ظلت عبارة «الجمهور عاوز كده» تطارد الإبداع في مصر وكأنها مبرر لتقديم أعمال دون المستوى تعزف على وتر الغرائز والإثارة والكوميديا المفتعلة، بزعم أن هذا ما يروق للجمهور، لكن بين الحين والآخر تظهر أعمال مختلفة تماماً تجمع بين العمق في المضمون والحرفية في الأداء على غرار العرض المسرحي «لحظة حب»، الذي تم تقديم موسمين منه بنجاح كبير على مسرح «البالون» بالقاهرة، ونظراً للإقبال الجماهيري الكبير عليه، تقرر تقديمه عبر جولة تشمل عدداً من المحافظات المصرية خلال الفترة المقبلة، قبل أن يعاود صناع العمل تقديمه مجدداً في موسم الصيف المقبل على خشبة «البالون».
وينتمي العمل إلى المسرح الشعري الذي غاب طويلاً عن الساحة الإبداعية المصرية والعربية، وتقوم الحبكة على حوار ثنائي «ديالوج» بين فنانة تشكيلية مرهفة الحس، متعطشة للدفء، وبين شاعر مثقل بالأحلام الكبرى، والشجن الخفي، غير أن هذا الحوار سرعان ما ينقلب في بعض المواقف إلى حوار مع النفس وهمسات مع الذات (مونولوج). ويظل العشق بين الشخصيتين بهواجسه وتقلباته وأفراحه وإحباطاته هو المحرك الرئيسي للصراع الدرامي، وإن كان هذا لا يمنع من أن تتفرع عنه خيوط فرعية تتعلق بتأملات في الوجود والحياة والمصير الإنساني.
تجسد الفنانة رجوى حامد دور الفنانة التشكيلية الجميلة الناجحة والتي رغم اكتمال مظاهر التحقق لديها، فإنها تفتقد إلى اللهب الذي يحرك سواكنها والشرارة التي تشعل جذوة الإبداع، نعم تفتقد للحب، تعثر على ضالتها في قصائد شاعر موهوب لكنه حزين ويميل للتشاؤم والسخرية بعض الشيء، وعلى الفور، تبدأ في تحويل القصائد إلى لوحات تضج بالمشاعر بين منحنيات الخطوط والزوايا الكامنة بين الظلال والنور، وفي يوم افتتاح المعرض، تقوم بدعوة الشاعر (الفنان بهاء ثروت) الذي يلبي نداءً خفياً هو الآخر، وحين يلتقيان، يتوهج مصباح العشق وتكتمل دائرة الغرام لكن ثمة مشكلة تغذي الصراع الدرامي، فشاعرنا هنا مثقل بإرث قديم من التجارب العاطفية الفاشلة، ولا يبدو متفائلاً بخوض غمار تجربة جديدة، مبرراً ذلك برؤى فلسفية تميل للحزن والاغتراب مع الواقع، لكن الفنانة التشكيلية تسعى لمساعدته على التعافي عاطفياً وتأهيله كي يستعيد قدرته على الحب الجامح المبرئ من هواجس وأشباح الماضي.
ولأن المسرحية تعتمد بالأساس على القصائد الشعرية كلغة للخطاب كما أن الصراع فيها يدور على المستوى النفسي العاطفي من دون وجود أحداث ساخنة تشحن الفضاء المسرحي بالتشويق، يصبح العمل كله مهدداً بالسقوط في فخ الملل والرتابة ومن ثم انفصال المتلقي. ومن هنا يأتي دور المخرج ياسر صادق الذي نجح في جعل الحدث يتطور في توتر درامي، موظفاً أداء الشخصيات على الخشبة عبر نبرة الصوت والتدرج من الهدوء إلى الصراخ والتنوع في الأداء الحركي فضلاً عن التوظيف الموسيقي والأغاني التي كتبها مؤلف العرض محمد الصواف وقدمها كل من نانسي جمال ومؤمن خليل، وألحان أحمد يحيى.
وجاء ديكور حمدي عطية ليكسب قصة الحب بعداً أسطورياً على طريقة قصص الغرام الكبرى في القرون الوسطى ومذكراً إيانا بأجواء «روميو وجولييت» التي أبدعها شكسبير، فثمة نافورة مياه تضئ بألوان شتى تتوسط حديقة ذات درجات صاعدة وأخرى هابطة من السلالم التي تصعد بك إلى شرفات متقابلة يجلس في إحداها عازف تشيللو «عمرو صباحي»، بينما تجلس في شرفة أخرى عازفة فلوت «مي فؤاد».
ويؤكد مخرج العرض ياسر صادق أنه نجح في رهانه على وعي الجمهور وذائقته المختلفة في وقت كان الانطباع السائد أن المسرح الشعري انتهى زمانه وأصبح مجرد ذكريات، وقال في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «إن النص الجيد والصدق في الأداء من جانب الممثلين، فضلاً عن الموسيقى والديكور والإضاءة كلها عناصر ساهمت في نجاح التجربة».
«لحظة حب»... دراما رومانسية تراهن على جمهور مختلف
العرض المصري يستعيد أمجاد المسرح الشعري
«لحظة حب»... دراما رومانسية تراهن على جمهور مختلف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة