كابو ديلغادو عام 2017، لكن مرتزقة «مجموعة دايك» لم يتمكنوا، كما هو واضح، من وقف هجوم «داعش» الحالي وفشلوا في منع سقوط بالما.



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.