جوزيف بوريل: على النظام السوري تغيير سلوكه داخلياً... وخارجياً

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه يدعم اقتراح بيدرسن لتفعيل التعاون الدولي في التسوية وتنفيذ القرار 2254

المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل
المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل
TT

جوزيف بوريل: على النظام السوري تغيير سلوكه داخلياً... وخارجياً

المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل
المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل

شدّد المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، على وجوب انخراط «القيادة السياسية» في دمشق في اتخاذ قرارات واضحة لا لبس فيها، لـ«إنهاء قمع الشعب السوري، والدخول بصورة هادفة في المفاوضات التي ترعاها وتشرف عليها منظمة الأمم المتحدة»، لتنفيذ القرار الدولي 2254.
وقال بوريل، في حديث بمناسبة انعقاد الدورة الخامسة من مؤتمر بروكسل للمانحين الاثنين، رداً على سؤال، إنه «لا بد أن يتخذ النظام السوري قراراً واضحاً بتغيير سلوكه، وتغيير أسلوب تفاعله مع بقية بلدان العالم، قبل أن يَجري التفكير في الدعوة» لعقد مؤتمر لإعمار سوريا بمساهمة الاتحاد الأوروبي.
وأضاف «على النظام، اعتماد تغييرٍ واضحٍ وصريحٍ في التصرفات، قبل التفكير في رفع العقوبات الاقتصادية من جانب الاتحاد الأوروبي».
وسئل بوريل عن الانتخابات الرئاسية السورية المقرر عقدها قبل انتهاء ولاية الرئيس بشار الأسد في 17 يوليو (تموز) المقبل، فأجاب: «إذا كنا نرغب في رؤية انتخابات تسهم في تسوية النزاع القائم، فلا بد أن تُجرى وفق القرار 2254»، مضيفا «في ظل ظروف الصراع الحالية، وبما أن النظام السوري قد أخفق في الانخراط بصورة هادفة في المفاوضات التي تقودها منظمة الأمم المتحدة (...)، لا يمكن لهذه الانتخابات الرئاسية أن تسفر عن أي إجراءات من شأنها التطبيع المباشر مع النظام. وعليه، فلقد دعونا أطرافاً أخرى في المجتمع الدولي، والمنطقة على نطاقها الأوسع، إلى تجنب الخوض في أي درجة من درجات التطبيع من هذا القبيل».
ولم يجب بوريل لدى سؤاله حول إمكانية حصول حوار أميركي - روسي بشأن سوريا، لكنه قال إن مؤتمر بروكسل «يجمع الجهات الفاعلة والبلدان المانحة الرئيسية على وجه التحديد، من أجل تشجيع استمرار الحوار والتقدم على مسار الحل السياسي للأزمة».
وأيد بوريل دعوة المبعوث الأممي، غير بيدرسن، لتعاون الدول الفاعلة لحل الأزمة السورية، قائلاً إنه من المهم «تعزيز سبل الحوار بين مختلف الجهات الفاعلة، المعنية والمؤثرة في مجريات الأزمة السورية».
وهنا نص الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» الأحد:

> الدورة الخامسة من مؤتمر بروكسل للمانحين ستعقد الثلاثاء... ماذا تتوقعون من المؤتمر على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟
- بعد مرور عشر سنوات على الصراع في سوريا، لا يمكن للمجتمع الدولي التردد في إيلاء المزيد من الاهتمام والتركيز على الحاجة الماسة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الراهنة. إذ يدعو الاتحاد الأوروبي كافة الأطراف الدولية المعنية ذات الصلة والتأثير في الأزمة السورية إلى تضافر الجهود وتوحيدها خلال مؤتمر بروكسل في 30 مارس (آذار)، بهدف إعادة تأكيد وترسيخ الدعم القوي للوصول إلى حل سياسي بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ومن شأن المؤتمر ضمان بقاء سوريا على رأس أولويات أجندة الأعمال الدولية.
> هل هناك تأثير لجائحة «كورونا» على توقعاتكم من الدول المانحة؟
- هدفي الأساسي هو أن يجدد المجتمع الدولي دعمه السياسي والمالي للشعب السوري، سواء من القاطنين داخل سوريا، أو اللاجئين إلى خارجها، في بلدان الجوار السوري، لا سيما في الأردن ولبنان وتركيا، وكذلك مصر والعراق.
ويشكل هذا المؤتمر الحدث الرئيسي لإعلان التعهدات بالمساعدات المالية لسوريا وللمنطقة في عام 2021، ويكمن هدفه الرئيسي في ضمان تلبية نداء منظمة الأمم المتحدة على أفضل وجه ممكن، لا سيما مع النظر إلى التحديات الإضافية المتمثلة في مواجهة جائحة فيروس «كورونا» المستجد.
> وفَّر المؤتمر الماضي مساعدات مالية بقيمة 7 مليارات دولار أميركي. هل تعتقدون أنه سيكون ممكناً الحصول على التعهدات المالية نفسها في مؤتمر العام الجاري؟ وهل سوف تتمكنون من الاستجابة لنداء منظمة الأمم المتحدة لتأمين المساعدات الإنسانية؟
- منذ بدء اندلاع الصراع في سوريا، في عام 2011، أسهم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، بما يقرب من 25 مليار يورو لتغطية الاحتياجات الناشئة عن الحرب الأهلية السورية، في الأراضي السورية نفسها وفي المنطقة الإقليمية بمجالها الأوسع. وخرج نحو ثلثي التعهدات التي تمخضت عنها مؤتمرات المساعدات المالية المتعاقبة، من بلدان الاتحاد الأوروبي.
> يواكب انعقاد المؤتمر الذكرى العاشرة لاندلاع الأزمة. متى تتوقع انعقاد مؤتمر لإعمار سوريا؟ وما هي شروط المساهمة الأوروبية في إعمار سوريا؟
- أتطلع كثيراً إلى اليوم الذي نتمكن فيه من الدعوة لمؤتمر لإعادة إعمار سوريا. غير أن توقيت انعقاد مثل هذا المؤتمر يتوقف على تصرفات النظام الحاكم في سوريا، في المقام الأول. ونحن ندعو النظام الحاكم في سوريا إلى التغيير من تصرفاته. والأمر متروك برمته إلى القيادة السياسية في دمشق، لاتخاذ القرارات الواضحة التي لا لبس فيها بشأن إنهاء قمع الشعب السوري، والدخول بصورة هادفة في المفاوضات التي ترعاها وتشرف عليها منظمة الأمم المتحدة.
خلاصة القول، على النظام السوري اتخاذ قرار واضح بتغيير سلوكه، كذلك تغيير أسلوب تفاعله مع بقية بلدان العالم، وذلك قبل أن يجري التفكير في الدعوة لعقد مثل هذا المؤتمر.

معايير دولية
> لكن دمشق مقبلة على انتخابات رئاسية يتوقع أن يفوز فيها الرئيس بشار الأسد... كيف تنظرون لمثل هذه الانتخابات؟
- إن كنا نرغب في رؤية انتخابات تسهم في تسوية النزاع القائم، فلا بد أن تُجرى وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 تحت رعاية وإشراف منظمة الأمم المتحدة، مع السعي الحثيث لتحقيق أعلى المعايير الدولية المعروفة في الانتخابات، ولا بد أن تتسم بالحرية، والنزاهة، والسماح لكافة المرشحين المحتملين بالترشح فيها، وتنظيم الحملات الانتخابية بكل حرية، مع الحاجة الماسة إلى احترام الشفافية والمساءلة، وأخيراً وليس آخراً، إتاحة الإمكانية لكافة أطياف الشعب السوري، بما في ذلك الموجودون في الخارج، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
> دمشق وموسكو تريدان أن تستعمل الانتخابات للضغط في اتجاه التطبيع... فهل يمكن أن يُقدم الاتحاد الأوروبي على التطبيع مع دمشق بعد ذلك؟
- في ظل ظروف الصراع الحالية، وبما أن النظام السوري الحاكم أخفق في الانخراط بصورة هادفة في المفاوضات التي تقودها منظمة الأمم المتحدة، فليس من الممكن إجراء الانتخابات التي ينظمها النظام السوري الحاكم، على غرار تلك المطلوب انعقادها في وقت لاحق من العام الجاري، وفقاً للمعايير الدولية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ثم إنه لا يمكن لهذه الانتخابات الرئاسية أن تسفر عن أي إجراءات من شأنها التطبيع المباشر مع النظام السوري الحاكم. وعليه، فلقد دعونا أطرافا أخرى في المجتمع الدولي، والمنطقة على نطاقها الأوسع، إلى تجنب الخوض في أي درجة من درجات التطبيع من هذا القبيل.
> هل دعوتم الحكومة الروسية لحضور مؤتمر بروكسل المقبل؟ وكيف يمكنكم العمل مع موسكو بشأن الملف السوري مع بقاء العلاقات مع روسيا عند هذا المستوى المنخفض؟
- دعونا الاتحاد الروسي إلى كل مؤتمر انعقد في بروكسل بشأن الأزمة السورية، والحكومة الروسية محل ترحيب دائم في مثل تلك الفعاليات. وليس خافياً على أحد أن العلاقات بين الاتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي ليست على المستوى المنشود في الآونة الراهنة. غير أن ذلك لا يحول بيننا وبين تبادل وجهات النظر بشأن المسائل والقضايا العالمية ذات الاهتمام المشترك، ولا يمنعنا من العمل مباشرة مع الجانب الروسي بغية الوصول إلى حلول جيدة عندما تتاح لنا الفرصة إلى ذلك. على سبيل المثال، هناك مستوى جيد من التعاون مع الحكومة الروسية داخل اللجنة الرباعية في الشرق الأوسط.

ضغوط
> ماذا عن العقوبات الاقتصادية على دمشق؟ وما هو الهدف منها؟
- تهدف العقوبات الاقتصادية المفروضة من الاتحاد الأوروبي والمتعلقة بسوريا، إلى تفادي إعاقة تدفقات المساعدات الإنسانية. ويشتمل هذا على الجهود المبذولة في خضم المكافحة العالمية لجائحة فيروس «كورونا» الراهنة. ومن ثم، فإن تصدير المواد الغذائية، أو الأدوية، أو اللوازم الطبية من شاكلة أجهزة التنفس الصناعي وأجهزة التهوية، لا تخضع أبداً للعقوبات الاقتصادية من طرف الاتحاد الأوروبي. وعلاوة على ذلك، يجري النظر في عدد من الاستثناءات المحددة بشأن الأغراض الإنسانية.
> دمشق وموسكو تؤكدان أن هذه العقوبات تؤثر على المساعدات الإنسانية
- دعونا لا ننسى الصورة الكبيرة للوضع: يتحمل النظام السوري الحاكم الجانب الأكبر من المعاناة الإنسانية التي يتكبدها الشعب السوري. وقد تعمد النظام الحاكم هناك، مراراً وتكراراً، رفض وصول المساعدات الإنسانية إلى عدد من المناطق السورية، كجزءٍ من استراتيجيته خلال الصراع الدائر.
إن تصرفات النظام السوري الحاكم تعد المسؤول الأول عن اندلاع الأزمة الإنسانية، وليس عقوبات الاتحاد الأوروبي. وهذه من النقاط المهمة التي سيُعنى الاتحاد الأوروبي بتوضيحها خلال فعاليات المؤتمر القادم، إن كانت هناك محاولات أخرى جديدة لإلقاء تبعات الأمر على العقوبات الاقتصادية الأوروبية في المعاناة الإنسانية الراهنة للشعب السوري.
> متى ترفع العقوبات؟
- الهدف من هذه التدابير العقابية مواصلة الضغوط على النظام السوري الحاكم، بغية وقف أعمال القمع، ثم التفاوض بشأن التسوية السياسية الدائمة للأزمة السورية، بما يتفق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة. وتأتي تلك التدابير في معرض الدفع باتجاه الاستجابة الممنهجة وواسعة النطاق من قبل النظام السوري لاحترام حقوق الإنسان، والالتزام بالقانون الإنساني الدولي. على النظام السوري الحاكم، اعتماد تغيير واضح وصريح في التصرفات قبل التفكير في رفع العقوبات الاقتصادية من جانب الاتحاد الأوروبي.

أميركا وروسيا
> ماذا عن التسوية السياسية وجهود المبعوث الأممي غير بيدرسن خصوصاً أن الأمم المتحدة تساهم في رعاية مؤتمر بروكسل؟
- يواصل الاتحاد الأوروبي دعم مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، السيد غير بيدرسن، في جهوده الحثيثة لتعزيز كافة جوانب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ضمن مقاربة عمل شاملة. ومن الأهمية بمكان إحراز المزيد من التقدم على مسار أعمال اللجنة الدستورية السورية، حيث إنها تقوم مقام البوابة التي تُفضي إلى العناية بجوانب أخرى ذات صلة بالقرار الأممي المذكور. ونحن على دراية كاملة بأن السيد غير بيدرسن يواصل محاولاته لإحراز التقدم الملموس في هذه الجوانب الأخرى، كما أننا ندعمه تماماً في هذه الجهود أيضاً، إذ يعتقد الاتحاد الأوروبي بأن مصير الأشخاص المفقودين والمحتجزين لدى النظام السوري لا بد من تناوله والتعامل معه على وجه السرعة، وبصفة خاصة على اعتباره من أبلغ بواعث القلق العميقة لدى العائلات في كافة أنحاء سوريا. وإنني، بصفة شخصية، أشجع السيد غير بيدرسن في جهوده المستمرة على هذا المسار.
> ماذا عن اقتراح بيدرسن تشكيل مجموعة جديدة للاتصال بشأن الأزمة السورية وضرورة تعاون المجتمع الدولي في الحل؟
- فيما يتصل بدعوة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، للمشاركة الدولية الإيجابية والبناءة بشأن الأزمة السورية، فإنني أتفق معه تماماً في هذه النقطة أيضاً؛ إذ يُعتبر مؤتمر الجهات المانحة في بروكسل، نهاية الشهر الجاري، من الأمثلة العملية على التزام الاتحاد الأوروبي بتعزيز سبل الحوار بين مختلف الجهات الفاعلة المعنية والمؤثرة في مجريات الأزمة السورية.
> ماذا عن أميركا وروسيا؟ ما هو موقفكم من الحوار بينهما حول سوريا؟
- صحيح أن المفاوضات الأميركية - الروسية المشتركة قد اضطلعت بدور بارز ومهم في الملف السوري في الماضي، على غرار المباحثات التي جرت بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف. أما إذا كانت مثل تلك المفاوضات ممكنة الحدوث في الآونة الراهنة، فهذا أمر لا بد أن تسألهما عنه.
> هل الحوار بين واشنطن وموسكو وارد الآن؟
- ما نحن بصدد القيام به في مؤتمر بروكسل المقبل هو الجمع بين الجهات الفاعلة، والبلدان المانحة الرئيسية على وجه التحديد، من أجل تشجيع استمرار الحوار والتقدم على مسار الحل السياسي للأزمة. ويقف الاتحاد الأوروبي على أهبة الاستعداد للمشاركة والمساعدة المباشرة كلما أمكن ذلك، نظراً لأن سوريا هي من القضايا ذات الأهمية القصوى بالنسبة لنا.
> خطوط التماس في سوريا ثابتة لأول مرة منذ أكثر من سنة وهناك ثلاث مناطق نفوذ... ما هو موقف الاتحاد الأوروبي من هذا المشهد؟ هل رؤيتكم هي ذاتها لكل سوريا؟
- أجل، لدى الاتحاد الأوروبي رؤية متطابقة لكل منطقة تقوم على احترام مبادئ: الوحدة، والسيادة، وسلامة الأراضي في الدولة السورية. وعلاوة على ما تقدم، فإن الحل السياسي المنشود في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لا بد أن يكون معنياً بالمستقبل السوري، وتحت قيادة سورية، وموجهاً لصالح سوريا في المقام الأول.

سوريا بعد ١٠ سنوات... لا حل عسكرياً للصراع
> قال مسؤول الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل في بيان بمناسبة الذكرى العاشرة لبدء الاحتجاجات السورية: «يصادف 15 مارس (آذار) 2021 ذكرى مرور عشر سنوات على بدء الاحتجاجات السلمية في جميع أنحاء سوريا، بعد أن أدى القمع والعنف الذي يمارسه النظام إلى نشوب صراع استمر عقداً كاملاً حتى الآن.
أدى القمع الوحشي الذي يمارسه النظام ضد الشعب السوري، وفشله في معالجة الأسباب الجذرية للانتفاضة، إلى تصعيد الصراع المسلح وتدويله. فعلى مدى السنوات العشر الماضية، تسببت الانتهاكات التي لا حصر لها لحقوق الإنسان، والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني من قبل جميع الأطراف، ولا سيما من قبل النظام السوري، في معاناة إنسانية هائلة.
إن المساءلة عن جميع انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان تكتسب أهمية قصوى، كشرط قانوني وكعنصر أساسي في تحقيق السلام المستدام والمصالحة الحقيقية في سوريا.
وتعد أزمة اللاجئين السوريين أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث يوجد 5.6 مليون لاجئ مسجل، و6.2 مليون نازح داخل سوريا، يعيشون ظروفاً غير مواتية لعودتهم الآمنة والطوعية والكريمة والمستدامة، بما يتماشى مع القانون الدولي. علاوة على ذلك، فقد ترتب على الصراع تداعيات خطيرة في جميع أنحاء المنطقة وخارجها، كما أنه وفر للمنظمات الإرهابية ظروفاً مواتية. ويشير الاتحاد الأوروبي إلى أن جميع الجهات الفاعلة في سوريا يجب أن تركز على القتال ضد «داعش»، ولا يزال منع عودة ظهور التنظيم الإرهابي من الأولويات.
الصراع في سوريا لم ينته بعد، إذ لا يزال الاتحاد الأوروبي يعقد العزم على وضع نهاية للقمع، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، ومشاركة النظام السوري وحلفائه بشكل هادف في التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وسيجري تجديد عقوبات الاتحاد الأوروبي التي تستهدف كيانات النظام والأعضاء البارزين فيه، في نهاية مايو (أيار). ولم يغير الاتحاد الأوروبي سياسته على النحو المبين في الاستنتاجات السابقة للمجلس، ولا يزال ملتزماً بوحدة وسيادة وسلامة أراضي الدولة السورية.
وسيكون الاتحاد الأوروبي على استعداد لدعم انتخابات حرة ونزيهة في سوريا، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتحت إشراف الأمم المتحدة، بما يرضي مبادئ الحوكمة وأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة لجميع السوريين، بما في ذلك السوريون في الشتات المؤهلون للمشاركة. فالانتخابات التي ينظمها النظام السوري، مثل الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي أو الانتخابات الرئاسية في وقت لاحق من هذا العام، لا تفي بهذه المعايير، وبالتالي لا يمكن أن تسهم في تسوية الصراع، ولا تؤدي إلى أي إجراء للتطبيع الدولي مع النظام السوري.
ولا يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتجاهل ذلك، لأن مستقبل سوريا وشعبها رهين الصراع.
وفي يومي 29 و30 مارس، يشارك الاتحاد الأوروبي مع الأمم المتحدة في رئاسة مؤتمر بروكسل الخامس حول «دعم مستقبل سوريا والمنطقة»، بمشاركة الحكومات والمنظمات الدولية، وكذلك المجتمع المدني السوري.
والاتحاد الأوروبي على استعداد لتعزيز الحوار بين جميع الجهات الدولية ذات النفوذ في الأزمة السورية، ويدعوها إلى توحيد الجهود في المؤتمر، لإعادة تأكيد وتوطيد الدعم القوي لحل سياسي وفقاً للقرار الدولي 2254، وكذلك فيما يتعلق بالجهود الحثيثة التي يبذلها مبعوث الأمم المتحدة الخاص غير بيدرسن، للنهوض بجميع جوانب القرار 2254 في نهج شامل. ولا يمكن أن يكون هناك حل عسكري لهذا الصراع، حيث لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار المستدامين إلا من خلال حل سياسي حقيقي وشامل بقيادة سورية، مع المشاركة الكاملة والفعالة للمرأة، ومع مراعاة اهتمامات جميع شرائح المجتمع السوري.
وكما كان الحال في السنوات السابقة، سيوفر المؤتمر أيضاً دعماً مالياً دولياً للمساعدة في تلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة بشكل كبير، داخل سوريا، كما للاجئين السوريين وللمجتمعات المضيفة لهم ولبلدان المنطقة. وستكون هناك دعوة قوية من المؤتمر لتجديد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2533 الذي يسمح بمرور وتسليم المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق عبر الحدود، وهو أمر ضروري في ظل الظروف الحالية لتلبية الاحتياجات الحيوية للملايين داخل سوريا.

نداء لتوفير 10 مليارات دولار للسوريين
> حث مسؤولو الشؤون الإنسانية واللاجئين والتنمية في الأمم المتحدة المانحين الدوليين على التحرك والوقوف بجانب ملايين الأشخاص في سوريا والمنطقة الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة ودعم سبل العيش بعد عقد من الحرب.
هناك حالياً 14 مليونا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية أو غيرها من أشكال المساعدة في سوريا والمنطقة، في زيادة قدرها 4 ملايين عن العام الماضي، وأكثر من أي وقت آخر منذ بدء الصراع. في العام الحالي، هناك حاجة إلى أكثر من 10 مليارات دولار أميركي لتقديم الدعم الكامل للسوريين والمجتمعات المضيفة للاجئين المحتاجة. ويشمل ذلك 4.2 مليار دولار على الأقل للاستجابة الإنسانية داخل سوريا و5.8 مليار دولار لدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة في المنطقة.
وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة مارك لوكوك: «لقد مرت عشر سنوات من اليأس والكارثة بالنسبة للسوريين. والآن أدى تدهور الظروف المعيشية، والتدهور الاقتصادي، و(كوفيد - 19) إلى مزيد من الجوع وسوء التغذية والمرض. لقد تراجع القتال، لكن ليس هناك عائد سلام. يحتاج المزيد من الناس إلى المزيد من المساعدة أكثر من أي وقت مضى خلال الحرب، ويجب أن يعود الأطفال إلى التعلم. الاستثمار في العطف والإنسانية أمر جيد دائما، ولكن الحفاظ على مستويات المعيشة الأساسية للناس في سوريا هو أيضاً عنصر أساسي للسلام المستدام. هذا في مصلحة الجميع».
من جهته، قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي: «بعد عقد من المنفى، تفاقمت معاناة اللاجئين بسبب التأثير الساحق للوباء، وفقدان سبل العيش والتعليم، وتفاقم الجوع واليأس، فإن المكاسب التي تم تحقيقها بشق الأنفس معرضة بالفعل للخطر. لا يمكن للمجتمع الدولي أن يدير ظهره للاجئين أو مضيفيهم. يجب أن يحصل اللاجئون ومضيفوهم على ما لا يقل عن التزامنا وتضامننا ودعمنا الذي لا يتغير. الفشل في القيام بذلك سيكون كارثيا على الناس والمنطقة».
في مؤتمر العام الماضي في بروكسل، تعهد المجتمع الدولي بتقديم 5.5 مليار دولار لتمويل الأنشطة الإنسانية والصمود والتنمية في عام 2020.



«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».