معرض «كثرت هواجيسي» يستكشف فن الشارع ويجسد واقعه

على هامش أسبوع جدة للفنون

جانب من معرض «كثرت هواجيسي» - تصوير (باهر يونس)
جانب من معرض «كثرت هواجيسي» - تصوير (باهر يونس)
TT

معرض «كثرت هواجيسي» يستكشف فن الشارع ويجسد واقعه

جانب من معرض «كثرت هواجيسي» - تصوير (باهر يونس)
جانب من معرض «كثرت هواجيسي» - تصوير (باهر يونس)

من عبارة كتبت على أحد شوارع مدينة جدة استوحي معرض يقام حاليا، يقدم لأول مرة نظرة واسعة على ما يسمى بـ«فن الشارع». وقد لا يتوقع الكثيرون أن فن الشارع، والغرافيتي وهو جانب منه، أصبح من أدوات التعبير الفني لدى عدد متزايد من الشباب. ويأتي هذا المعرض ليقدم أعمال بعض هؤلاء الفنانين ويفتح الباب على عالم مختلف.
«كثرت هواجيسي» افتتح على هامش فعالية 21.39 الفنية ويستمر حتى 19 فبراير (شباط) الحالي في منطقة وسط البلد بجدة. وقام بتنسيق المعرض آية على رضا ورنيم فارسي وسامية فلمبان بإشراف من حمزة صيرفي.
وخلال حديث مع المنسقة آية علي رضا حول المعرض وطريقة اختيار الفنانين المشاركين فيه والموضوعات المطروحة، وقبل هذا وذاك ما هو فن الشارع السعودي؟ ولماذا اختيرت منطقة البلد لاستضافة المعرض؟
تبدأ آية حديثها بالمكان الذي اختاره فريق العمل لاستضافة المعرض، وتشير إلى أن منطقة البلد كانت دائما حاضرة في ذهن أفراد الفريق لإقامة معرض فني معاصر هناك، ولكن كانت هناك مخاوف من حالة بعض المباني القديمة. الفرصة سنحت بالصدفة؛ إذ عثر حمزة صيرفي على مكان وجده ملائما لإقامة معرض عن فن الشارع، وبالفعل استقر العزم على المضي بالفكرة نحو التنفيذ. ولدخول عالم المشتغلين بفن الشارع استعان الفريق ببسمة فلمبان التي أنشأت موقعا إلكترونيا ومدونة تدور حول الموضوع، وهكذا أطلق الفريق دعوات للفنانين الراغبين بالمشاركة لإرسال صور من أعمالهم. تشير علي رضا إلى أن المعرض «كثرت هواجيسي» يحاول التركيز على أعمال لم تستغل تجاريا. وتقول: «كنا إذا أردنا رؤية نماذج من أعمال فناني الشارع نجدها معروضة في الغاليرهات التجارية مرسومة على الخشب أو القماش، وهو ما يفقدها هويتها وشخصيتها الفنية». وهو ما يهدف إليه المعرض «بإعادة فن الشارع إلى الشارع» عبر الاتفاق مع فنانين ما زالوا يقومون بخط أعمالهم على الحوائط في شوارع جده».
البحث عن الفنانين المشتغلين بهذا النوع من الفن تم عبر شبكات الاتصال الاجتماعي، وتشير علي رضا إلى أن دائرة الفنانين المشتغلين بفن الشارع غنية ومتشابكة، ولكنها تفتح أبوابها لمن يبحث. ردود الفعل كانت «حماسية جدا» ومرحبة بفكرة العمل في منطقة وسط البلد، وفي حين لم يتساءل أي منهم حول المقابل المادي إلا أن السؤال الأهم لدى كثير منهم هو الحفاظ على الاسم الفني لهم وعدم استخدام الاسم الحقيقي «هم يستخدمون أسماء خاصة للتوقيع على أعمالهم وكان من المهم أن يحافظوا على تلك الهوية الفنية».
تلقى المنسقون طلبات من فنانين من عدد من مدن المملكة وأيضا من خارجها، فحضر فنان خصيصا للمعرض من الشارقة وشاركت فنانة أخرى بأعمالها من أستراليا حيث تقيم.
تلقى فريق المعرض اقتراحات وصور للأعمال المقترحة وتم الاختيار من بينها ما يلائم المعرض، وتشير علي رضا إلى أن فريق المنسقين لم يحددوا موضوعا بعينه للمعرض وتركوا الخيار للفنانين بتقديم اقتراحاتهم للاختيار الملائم منها. ولطبيعة المعرض، فقد قام الفنانون بالرسم على الحائط داخل مساحة العرض مباشرة، بعضهم اختار من أعمال سابقة، والآخرون قرروا خلق عمل خاص للمعرض، «تركنا لهم الحرية في عدد الأعمال المقدمة وأيضا مكان وضعها داخل مساحة العرض وكان من المثير مراقبة الاختيارات. شرطنا الوحيد كان أن يكون الفنان المشارك قدم أعمالا في الشارع بالفعل». الصيغة التي ظهر عليها المعرض كانت تلقائية وغير مباشرة وهو ما تؤكد عليه. وتقول: «حاولنا ألا نقوم بتنظيم المعرض، بمعنى أننا أردنا أن نجرب صيغه جديدة، فلم يكن لدينا مثل لنحتذي به في هذا النوع من المعارض، فاعتمدنا على روح المكان لتلهمنا».
ويأتي هذا المعرض غير الربحي الفريد من نوعه كنتيجة مضادة للتجارة بفن الشارع، حيث يسعى لإعادة هذا الفن المميز إلى العامة. واقعا في مساحة شبه مفتوحة في الهواء الطلق من سقيفة مهجورة داخل المنطقة التاريخية بالبلد يظهر المعرض أمثلة حقيقية لفن الشارع السعودي التي يمكن العثور عليها فيجمع أنحاء البلاد لتلتقي في مكان واحد.
المعرض يشمل جميع أشكال التعبير كالكتابة على الجدران والاستنسل والملصقات الجدارية بمختلف أنواعها، بالإضافة للعروض الأدائية وحتى الجدران المجهولة، مما يجعل «كثرت هواجيسي» منظورا للأحاسيس المطلقة والعفوية النابعة من أبناء المجتمع المحليين، ومشهدا يعطي لمحة عن الفن الناشئ لجيل اعتبر الشارع منفذا لهواجيسهم.
المعرض منظم من قبل كل من آية علي رضا، ورنيم فارسي، وبسمة فلمبان وبمشاركة مستشار المعرض حمزة صيرفي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».