شكوك أميركية في فاعلية «أسترازينيكا»

لقاح «أسترازينيكا» الذي ساهمت في تطويره جامعة أكسفورد البريطانية (أ.ف.ب)
لقاح «أسترازينيكا» الذي ساهمت في تطويره جامعة أكسفورد البريطانية (أ.ف.ب)
TT

شكوك أميركية في فاعلية «أسترازينيكا»

لقاح «أسترازينيكا» الذي ساهمت في تطويره جامعة أكسفورد البريطانية (أ.ف.ب)
لقاح «أسترازينيكا» الذي ساهمت في تطويره جامعة أكسفورد البريطانية (أ.ف.ب)

شككت هيئة أميركية ناظمة، أمس (الثلاثاء)، في مستوى الفاعلية الذي أعلنته شركة «أسترازينيكا» البريطانية - السويدية للقاحها المضاد لمرض «كوفيد-19»، في ضربة جديدة للمختبر الذي يواجه ضغوطاً أساساً في أوروبا، فيما أحيت بريطانيا ذكرى ضحايا الوباء.
ففي حين يعد اللجوء إلى لقاح «أسترازينيكا» مهماً جداً في وقت تتسارع فيه الموجة الثالثة من الوباء في أوروبا، أعلن معهد أميركي أن شركة «أسترازينيكا» ربما استخدمت بيانات «قديمة» خلال تجاربها السريرية في الولايات المتحدة على اللقاح.
وأعرب المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، في بيان صدر مساء أول من أمس، عن «قلقه من أن (أسترازينيكا) ربما استخدمت معلومات قديمة في هذه التجارب، وهو أمر أدى إلى رؤية غير كاملة لفاعلية اللقاح». وأضاف: «نحض الشركة على العمل مع مجلس مراقبة البيانات والسلامة لتقييم فاعلية البيانات، والتأكد من أن البيانات الأكثر دقة وحداثة وفاعلية ستنشر بأسرع وقت ممكن».
وكان مختبر «أسترازينيكا» قد دافع مؤخراً عن لقاحه الذي يرفض قسم كبير من الأوروبيين تلقيه، مؤكداً أنه فعال بنسبة 80 في المائة ضد فيروس كورونا لدى الأشخاص المسنين، ولا يزيد خطر حصول جلطات دموية، بعد تجارب سريرية أجريت في الولايات المتحدة، وشملت 32449 شخصاً. وأوضح، أمس، أنه للوصول إلى هذه النتائج التي نشرت يوم الاثنين حول تجارب سريرية في الولايات المتحدة، استخدم بيانات تعود إلى ما قبل 17 فبراير (شباط). وتعهد مختبر «أسترازينيكا»، أمس، بأن يقدم في غضون 48 ساعة بيانات حديثة لهذه الهيئة الناظمة الأميركية.
وما زال الاتحاد الأوروبي منقسماً بشأن تشديد شروط تصدير اللقاحات المصنعة على أراضيه، وهو إجراء سيستهدف شركة «أسترازينيكا»، ويؤجج التوترات مع لندن التي تحرز تقدماً كبيراً في حملة التطعيم. ويجتمع ممثلو الدول السبع والعشرين التي تواجه خلافاً مع شركة «أسترازينيكا»، بشأن تسليمها كمية أقل بكثير من اللقاحات المتوقعة، في قمة يومي الخميس والجمعة.
إلى ذلك، قال التحالف العالمي للقاحات والتحصين (جافي)، أمس، إن آلية «كوفاكس» المخصصة لضمان التوزيع العادل للقاحات ستخصص 5 في المائة من جرعات لقاحات فيروس كورونا التي تشتريها «احتياطياً» للاستخدام في أوضاع إنسانية أو في حالات التفشي الشديد للفيروس. وأضاف أن الكمية تصل إلى 100 مليون جرعة لقاح بحلول نهاية 2021.
وتهدف آلية «كوفاكس» المدعومة من منظمة الصحة العالمية وتحالف «جافي» إلى توفير اللقاحات للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وحتى الآن، تم تسليم 31 مليون جرعة إلى 57 دولة. وذكر التحالف أن احتياطي اللقاحات سيستخدم في مناطق توجد فيها «فجوات لا يمكن تجنبها»، مثل مناطق النزاعات والمناطق التي تسيطر عليها جماعات مسلحة يتعذر وصول الحكومات إليها.
وأضاف أن الجرعات الاحتياطية قد تستخدم أيضاً في «حالات الطوارئ» لمكافحة تفشٍ شديدٍ لمرض «كوفيد-19»، حيث لا يكون الإطار الزمني المعتاد لتوزيع اللقاحات كافياً. لكن هذه الجرعات لن تكون متاحة إلا بعد تلقي جميع المشاركين في آلية «كوفاكس» الجرعة الأولى.
ومن جهة أخرى، كشفت مجموعة الأدوية السويسرية «روش»، الثلاثاء، عن نتائج تجارب سريرية واعدة لمزيج تجريبي من العلاج يجمع بين عقاري «كاسيريفيماب» و«إنديفيماب»، بالتعاون مع المختبر الأميركي «ريجينيرن»، للمرضى الذين يعالجون في منازلهم. وقالت المجموعة السويسرية، في بيان، إن البيانات الواردة في دراسة للمرحلة الثالثة من التجارب أظهرت انخفاضاً بنسبة 70 في المائة في حالات الاستشفاء أو الوفيات بين المرضى الذين أصيبوا بالوباء، ولم يحتاجوا إلى دخول المستشفى.
وأوضحت «روش» أن البيانات أظهرت أيضاً انخفاضاً في مدة الأعراض بمقدار 4 أيام (من 14 يوماً إلى 10 أيام). وتابع المختبر السويسري، في البيان، أن هذا العلاج التجريبي هو المزيج الوحيد من الأجسام المضادة وحيدة النسيلة التي تحتفظ بفاعليتها ضد النسخ المتحورة من الفيروس. وسيتم إرسال نتائج هذا الاختبار التجريبي إلى السلطات الصحية، وتقديمها للمراجعة من قبل الخبراء الطبيين في أقرب وقت ممكن. وأقامت مجموعة «روش» ومختبر «ريجينيرن»، في أغسطس (آب) الماضي، شراكة لتطوير هذا العلاج المزدوج وتصنيعه وتوزيعه.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟