الشوارع والمراكز التجارية الكبيرة ببغداد اكتسبت لون الحب، اللون الأحمر يغطي واجهاتها، أنواع من الهدايا التي تحمل لون «فالنتاين» من ورود ودمى لدببة وقلوب معروضة ومنذ عدة أيام حتى لدى الباعة الجائلين فوق أرصفة الكرادة داخل، في جانب الرصافة، والتي هزتها قبل أسبوع انفجارات الإرهابيين، ومنطقة المنصور وحي الحارثية الراقيين بجانب الكرخ. غير هذا هناك النوادي الاجتماعية، خاصة العلوية والصيد والهندية والفنادق الكبرى مثل الرشيد وعشتار شيراتون وفلسطين ميرديان والمطاعم والمقاهي التي زينت واجهاتها بكلمات تتغنى بحب العراق وتندد بالإرهاب والكراهية وتدعو إله المحبة، وما أحوج العراق والعراقيين اليوم إلى المحبة ونبذ ما تتركه إفرازات السياسة والمحاصصات الطائفية وإرهاب تنظيم داعش.
وعلى الرغم من بعض الاعتراضات على ترويجه، فإن منهاج الاحتفال بعيد الحب (الفالنتاين) في بغداد هذا العام أخذ طابعا آخر، كونه جاء مترافقا مع فرحة العراقيين برفع حظر التجوال عن عاصمتهم العراقية بعد نحو 10 سنوات، وعودة طقوس السهرات البغدادية التي طال انتظارها، والعيد هذا العام يأتي تحديًا لإرهاب «داعش» الذي يحاول طمس معالم الفرح، مما شكل ضاعف من عزم المدنيين والنشطاء والشباب، خصوصًا للاستعداد له في وقت مبكر وإيقاد أنوار ليل بغداد بالأضواء الملونة والسهرات الملاح التي أعلنت عنها بوقت كبرى النوادي والملتقيات العامة لتحفز جمهورها وعشاقها على استعادة أفراحهم وأعيادهم التي يحييها كبار المطربين والمطربات.
وصار بإمكان المواطن البغدادي اليوم، أن يختار قضاء سهرته في أحد النوادي الاجتماعية أو المطاعم التي أفردت له منهاجا خاصًا ومميزا يمتد حتى ساعات الفجر الأولى دون أن ينغص عليه مشكلة غلق الشوارع العامة بعد الساعة الثانية عشرة ليلا، والمفارقة أن أكثر من خيار متاح للاحتفال، في أكثر من مكان، وبعضهم بدأ احتفالاته قبل أيام من موعده في 14 فبراير (شباط)، بسبب حجوزات مسبقة، وخصص لها منهاجا فنيا وثقافيا منوعًا لم يخلُ بعضها من التضامن مع معاناة النازحين بتخصيص ريع تلك الحفلات لمساعدتهم، أو إعلان التضامن مع القوات الأمنية في حربها ضد الإرهاب.
والاحتفال بعيد الحب» أو «الفالنتاين» شاع في العراق بعد عام 2003؛ إذ بدأ بعض الشباب يتفاعل معها عاما بعد عام من تغيير النظام السابق بشكل أكبر، حتى صارت تقليدًا يطرق أبواب الشباب في كل عام وسط اعتراضات من قبل بعض المتزمتين ممن يرونه تقليعة غربية ولا تمت لمجتمعنا المحافظ بصلة، أو بسبب كونه لا يتناسب مع ما تعيشه قواتنا الأمنية في مواجهتها الموت وحربها ضد الإرهاب.
يقول الشيخ فيصل عبد الله، أحد نشطاء المجتمع المدني، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إنه بصدد إقامة أضخم حفل في بغداد، جرى الاستعداد له في وقت مبكر وهو يحمل الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية المنوعة، بمشاركة عدد كبير من الشباب المتطوع، تحت شعار «كلنا نحبك يا عراق»، وذلك في فندق الرشيد وسط العاصمة بغداد، ووزعت بطاقات الحضور للجميع.
وأضاف: «نريد من حفلنا هذا أن نوصل رسالة للجميع بأننا نحب عراقنا وسنبقى نرعاه ونصونه ونحميه ونتكاتف جميعا لأجل مؤازرته وهو يتعرض لهجمة بربرية تريد النيل من عمق حضارته وثقافته وتخرق صمام السلام فيه».
محال كثيرة في بغداد، ارتدت حلة جديدة، وهي تطرح هدايا العيد ومعظمها ملون باللون الأحمر للدب الشهير، بأحجام وأشكال منوعة، إضافة لأنواع الهدايا، حتى صارت كأنها لوحة جميلة أضفت الفرح على النفوس. مختار صادق، صاحب مكتبة النور للهدايا في منطقة السيدية (غرب بغداد) قال: «كل عام أقوم بتزيين محلي احتفالا بعيد الفالنتاين، وهو مناسبة جميلة لأجل التعبير عن حبنا لمن نحبهم، سواء الأخت أو الأخ أو الأم والزوجة والحبيبة» مضيفًا: «إن زبائنه معظمهم من الشباب والشابات، وهم يفضلون شراء الدب الأحمر أو الأبيض دائما». وزارات ومؤسسات الدولة الرسمية، فضلت المشاركة هذا العام بإقامة طقوس الاحتفال، بدأتها وزارة الثقافة العراقية التي نظمت حفلها في دار الثقافة والنشر الكردية بحضور منتسبيها الذين حرصوا على ارتداء ملابس باللون الأحمر فيما توزعت الزهور الحمراء بينهم وألقيت أشعار تغنت بحب العراق.
يقول فوزي الأتروشي، وكيل وزارة الثقافة، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «حب العراق متأصل في قلوبنا، ولا بد أن نقول له في يوم، إننا نحبك ونحب أهلنا، وأصدقاءنا، وإقامة مظاهر الاحتفال تعني أن قلوبنا نظيفة تسعى للسلام والوئام مع الجميع لنزيل أطواق الطائفية التي حلقت حولنا وباعدت قلوب البعض مع أهلهم».
وحرصت الإعلامية رجاء حميد على أن تنشر في تغريدة لها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تهدي وردة حمراء لصديقاتها بمناسبة عيد الحب «لوﻻ المحبة التي تجمعنا كعراقيين لما استطعنا أن نواجه اﻻنقسامات والطائفية والظروف القاسية التي تعرض لها البلد ولا يزال من هجمات ظلامية، ولكن تبقى رحمة الله واسعة، ولا بد من انتهاء هذه الظروف لتشرق شمس العراق ساطعة وقوية وتفشل معها كل مؤامرات المعتدين.. كل عام والحب يجمعنا».
ويقول الشباب أمير أحمد (22عامًا): «عيد الحب يعني أننا نعيش الحب بقلوبنا، وما زلنا نتنفس الحياة بشكلها الذي يجب أن يكون». وأضاف: «لن نسمع للإرهاب والموت بأن يكون اللغة الشائعة وسنحاربه دوما بأننا نحب بعضنا ونتكاتف لنكون أقوى».
بغداد تتغنى بالمحبة وتحتفل بـ«عيد الحب» حتى الفجر
تزامن مع إطلاق ليل العاصمة العراقية من أسره ورفع حظر التجول
بغداد تتغنى بالمحبة وتحتفل بـ«عيد الحب» حتى الفجر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة