هل يمكن للكتب الأدبية أن تُقرأ من عناوينها؟

بين أن تكون اختزالاً مكثفاً للمؤلفات أو مجرد أسماء و«بطاقات تعريف»

هل يمكن للكتب الأدبية أن تُقرأ من عناوينها؟
TT

هل يمكن للكتب الأدبية أن تُقرأ من عناوينها؟

هل يمكن للكتب الأدبية أن تُقرأ من عناوينها؟

لم تكن مسألة العناوين التي يختارها الكتاب والفنانون لأعمالهم الأدبية والفنية بالأمر السهل على الإطلاق، بل قد تكون واحدة من أعقد المسائل التي يواجهها المؤلفون في أثناء الكتابة، وقبل أن يدفعوا بأعمالهم إلى النشر، إذ لطالما كانت العلاقة بين النصوص وعناوينها محلاً للتساؤل والتفسيرات الملتبسة والغموض الإشكالي.
وإذا كان ثمة من يعتقد أن «المكتوب يُعرف من عنوانه»، وفقاً للمقولة الشائعة التي جرت في الحياة العربية مجرى الأمثال، فإن هذا الاعتقاد ينسحب على الرسائل التي تطلق عليها العامة تسمية «المكاتيب» التي لا يخطئ سعاة البريد في إيصالها إلى المتلقين، وفق عناوين مكانية واضحة محددة المعالم، ولا ينسحب على الإبداع إلا في إطاره التقليدي، حيث لا تنحصر مهمة الأدب في الوصول إلى القارئ، بل تتجاوز ذلك إلى محاولة استمالته واستقطابه، على المستويات الأخلاقية والفكرية والسياسية.
ولعل هذا النمط من «التصويب» المباشر باتجاه القارئ هو الذي دفع العرب إلى نعت كثير من المؤلفات الأدبية بالرسائل، كما هو الحال مع رسائل ابن المقفع والجاحظ وأبي العلاء المعري وغيرهم.
كذلك فإن مقولة «المكتوب يُعرف من عنوانه» ليست بعيدة عن الصحة في مجالات الدراسات العلمية التي ينبغي أن تتسم بالدقة والموضوعية، أو التي تتخذ فرضياتها المقترحة صفة العناوين الواجب البرهنة عليها عن طريق العقل والمنطق والبحث المنهجي.
ولكن الأمر يختلف تمام الاختلاف مع الأعمال الأدبية والفنية، خاصة تلك التي لا تعتمد وحدة الموضوع، وتبدو أقرب ما تكون إلى الأطياف والرؤى المتشابكة التي يصعب اختزالها بفكرة واحدة أو عنوان محدد.
والواقع أن أي مراجعة متأنية للتراث العربي، خاصة في جانبه الشعري، لا بد أن تقودنا إلى استنتاج أن اختيار العناوين لم يكن واحداً من الهواجس المؤرقة للشعراء، كما هو الحال في العصور الحديثة، حيث البحث عن عنوان ملائم قد يستغرق من الوقت الزمن الذي يستغرقه العمل الإبداعي برمته. فكيف للجاهلي الذي حشد في قصيدة طويلة واحدة كل ذلك القدر من الأبيات والهواجس والعناوين أن يختزل عمله ذاك في عنوان واحد أو تسمية بعينها.
ولذلك فقد ارتأى النقاد والرواة أن تسمى القصائد الأمهات في العصر الجاهلي بالمعلقات، بعد أن بات تعليقها على ستائر الكعبة هو الحدث الاستثنائي الدال على تميزها الإبداعي.
وانتزعت قصائد أخرى عناوينها من كون أصحابها لم يتركوا أثراً غيرها، كما هو الحال مع قصيدة دوقلة المنبجي التي سميت «اليتيمة»، أو بناء على المناسبة التي دفعت الشاعر إلى نظمها، كما هو حال قصيدة أبي تمام في مديح المعتصم التي أخذت عنوانها المعروف «فتح عمورية» من المعركة الشهيرة التي انتصر خلالها الخليفة العباسي على الروم.
وبما أن وحدة الشكل المتمثلة بانضواء الأبيات تحت الوزن ذاته والقافية إياها هي التي كانت تنوب عن تشتت المضامين في القصيدة الواحدة، فقد اهتدى رواة الشعر ونقاده إلى الحل المريح، المتمثل بنسبة القصيدة إلى قافيتها، كأن يقال «سينية» البحتري، أو «عينية» ابن سينا، أو لامية «ابن الوردي»، وما سوى ذلك.
على أن اللجوء إلى القافية لم يكن ليوفر الحل الأمثل لإشكالية العناوين، باعتبار أن الاحتمالات المتاحة أمام الشعراء لاختيار القوافي محصورة بالحروف التي تسمح بها الأبجدية العربية، الأمر الذي يجبر هؤلاء على تكرار القافية ذاتها في كثير من قصائدهم ومقطوعاتهم، ما يُفقد هذه الأخيرة الصلاحية الحصرية في منح الهوية والاسم للقصائد غير المسماة.
أما في الأزمنة الحديثة، فقد بدا الكتاب والمبدعون كأنهم يولون مسألة العناوين عناية واهتماماً يفوق ما كان يفعله أسلافهم من قبل، وهو أمر ينسحب على الأدب العربي بقدر ما ينسحب على الآداب العالمية بمختلف لغاتها ومناحيها.
والواقع أن كثيراً من شعراء الحداثة في الغرب لم يروا العناوين بصفتها مجرد إشارة رمزية للتعريف بالعمل الشعري أو لتمييزه عن سواه، بل جزءاً لا يتجزأ من هوية العمل ونواته ومغزاه، وهو ما ينسحب بشكل أخص على مجموعة بودلير «أزهار الشر» التي تعكس جوهر التمزق البودليري بين الطهراني والشيطاني.
وكذلك هو الأمر مع «أوراق العشب» لوالت ويتمان الذي رأى في العودة إلى الطبيعة السبيل الأمثل للعودة إلى نقاوة الحياة وبراءتها، كما للاحتجاج على الجنوح الأميركي المفرط نحو التعصب والعنف وقهر السكان الأصليين، و«فصل في الجحيم» لرامبو، حيث البحث عن الخلاص الروحي يتطلب التجديف في «أنهار همجية» يمنحها خداع الحواس قدرة أكبر على المخاتلة ووأد المغامرة في مهدها.
وإذا كانت للثورة الصناعية الغربية وجوهها الإيجابية المتعددة، فإن الشعراء المفرطين في حساسيتهم، العاملين بدأب على احتفاظ الحياة ببراءتها الأصلية، لم يستطيعوا التعامل مع الصناعات الجديدة والكارتيلات الصناعية والتجارية الهائلة إلا بصفتهما أداتين للجشع العابر للقارات، ولتسليع الإنسان وسحقه تحت السنابك الفولاذية الضروس للعالم المعدني، وهو ما ألقى بظلاله المؤثرة على أدب القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث نعثر على عناوين روائية معبرة، من مثل: «الإنسان الصرصار» لدويستويفسكي، و«المسخ» لكافكا، و«مزرعة الحيوان» لجورج أورويل، وعلى عناوين شعرية موازية في دلالاتها، مثل «الأرض الخراب» لتوماس إليوت، و«عواء» لألن غينسبرغ، و«في خديعة العتبة» لإيف بونفوا، و«الحب كلب من الجحيم» لبوكوفسكي، على سبيل المثال لا الحصر.
ولعلني لا أجافي الحقيقة في شيء إذا خلصت إلى استنتاج أن عقدة اختيار العناوين هي في مجال الرواية أسهل منها في مجال الشعر. فالروائيون الذين يشتغلون على فكرة وموضوع محددين، وعلى لغة وحياة شبه ملموستين، والذين يتحكمون إلى حد بعيد بمسار أعمالهم ووقائعها ومصائر أشخاصها، لن يجدوا صعوبة بالغة في العثور على عناوين ملائمة، تحمل في بعض الأحيان أسماء أبطال الروايات الذين يتحول بعضهم إلى نماذج عليا للعيش، كما للمواجهة الضارية مع تحديات الوجود الكبرى، كما هو حال «دون كيشوت» لسرفانتس، و«فاوست» لغوته، و«مدام بوفاري» لفلوبير، و«أنا كارنينا» لتولستوي، و«زوربا» لكازانتزاكيس، و«ويولسيس» لجيمس جويس، و«موبي ديك» لميلفيل، و«مرداد» لميخائيل نعيمة، و«سراب عفان» لجبرا إبراهيم جبرا.
لكن الأمر لم يتوقف عند ربط العناوين بنماذج «بطولية» منتزعة من واقع الحياة وأحشائها، بل ثمة كتب ومؤلفات جرت عناوينها الرائعة بين البشر مجرى الحكم المكثفة والأمثال السائرة، كما هو حال «البحث عن الزمن المفقود» لمارسيل بروست، و«الحياة في مكان آخر» لميلان كونديرا، و«الجميلات النائمات» لكاواباتا، و«مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» لغارسيا ماركيز، وكثير غيرها.
لكن العناوين بالمقابل ليست بالضرورة معنية بالكشف عن طبيعة الكتب والأعمال التي تتصدرها. وهي لن تستطيع، ولو بذل واضعوها كل ما لديهم من جهد، أن تختزل العمل الأدبي الذي وُضعت له بكلمة أو اثنتين أو أكثر قليلاً، بل إن علاقتها بالكتاب الذي تتصدره ليست أكثر من علاقة الكائنات الحية وسائر الموجودات بأسمائها. فكما أنه ليس من مهمات الاسم أن يكون مطابقاً للمسمى في دلالته ومعناه، رغم حرص كثيرين في العادة على أن يخصوا أطفالهم بأسماء دالة على الجمال أو الأخلاق والصفات الحميدة، فإن الحال لا يختلف كثيراً مع العناوين التي يجب أن تنحصر مهمتها في تسمية العمل الإبداعي، تأكيداً على هويته، وتمييزاً له عن سواه. ولعل أكثر الأعمال والنصوص التي ينطبق عليها مثل هذا الرأي هي تلك التي تنزع باتجاه التجريد، وتتحرك في فضاء غامض مبهم المعالم والاتجاهات، وهو ما ينطبق على الشعراء أكثر من سواهم. وإذا كان بعض شعراء الحداثة لا يعولون كثيراً على عناوين دواوينهم وقصائدهم، بحيث يلجأ بعضهم إلى استبدال العناوين بعلامات الترقيم، فإن بعضهم الآخر يختار لأعماله عناوين لافتة في غرابتها، مثل «غيمة ترتدي بنطلوناً» لماياكوفسكي، و«العودة إلى مكان مضاء بكوب حليب» لشارلز سيميك، و«حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة» لشوقي أبي شقرا، وصولاً إلى عناوين أخرى لافتة، مثل: «استدراج الجبل» لغسان زقطان، و«تمرين على الاختفاء» لغسان جواد، و«أتثاءب في مخيلة قطة» لرنيم ضاهر، وكثير غيرها.
إلا أن ما لا بد من ذكره في ختام هذه المقالة هو أن العناوين والتسميات ما تزال تمتلك تأثيرها البالغ على صعيد تسويق الكتب واجتذاب القراء، بصرف النظر عما يختبئ خلفها من مضامين وأساليب وحمولات معرفية متباينة.
وإذا كانت النخب الضيقة من المثقفين ومدمني القراءة لا تكتفي من الكتب بعناوينها المغوية البراقة، فإن الكثرة الكاثرة من القراء العاديين ترى في مثل تلك العناوين ما يستدرجها إلى شراء الكتب واقتنائها، خاصة تلك التي تلعب على أوتار الرغبات الصريحة والعواطف المشبوبة والحماس الوطني والقومي. ولست لأميط اللثام عن أي نوع من الأسرار إذا قلت إنني أعرف كثيراً من الناشرين الذين مارسوا على بعض الكتاب والشعراء ضغوطاً معنوية ونفسية قصوى من أجل تناسي العناوين الأصلية التي وضعوها لمؤلفاتهم، واستبدالها أخرى بها، بحيث تكون أكثر «إثارة» للقارئ وإغواء له، وحجتهم في ذلك أنهم لا يريدون لأموالهم أن تُهدر فيما لا طائل منه، ولمنشوراتهم أن تظل حبيسة المستودعات والأقبية الرطبة!



«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
TT

«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)

استعاد العرض المسرحي «متحف باكثير» جانباً من روائع الأديب اليمني المصري علي أحمد باكثير في القاهرة، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ115 لميلاده.

العرض الذي أُقيم على خشبة المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية، مساء الاثنين، كان ضِمن فعالية ثقافية وفنية عكست حضور اسمه المتجدد في الوجدان العربي، نظّمتها مؤسسة «حضرموت للثقافة» السعودية، بالشراكة مع «ضي للثقافة والإعلام».

لم تقتصر الاحتفالية، التي نُظّمت تحت عنوان «علي أحمد باكثير... 115 عاماً من التأثير»، على استدعاء السيرة الإبداعية للأديب الكبير، بل سعت إلى تحويل إرثه الأدبي إلى فعل حي على خشبة المسرح بوصفه أحد الفضاءات الأساسية التي شكّلت مشروعه الإبداعي، من خلال العرض الذي استمر لنحو 80 دقيقة، حيث قُدِّم من دراماتورج وإخراج أحمد فؤاد، برؤية تقوم على فكرة المتحف بوصفه مساحة جامعة، تتجاور فيها العصور والشخصيات والأفكار، وتتحول فيها النصوص الأدبية إلى لوحات حية نابضة بالحركة والصوت.

المخرج أحمد فؤاد قدّم العرض بصورة بصرية جذابة (الشركة المنتجة)

اعتمد العرض على استلهام عدد كبير من أعمال علي أحمد باكثير، التي تحولت عبر العقود إلى نصوص مسرحية وسينمائية مؤثرة، من بينها «وا إسلاماه» و«الشيماء»، إلى جانب مسرحيات مثل «جلفدان هانم» و«قطط وفئران» و«الحاكم بأمر الله»، وغيرها من الأعمال التي كشفت عن انشغاله الدائم بالتاريخ والهوية والإنسان.

ومن خلال هذا التنوع، تنقّلَ العرض بين العصور الفرعونية والإسلامية والحديثة، مستحضراً شخصيات تاريخية وأسطورية ومتخيلة، في معالجة درامية سعت إلى إبراز الأسئلة الكبرى التي شغلت الكاتب؛ من الحرية والعدل، إلى الصراع بين السلطة والضمير، وعبر فتاة شابة من جيل «زد» تدخل متحفاً يضم عدداً من الشخصيات التي قدّمها.

يقول أحمد فؤاد، مؤلف العرض ومُخرجه، لـ«الشرق الأوسط»، إن عرض «متحف باكثير» جاء انطلاقاً من إيمان عميق بأهمية إعادة تقديم أعمال علي أحمد باكثير بصيغة مسرحية معاصرة تتيح للجمهور، اليوم، الاقتراب من عالمه الفكري والإنساني دون حواجز زمنية، مشيراً إلى أن اختيار فكرة المتحف كان المدخل الأنسب للتعامل مع هذا الإرث المتنوع؛ نظراً لما تزخر به أعمال باكثير من شخصيات تنتمي إلى عصور وخلفيات مختلفة، من مصر القديمة، مروراً بالتاريخ الإسلامي، وصولاً إلى الشخصيات المتخيَّلة والمعاصرة.

وأضاف أن «العرض صُمِّم على هيئة قاعات متحفية متجاورة، ينتقل بينها المتفرج، بحيث تقوده الأحداث في مسار درامي واحد، تتقاطع داخله الشخصيات والأفكار، في محاولةٍ للكشف عن الخيط الإنساني المشترك الذي يربط هذه العوالم المتباعدة ظاهرياً».

العرض قُدّم على مدار 80 دقيقة على خشبة المسرح الكبير بالأوبرا (الشركة المنتجة)

وأوضح فؤاد أنه اعتمد في بناء العرض على دراسة وقراءة عدد كبير من نصوص باكثير، قبل الاستقرار على اختيار 12 نصاً مسرحياً كُثِّفت وأُعيدت صياغتها داخل بنية واحدة. وعَدّ «التحدي الأكبر تمثل في ضغط الزمن، ومحاولة تجميع هذا الكم من الأعمال في إطار جذاب بصرياً ودرامياً، دون الإخلال بالفكرة الأساسية لكل نص؛ لأن الهدف كان تقديم عرض نوعي، قريب من المتفرج، يُعيد طرح سؤال عن باكثير وقدرته المتجددة على مخاطبة الحاضر».

ووفق الناقد الفني المصري، محمد عبد الرحمن، فإن عنوان عرض «متحف باكثير» قد يوحي، منذ الوهلة الأولى، بطابع وثائقي تقليدي، إلا أن التجربة المسرحية جاءت مغايرة تماماً لهذا الانطباع، وقال، لـ«الشرق الأوسط»: «استطاعت التجربة أن تحصد إعجاب الجمهور بفضل طبيعتها المختلفة واعتمادها الواضح على الحركة فوق خشبة المسرح، كما أن تعدد الشخصيات وتنوعها، والتنقل بينها بسلاسة، منح العرض حيوية خاصة، وخلق حالة من التفاعل المستمر مع المتلقي، بعيداً عن الجمود أو السرد المباشر».

العرض نال إشادات من الحضور (الشركة المنتجة)

وأضاف عبد الرحمن أن «عناصر العرض الفنية جاءت متوازنة، إذ اتسم الحوار بالجاذبية والقدرة على الإمتاع دون إسهاب أو خطابية، مدعوماً بمتعة بصرية واضحة على مستوى الحركة والتشكيل المسرحي»، لافتاً إلى أن الموسيقى لعبت دوراً أساسياً في تكوين المناخ العام للعمل؛ لاعتمادها على إرث أعمال باكثير.

وخلال الاحتفالية أُعلن إطلاق جائزة سنوية تحمل اسم علي أحمد باكثير، تبلغ قيمتها 10 آلاف دولار أميركي، وتُمنح في مجالات عدّة تعكس تنوع تجربته الإبداعية، من بينها الشعر، والكتابة المسرحية، والرواية، والترجمة الأدبية، والنقد الأدبي، في خطوة تستهدف دعم الإبداع العربي وتشجيع الأصوات الجديدة، بجانب تكريم أسماء عدد من الفنانين الذين ارتبطت أعمالهم به، منهم أحمد مظهر، ولبنى عبد العزيز، وسميرة أحمد، وحسين رياض.


مطاعم أميركية تقدم وجبات أصغر لإرضاء مستخدمي علاجات إنقاص الوزن

لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)
لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)
TT

مطاعم أميركية تقدم وجبات أصغر لإرضاء مستخدمي علاجات إنقاص الوزن

لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)
لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)

لطالما كانت لينا أكسماشر من كبار مرتادي المطاعم في نيويورك إلى أن بدأت تتناول دواء «أوزمبيك» لإنقاص الوزن فلم يعد في وسعها تناول ما لذّ وطاب، غير أنها وجدت حلّاً لهذه المعضلة في مطاعم تقدّم وجبات أصغر تلبية لحاجات هذه الفئة من الزبائن.

وما زالت لينا السويدية الأصل والبالغة من العمر 41 عاماً تصرّ على «مخالطة الناس» وارتياد المطاعم، حتّى لو أنها لم تعد تأكل كالسابق.

وقد سهّل عليها أحد مطاعمها المفضّلة «لو بوتي فيلاج» (القرية الصغيرة) الأمر، وبات كمطاعم كثيرة غيره يقدّم وجبات بكمّيات أصغر وأسعار أقل.

ويعزى هذا القرار إلى الإقبال الكثيف الذي تشهده في الولايات المتحدة أدوية إنقاص الوزن الحديثة التطوير المستخدمة لمعالجة البدانة والسكّري.

وبحسب استطلاع أجراه مركز الأبحاث «كاي إف إف» المتخصّص في مسائل الصحة في نوفمبر (تشرين الثاني)، يلجأ أميركي واحد من كلّ ثمانية إلى هذه العلاجات المسوّقة تجارياً تحت أسماء «أوزمبيك» أو «ويغوفي» أو «مونجارو» والتي أوصت «منظمة الصحة العالمية» أخيراً بها.

والاثنين، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (إف دي إيه) على نسخة أولى بالأقراص من «ويغوفي» الذي يوفّر عادة كغيره من هذه العلاجات على شكل محلول قابل للحقن.

وبفضل هذه التقنية المتطوّرة التي تقوم على محاكاة عمل الهرمون الهضمي «جي إل بي-1» الضابط للشهيّة، فُتحت سوق لتلبية حاجات ملايين الأشخاص الراغبين في خسارة الوزن.

وقال أريستوتل هاتسييوريو الذي يملك خمسة مطاعم في نيويورك: «لاحظت أن الناس باتوا يأكلون كمّيات أصغر بكثير»، مخلّفين الكثير من الطعام في أطباقهم.

تقليص حجم الوجبات

وفي ظلّ هذه التغيّرات، بادر رجل الأعمال إلى تقليص حجم الوجبات مع كمّيات أصغر وعدد أقلّ من المأكولات والمشروبات.

وشهدت قوائم الأطعمة المقلّصة هذه نجاحاً كبيراً، بحسب هاتسييوريو، في أوساط مستخدمي علاجات إنقاص الوزن وأيضا الزبائن الراغبين في عدم دفع مبالغ كبيرة لتناول وجبات في المطاعم في مدينة معروفة بغلاء المعيشة الفاحش.

أطباق طعام في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)

وما زال تناول «أوزمبيك» وغيره من العلاجات المخفّضة للوزن محدود النطاق في الولايات المتحدة بسبب الأسعار المرتفعة لهذه العقاقير. غير أنه من المتوقع أن تصبح هذه العلاجات ميسورة الكلفة على نحو متزايد، وقد تعهّد الرئيس دونالد ترمب شخصياً بذلك.

ويُحدث الاستخدام المتزايد لهذه العلاجات تحوّلاً في العادات الغذائية في البلاد، بحسب ماريون نستله اختصاصية علم التغذية في جامعة نيويورك التي قالت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «عندما يصبح الطعام الذي لطالما كان من أكبر ملذّات الحياة عدوّاً، تتغيّر المعادلة برمّتها».

«معجزات»

صحيح أن هذه العلاجات غالباً ما تترافق مع آثار جانبية، غير أنها أحدثت «معجزات» للبعض، بحسب نستله.

غير أن الأستاذة الجامعية حذّرت من أن الآثار بعيدة المدى لهذه المنتجات ليست معروفة بعد، سواء على الصعيد الجسدي أو الاجتماعي، إذ يشكّل الاستخدام الواسع النطاق لهذه العلاجات «تجربة بشرية كبيرة».

وأقرّت لينا أكسماشر بأنها تتوقّف أحيانا عن تناول «أوزمبيك» كي «تستمتع أكثر بالحياة». وقالت: «أريد أن أشعر بالجوع وأتناول ما يحلو لي».

وقد ساعدها تناول «أوزمبيك» على اكتساب عادات حميدة، مثل ممارسة الرياضة بوتيرة أكبر واستهلاك الكحول بكميّة أقلّ.

واعتبرت ماريون نستله أنه لا ضير في تقديم وجبات أصغر في الولايات المتحدة، بغضّ النظر عن العلاجات الرائجة لخفض الوزن.

وأكّد أريستوتل هاتسييوريو أن هذه الوجبات المقلّصة «قد تكون الأنسب حجماً» للزبائن.


«شتاء طنطورة»... تجربة ثقافية بين تاريخ العلا ومستقبلها الواعد

أهالي العُلا يحتفون بفعالية «الطنطورة» تقليداً ثقافياً ارتبط بتنظيم المواسم وبداية مربعانية الشتاء (واس)
أهالي العُلا يحتفون بفعالية «الطنطورة» تقليداً ثقافياً ارتبط بتنظيم المواسم وبداية مربعانية الشتاء (واس)
TT

«شتاء طنطورة»... تجربة ثقافية بين تاريخ العلا ومستقبلها الواعد

أهالي العُلا يحتفون بفعالية «الطنطورة» تقليداً ثقافياً ارتبط بتنظيم المواسم وبداية مربعانية الشتاء (واس)
أهالي العُلا يحتفون بفعالية «الطنطورة» تقليداً ثقافياً ارتبط بتنظيم المواسم وبداية مربعانية الشتاء (واس)

شتاء ثقافي يمدُّ جسوراً معرفية وإثرائية بين الماضي بقيمته الثمينة المحفورة على صخور العلا، والمستقبل الواعد الذي تتطلع إليه المدينة التاريخية، حيث تفتح أبوابها كل شتاء لتروي قصصها، وتكشف أسرارها.

الموسم الثقافي السنوي، الذي اختار اسم «شتاء طنطورة»، تستضيفه بلدة العلا القديمة في المدينة المنورة شمال غربي السعودية، وسُمّي هذا المهرجان الاستثنائي نسبة إلى «طنطورة»، الساعة الشمسية التقليدية في قلب البلدة القديمة، التي اعتمدها أهل العلا لمعرفة الوقت والاحتفال بدخول المربعانية وبداية موسم الزراعة.

تعامد ظل عمود من طين أمام حجر مغروس يحدث مرة واحدة سنوياً ولمدة وجيزة (واس)

يضم المهرجان سلسلة من الفعاليات والتجارب التي تحتفي بالتراث العريق، والثقافة المحلية الأصيلة، والفنون التقليدية، ويستقطب آلاف الزوار الذين يتدفقون لاكتشاف أسرار المواقع التاريخية التي تُمثِّل كُتباً مفتوحة على التاريخ الحي، بدءاً بالحِجر (مدائن صالح)، بمقابرها النبطية الضخمة المنحوتة في الصخر، منذ كانت عاصمة نبطية جنوبية، مروراً بالبلدة القديمة التي تظهر تطور العمارة المحلية، مروراً بوادي دادان عاصمة مملكتي دادان ولحيان، وصولاً إلى جبل عكمة المعروف بـ«المكتبة المفتوحة» وآلاف النقوش الأثرية المنتشرة فيه.

تقول أمل الجهني، إحدى رواة التاريخ في موقعي دادان وجبل عكمة، إن زوار العلا من داخل السعودية وخارجها لا تغادرهم الدهشة أبداً، ويعودون مراراً لاستكشاف مزيد من أسرارها وآثارها.

«الطنطورة»... تقليد يعكس دورة الحياة

برنامج ثقافي يعرض تنوّع الفنون والموروثات الشعبية ويعكس عمق ذاكرة المجتمع المحلي (واس)

وفي موعد يتكرَّر كل عام، التأم أهالي العلا، الاثنين، لإحياء تقليد ثقافي موروث، يعتمد على الساعة الشمسية التقليدية (مزولة)، أو ما يعرف بـ«الطنطورة» التي كانت تُحدِّد مواقيت الفصول ودخول المواسم الزراعية، حين كان أهالي وسكان العُلا قديماً يعتمدون عليها لتنظيم دورة العمل الزراعي وتنظيم الحياة اليومية.

عند تعامد ظل عمود من الطين يقف على أحد مباني البلدة القديمة أمام حجر مغروس في الأرض، وهو حدث يحدث مرة واحدة سنوياً ولمدة وجيزة، يعلن الأهالي رسمياً دخول مربعانية الشتاء في العلا، وهي فترة يشتد فيها البرد وتستمر 40 يوماً، ومن هنا جاء الاسم.

أمسيات مميّزة تتضمّن عروض فنية تراثية تقام طوال الموسم في البلدة القديمة (واس)

وعلى الرغم من التوقف عن استخدام الطنطورة أداة لضبط أوقات الحياة في الزمن المعاصر، بقي هذا التقليد مستمراً للاحتفاء بقيمته الثقافية والتاريخية لأهالي العلا، حيث تتهيأ الفرصة لاستعادة طيف من الماضي القديم بذكرياته وتفاصيله التي بقيت في ذاكرة الأجيال عبر العقود.

ليالي البلدة القديمة... فن وتراث

تُقدِّم ليالي البلدة القديمة أمسيات فنية وتراثية مميزة طوال موسم «شتاء طنطورة»، تقام بين البلدة القديمة وقلعة العلا التاريخية، وبين التكوينات الصخرية المذهلة خلف مدرّج البلدة القديمة، مع إطلالات ساحرة على قلعة العلا التي يعود تاريخها إلى القرن العاشر الميلادي، حيث يستمتع الزوار بعروض فنية مستوحاة من ذكريات البلدة القديمة وتراث واحة العلا العريق.

وفي داخل قلعة العلا التاريخية، تُحاكى أجواء احتفالات الأعراس التقليدية، مع إطلالات بانورامية على البلدة القديمة ليلاً، لتعكس الهوية الثقافية للعلا وثراءها الحضاري، وتمنح الزائر تجربة حيَّة في قلب المشهد التراثي للمكان.

العُلا تحتفي بفعالية «الطنطورة» ضمن تقليد ثقافي سنوي (واس)

على مسرح «ليالي البلدة القديمة»، يُنظَّم برنامج ثقافي متنوع يُبرز الفنون الشعبية والموروثات المحلية، ويعكس عمق الذاكرة الثقافية للمجتمع المحلي.

ولا تكتمل زيارة البلدة القديمة دون الجولات التفاعلية داخل 3 منازل مُرمَّمة، ومزوّدة بتقنيات سمعية وبصرية، لتسليط الضوء على العادات والتقاليد المحلية. تستعرض هذه الجولات محطات مميزة من حياة المجتمع المحلي، مثل مراسم الزواج، وذكريات الطفولة، وحكايات كبار السن الغنية بالحكمة، لتمنح الزائر تجربة ثقافية وإنسانية متكاملة.